نقائض جرير والفرزدق


نقائض جرير والفرزدق


يهجو جرير الفرزدق فيقول:

“كلفني قلبي وما ذا كلفا

هوازنيات حللن غرنفا

أقمن شهرًا بعد ما تصيفا

حتى إذا طرد الهيف السفا

قرب شولا ودليلًا مخشفا

يرفعن بالليل إذا ما أسدفا

أعناق جنان وهاما رجفا

وأعينا بعد الكلال ذرفا

وعنقا باقي الرسيم خيطفا”

ومن أول قصائد النقائض لجرير

” لا تحسبني عن سليط غافلا

إن تعش ليلا بسليط نازلا

لاتلق أقرانا ولا صواهلا

ولا قرى للنازلين عاجلا

أبلغ سليط اللؤم خبلا خابلا

أبلغ أبا قيس وأبلغ باسلا

والصلع من ثمامة الحواقلا

إني لمهد لهم مساحلا

زغبة والشحاج والقنابلا

يضربن بالأكابد ويلا وئلا

رعين بالصلب ندى شلاشلا

في مستحير يغمر الجحافلا

زغبششة لا يسأل إلا عاجلا

ما يتقي حولا ولا حواملا

يحسب شكوى الموجعات باطلا

يزهر زهرا يرعد الخصائلا

يترك أصفان الخصى جلاجلا

تسمع في جيزومه أفاكلا

قد قطع الامراس والسلاسلا” [1]


أبلغ ابن صانعة الزروب عشيرته أن الشاعر جرير ينقض شعر الشاعر الفرزدق بقصيدة مثل شعره يقول بها:

“خلق الفرزدق سوءة في مالك

ولخلف ضبة كان شر غلام

مهلا فرزدق إن قومك فيهموا

خور القلوب وخفة الأحلام

كان العنان على ابيك محرما

واللكير كان عليه غير حرام

مازلت تسعى في خيالك سادرا

حتى التبست بعرتي وعرامي

عمدا اعرف بالهوان مجاشعا

إن اللئام على غير كرام

انب إذا كره الرجال حلاوتي

كنت الزعاف مقشبا بسمام

فيم المراء وقد علوت مجاشعا

علبياء ذات معاقل وحوام

وجللت في متمنع لو رمته

لهويت قبل تثبت الأقدام”

قام جرير في هذه القصيدة بالرد على الفرزدق وذكر الكثير من الصفات لكل من القبيلتين وتاريخهما وذكر الكثير من عيوب الفرزدق وقومه وسبه بالكثير من الألفاظ، فهكذا استفاد المؤرخون من النقائض لما يوجد بها من أحداث وصفات خاصة بالقبائل ونزاعهم واختلافهم.


نقائض جرير والأخطل حيث يقول الاخطل في نقيضة جرير:

” أما كليب بن يربوع فليس لهم

عند التفارط ايراد ولا صدر

قوم أنابت إليهم كل مخزية

وكل فاحشة سبت لها مضر

وكليب قوم جرير”

ويرد جرير على الأخطل في النقائض بهذا الشعر

“ما كان يرضى رسول الله دينهم

والطيبان أبو بكر ولا عمر

جاءالرسول بدين الحق فانتكثوا

وهل يضير رسول الله إن كفروا”

وفي هذه النقائض جرير يلوم على الأخطل نصرانيته وهكذا استمر كل منهما يعيب في الآخر بالكثير من القصائد وأصبح هناك الكثير من الشعراء الفحول في فن النقائض.


ما هو شعر النقائض



يعد فن النقائض من الفنون الحديثة في الشعر العربي


ويعتبره البعض امتداد لشعر الهجاء من العصر الجاهلي وعصر الإسلام، لكن في الحقيقة هي نوع من أنماط الشعر الحديثة تتصف بالقوة والعاطفة الشعرية و تتميز أيضًا بالبلاغة والفصاحة وطول القصيدة، وتعود أشهر القصائد التي تنتمي لهذا الفن إلى كبار الشعراء العرب خصوصًا في العصر الأموي واستخدموها في الرد على الخصوم من خلال إلقاء شعر و لكن مع عكس الغرض الخاص بالقصيدة فمثلًا يقوم بتحويل القصائد التي قيلت في المدح والفخر إلى قصيدة ذم والهجاء ويذكر الشاعر بها عيوب الشاعر الآخر وعيوب قبيلته ويذكر المدح لنفسه وقبيلته.

وتكون النقائض قصيدتين وكلاهما على نفس الوزن والقافية وكل قصيدتين متقابلتين تكون من بحر شعري واحد وقافية واحدة وكأنهما قصيدة واحدة ولكن تختلف في المعاني والاغراض والكلمات التي يوظفها الشاعر، ولقد كثُر استخدام قصائد النقائض في العصر الأموي بسبب كثرة العداوة والصراعات بين القبائل والأشخاص والشعراء، وأصبح كل شخص لديه خصم يذهب لأحد الشعراء ليؤلف له قصيدة من شعر الهجاء وهكذا استمرت الردود على الخصوم وصار النقائض فن جديد من الشعر ويوجد الكثير من الشعراء الذين ألفوا فيه العديد من القصائد الطويلة التي أظهرت فصاحتهم وبلاغتهم ونالت إعجاب الكثير من النقاد والأدباء وأصبحت من أروع القصائد في الشعر العربي.

ويوجد قصائد مشابهة للنقائض من شعر الهجاء في العصر الجاهلي وهي الأساس الذي انطلق منه النقائض وتطور فني لها لكن باختلاف إلتزام شعر النقائض بالرد عما يقال في القصيدة الخاصة بالخصم وعلى نفس الوزن والقافية ولكن بكل تأكيد لم يكن هناك أي قصائد مشابهة لفن النقائض في العصر الجاهلي أو عصر الإسلام فهي شاعت في العصور الحديثة وبالتحديد منذ بداية العصر الأموي واستمرت بفضل شدة النزاع والصراع بين الجماعات واجتهد الشعراء في البحث عن تاريخ الخصم ومعرفة جميع عيوبه وعيوب قبيلته والقوم السابقين منهم وأخذ يرسم صورة بتلك السلبيات وهنا وجد النقاد أن قصائد النقائض غنية بمعلومات تاريخية عن الشعراء والقبائل وأحداث عصرهم الإجتماعية وأصبحت أحد أهم المصادر التاريخية وبشكل خاص تذكر الصراعات والنزاع بين الناس والأشياء التي تهم كل طرف من المتنازعين وتشمل أيضًا الأشياء الجيدة التي يتفاخر بها الشعراء من إنجازات وصفات جيدة.

يتعمد الشعراء في إلقاء شعر النقائض أن يبرزوا الصفات الجيدة بهم ويتفاخرون بأنفسهم وقومهم وعشيرتهم بل يبالغون في الفخر بأنفسهم ومن الوجه الآخر يصف الطرف المنازع له بكل عيب يوجد به ويتطور الأمر إلى قذف الشاعر بألفاظ بذيئة غير أخلاقية وكل ما يتنافى مع الآداب والأخلاق في هذا العصر، ومن أكثر الشعراء الذين يوجد لهم أعمال أدبية رائعة في فن النقائض في العصر الأموي هم جرير والفرزدق والأخطل والبعيث، وقد كان هناك تحالف بين كل من الفرزدق والأخطل والبعيث ضد الشاعر جرير.[2]


من هو الفرزدق

هو شاعر عربي اسمه بالكامل باسم تمام بن غالب أبو فراس ولد في مدينة اليمامة التي تقع في شبه الجزيرة العربية ولد عام 641 م وتوفي ما بين 728م و 730 م عرف بين الشعراء في العصر الأموي، واشتهر بشعر الهجاء والنقائض وكان على خصومة مستمرة مع الشاعر جرير، ونتيجة لهجائه للكثير من الأشخاص كان غير محبوب ووقع في كثير من المشاكل مع الأسر الحاكمة بسبب قصائده حتى أنه سافر أكثر من مرة هروبًا من الخصوم. [3]


من هو جرير

هو جرير بن عية بن الخطاف ولد عام 650 م في مدينة اليمامة نفس المدينة التى ولد بها الفرزدق وتوفي عام 729 في اليمامة، ويعد من فحول الشعراء العرب في العصر الأموي، وأبدع كثيرًا في شعر النقائض وهجاء خصومه على نفس نمط قصائدهم، أنتقل إلى العراق هو وأهله بسبب أشعاره التي هاجم بها الكثير من الأشخاص والسياسيين في شبه الجزيرة العربية وتمكن من التقرب إلى الحجاج والى العراق ومدحه في عدة قصائد، وكان من ألد خصوم الفرزدق وخاضوا معًا صراع من الشعر دام لمدة 40 سنة أخذ يهجو كل منهم الآخر على نفس وزن وقافية قصائدهم وتركو لنا حصيلة كبيرة من قصائد النقائض التي حملت التاريخ معها إلينا، واشتد معه الصراع الشعري حتى طرد من العراق وذهب إلى مدينة اليمامة مرة أخرى وعاش بها معظم أيام حياته.[4]