لماذا قال المتنبي الخيل والليل والبيداء تعرفني

لماذا قال المتنبي الخيل والليل والبيداء تعرفني

لأنه كان رجلاً مغروراً، متكبراً، معتزاً بنفسه.

كان المتنبي رجلاً شديد الكبر، حتى أنه ادعى النبوة في شبابه (وقد كان ذلك سبب تسميته بالمتنبي)، ولكن مالبس أن عاد إلى رشده بعدما أسره (لؤلؤ) أمير حمص ونائب الإخشيد، فتاب المتنبي ورجع عنه ادعائه، كما قال عن نفسه: (أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي، وأسمعت كلماتي من به صمم)، ثم قال البيت الشهير الذي كان عمره أطول بكثير من عمر صاحبه: (الخيل والليل والبيداء تعرفني، والسيف والرمح والقرطاس والقلم).

من هو المتنبي

هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبدالصمد الجعفي المذحجي.

الخيل والليل والبيداء

اشتهر باسم: (أبو الطيب المتنبي)، وُلد عام 303 هجرياً، وتوفي 354 هجرياً، وكان فيما بين مولده وموته شاعراً من أعظم شعراء العرب على الإطلاق،وُلد بالكوفة في (كندة)، ونشأ في الشام.

كان له من العلم بمفردات اللغة، وقواعدها ما لم يتيسر لغيره، وأوصله تمكنه من اللغة إلى مكانة عالية لم يصل إليها غيره من شعرء عصره، فقط كان ومازال ملهماً لجميع الشعراء والأدباء، نضجت موهبته في سنٍ صغير، فنظم أولى قصائده في سن التاسعة، وقد كان فخوراً بنفسه معتزاً بعربته، يتملكه الكبرياء، كما أنه كان أول شاعر يلقي شعره جالساً، فقد كان من المعتاد أن يلقي الشعراء شعرهم وقوفاً، فمهما كان جمهوره ذات سلطة من أمراء وحكام، كان يجلس ويلقي شعره بفخرٍ وعزة، يرجع ذلك لكونه بدوي، تربى في الصحراء.

تدور أشعار المتنبي في فلك مدح الملوك، والأمراء، وأكثر ما كتب، وزاع صيته كان في عهد (سيف الدولة الحمداني) بحلب، فقد أحب المتنبي سيف الدولة لدرجة أن  ما يزيد عن ثلثي أعماله الأدبية نظمها في مدحه، وكان الحمداني يبادله الحب، والإعجاب بشعره، وينهال عليه بالهدايا والعطايا، ولكن علاقتهم أشعلت نيران الغيرة في قلوب الجميع، وبدأت النيمية، والمكائد تفسد الأمور.

وفي يوم من الأيام حدثت مشادة كلامية بين المتنبي وابن خالويه ببلاط الحمداني، نتج عنها أن ألقى ابن خالويه دواة الحبر على المتنبي، وانتظر المتنبي أن يرد سيف الدولة حقه، ولكنه لم يُنصفه، ولم يثأر له، وقد كانت خيبة أمل كبيرة له، سبب له حزناً عميقاً ترك على إثره حلب، واتجه إلى مصر وصار يمدح (كافور الإخشيدي)، ولم يكرمه كما فعل الحمداني، فترك مصر وجعل يتنقل بين البلاد، يمدح الحكام، ويذمهم، ولم يحب حاكماً كما أحب سيف الدولة.

بيت الشعر الذي قتل صاحبه

هل تعرف قصة بيت المتنبي الشهير الذي تسبب في مقتله؟ إنها قصة كبر، وغرور، فقد كان متعجرفاً متغطرساً أودى بنفسه إلى الهلاك، ففي إحدى الأيام بينما كان المتنبي عائداً إلى الكوفة هاجمه مجموعة من قطاع الطرق على رأسهم رجل يدعى: (فاتك بن أبي جهل الأسدي)، هذا الرجل يكون خال شخص يدعى: (ضبة بن يزيد الأسدي العيني)، وكان المتنبي قد هجا ضبة من قبل بقصيدته البائية الشهيرة، فتربص فاتك ورجاله به لينتقموا منه.

حاول المتنبي أن يهرب، وينجو بحياته، فقال له غلامه: كيف تهرب وأنت قائل: (الخيل والليل والبيداء تعرفني، والسيف والرمح والقرطاس والقلم)؟! فرد عليه المتنبي قائلاً: (قتلتني قتلك الله)، وفعلاً لقد قتله الغلام بهذا القول، لأن غروره أعاده لقتال قطاع الطريق رغم يقينه بأنهم سيقتلونه، وبالفعل قُتل على أيديهم، وأيدي كبريائه.

قصيدة الخيل والليل والبيداء تعرفني

وَاحَـرّ قَلْبـاهُ مـمّنْ قَلْبُـهُ شَبِـمُ، وَمَنْ بجِسْمـي وَحالي عِنـدَهُ سَقَـمُ

ما لي أُكَتِّمُ حُبًّا قَدْ بَـرَى جَسَـدي، وَتَدّعي حُبّ سَيفِ الدّوْلـةِ الأُمَـم ُ

إنْ كَـانَ يَجْمَعُنَـا حُـبٌّ لِغُرّتِـهِ، فَلَيْتَ أنّـا بِقَـدْرِ الحُـبّ نَقْتَسِـمُ

قد زُرْتُهُ وَسُيُـوفُ الهِنْـدِ مُغْمَـدَةٌ، وَقـد نَظَـرْتُ إلَيْـهِ وَالسّيُـوفُ دَمُ

فكـانَ أحْسَـنَ خَلـقِ الله كُلّهِـمِ، وَكانَ أحسنَ ما فِي الأحسَنِ الشّيَـمُ

فَوْتُ العَـدُوّ الـذي يَمّمْتَـهُ ظَفَـرٌ، فِـي طَيّـهِ أسَـفٌ فِي طَيّـهِ نِعَـمُ

قد نابَ عنكَ شديدُ الخوْفِ وَاصْطنعتْ، لَكَ المَهـابَـةُ ما لا تَصْنَـعُ البُهَـمُ

ألزَمْتَ نَفْسَكَ شَيْئـاً لَيـسَ يَلزَمُهـا، أنْ لا يُـوارِيَهُـمْ أرْضٌ وَلا عَـلَـمُ

أكُلّمَا رُمْتَ جَيْشـاً فانْثَنَـى هَرَبـاً، تَصَرّفَـتْ بِـكَ فِي آثَـارِهِ الهِمَـمُ

عَلَيْـكَ هَزْمُهُـمُ فِي كـلّ مُعْتَـرَكٍ، وَمَا عَلَيْـكَ بِهِمْ عَـارٌ إذا انهَزَمُـوا

أمَا تَرَى ظَفَراً حُلْـواً سِـوَى ظَفَـرٍ، تَصافَحَتْ فيهِ بِيضُ الـهِنْدِ وَاللِّمـمُ

يا أعدَلَ النّـاسِ إلاّ فِـي مُعامَلَتـي، فيكَ الخِصامُ وَأنتَ الخصْمُ وَالحكَـمُ

أُعِيذُهـا نَظَـراتٍ مِنْـكَ صادِقَـةً، أن تحسَبَ الشّحمَ فيمن شحمـهُ وَرَمُ

وَمَا انْتِفَـاعُ أخـي الدّنْيَـا بِنَاظِـرِهِ، إذا اسْتَوَتْ عِنْـدَهُ الأنْـوارُ وَالظُّلَـمُ

سَيعْلَمُ الجَمعُ مـمّنْ ضَـمّ مَجلِسُنـا، بأنّني خَيـرُ مَنْ تَسْعَـى بـهِ قَـدَمُ

أنَا الذي نَظَـرَ الأعْمَـى إلى أدَبـي، وَأسْمَعَتْ كَلِماتـي مَنْ بـهِ صَمَـمُ

أنَامُ مِلْءَ جُفُونـي عَـنْ شَوَارِدِهَـا، وَيَسْهَـرُ الخَلْـقُ جَرّاهَـا وَيخْتَصِـمُ

وَجاهِلٍ مَـدّهُ فِي جَهْلِـهِ ضَحِكـي، حَتَّـى أتَتْـه يَـدٌ فَـرّاسَـةٌ وَفَـمُ

إذا رَأيْـتَ نُيُـوبَ اللّيْـثِ بـارِزَةً، فَـلا تَظُـنّـنّ أنّ اللّيْـثَ يَبْتَسِـمُ

وَمُهْجَةٍ مُهْجَتـي من هَمّ صَاحِبـها، أدرَكْتُـهَا بجَـوَادٍ ظَـهْـرُه حَـرَمُ

رِجلاهُ فِي الرّكضِ رِجلٌ وَاليدانِ يَـدٌ، وَفِعْلُـهُ مَا تُريـدُ الكَـفُّ وَالقَـدَمُ

وَمُرْهَفٍ سرْتُ بينَ الجَحْفَلَيـنِ بـهِ، حتَّى ضرَبْتُ وَمَوْجُ المَـوْتِ يَلْتَطِـمُ

ألخَيْـلُ وَاللّيْـلُ وَالبَيْـداءُ تَعرِفُنـي، وَالسّيفُ وَالرّمحُ والقرْطاسُ وَالقَلَـمُ

صَحِبْتُ فِي الفَلَواتِ الوَحشَ منفَـرِداً، حتى تَعَجّبَ منـي القُـورُ وَالأكَـمُ

يَا مَـنْ يَعِـزّ عَلَيْنَـا أنْ نُفَارِقَهُـمْ، وَجدانُنا كُلَّ شـيءٍ بَعدَكـمْ عَـدَمُ

مَا كـانَ أخلَقَنَـا مِنكُـمْ بتَكرِمَـةٍ، لَـوْ أنّ أمْرَكُـمُ مِـن أمرِنَـا أمَـمُ

إنْ كـانَ سَرّكُـمُ ما قالَ حاسِدُنَـا، فَمَـا لجُـرْحٍ إذا أرْضـاكُـمُ ألَـمُ

وَبَيْنَنَـا لَـوْ رَعَيْتُـمْ ذاكَ مَعـرِفَـةٌ، إنّ المَعارِفَ فِي أهْـلِ النُّهَـى ذِمَـمُ

قصيدة المتنبي الخيل والليل يوتيوب

شرح الخيل والليل والبيداء تعرفني

لقد تربي المتنبي في صحراء السماوة، وارتحل كما لم يرتحل غيره من الشعراء، لذا فإنه كما كان يقول في نفسه أن الخيل والليل والبيداء تعرفه، والبيداء هي الفلاة البعيدة عن الماء، والقرطاس هو الكتاب، فالخيل يعرف المتنبي لأنه كان مدمناً على الفروسية، واعتاد ركوب الخيل، أما الليل فيعرفه لكثرة ارتحاله به، فقد اعتاد قطع البيداء في الظلام، كما أنه كان يسكن البيداء، ويباشر الحرب كثيراً، أما القرطاس والقلم فإنهما يعرفانه لأنه كاتبٌ وأديب.

يدل البيت على الاستعارة المكنية، حيث شبَّه المتنبي الخيل والليل والبيداء بالإنسان الذي يعرفه، وهناك أسلوب خبري للفخر في البيت، حيث كان يقصد المتنبي أن يفتكر بشجاعته كونه فارساً مغواراً يقتحم الصحراء ليلاً، لا يهاب الظلام، ولا يتراجع عن صفوف القتال، فيحارب بالسيف والرمح، وبين الخيل والليل هناك جناساً ناقصاً، ومراعاة نظير بين القرطاس والقلم، لذكره الشئ ومايلزمه.[1[3][4]