قصص من التراث الشعبي السعودي


يمكن تعريف التراث عامًة بأنه كل ما تركه الأجداد للأبناء من عادات وتقاليد وآداب وقيم، وحتى أمثال وثقافة كل ذلك متوارث من الأجداد ويتم تورثه للأبناء من ثم الأجيال السابقة ومنها للأجيال التي تعيش في يومنا هذا وهكذا، فالتراث وما يحتويه من تراث شعبي، يعبر عن القصص والأساطير والأشعار وحتى الألعاب القديمة التي كان أجدادنا يلعبونها، كما يشمل أيضًا الأمثال الشعبية القديمة وطرق الأحتفال بالأعياد وما يشمله من رقص وفنون وحرف، فتلك الأمور كونت في النهاية الثقافة العامة للأمة وهي التي تميز كل دولة وكل شعب عن الآخر بثقافته وعاداته وتقاليده المتوارثة، فهذا ما يُقال عنه تراث الأمة، ولكن للتراث الشعبي السعودي مذاق خاص، فهو يتميز بامتزاج الأصالة القديمة مع الحداثة، فتجد نفسك في حقبة من الماضي وسحر التاريخ السعودي المبهر، فيعد التراث الشعبي في المملكة العربية السعودية، من أحد ركائز الهوية الوطنية للدولة ولأي مواطن سعودي، فهو يمثل للدول وللمواطن المصدر الذي تستمد منه العقيدة والتقاليد والقيم واللغة والأفكار، ومن هنا ومن خلال تلك العقائد التراثية الأصيلة تتميز الدولة، فتقوم الدولة على تاريخها لا استنكاره وهناك

قصص من تاريخ الدرعية

.[1]


قصص تراثية منقولة عن الأجداد


من المعروف أن القصص التراثية القديمة والأمثال الشعبية يتم أخذها من الأجداد، ومن ثم يتم توارثها إلى الأبناء والأجيال السالفة حتى تصل إلينا الآن، وإليك قصة  من قصص الأجداد:


قصة راكان بن حثيلين


الشيخ

راكان بن فلاح آل حثلين

من أشهر فرسان البادية، كان الشيخ راكان بدوي نحيل القامة، هزيل الجسم، فكان فخر لأهل البلدة جميعها وليس البادية فقط، بل ظل اسمه وتاريخه يُروى حتى الآن، فكانت من علامات قوته الذي اشتهر بها حين تم أسره من قِبل الأتراك، وقام بتخليص نفسه مما جعل الأتراك يصتفون ويصفقون له، والعلامة الأخرى حين بارز أشهر الفرسان قوة، حتى أصابه الصرع، فكان للشيخ راكان حوادث طريفة عدة، ومنها هذه الحكاية على لسان الراوي:


كان الشيخ راكان في أواخر أيامه وقد بلغ من الكبر عتيا فحصل ذات مرة أن خرج هو ومعه شاب في عنفوان شبابه من أبناء قبيلته العجمان خرج الاثنان لأمر ما . . وأدركهما التعب فأرادا أن يستريحا ،فإذا هما يريان على بعد بيتاً، فلما اقتربا من البيت إذا هو خالٍ من الرجال وليس به سوى امرأة، فتعاند الشيخ راكان ورفيق سفره من باب الطرفة ، فقال الشاب للشيخ : (أراهنك على أن الفتاة سوف تجلسني وتأمرك أنت بصنع القهوة ظنا منها أنني أنا الشيخ)  فأجابه راكان : (إذا كانت تستطيع التمييز فستأمرك أنت وتجلسني)، فاتفقا على ألاَّ يخبراها بشيء ويتركاها تتصرف بحرية تامة، وكعادة بنات البدو لما نزل الضيفان استقبلتهما ببشاشة وفرشت لهما للجلوس , فالبدوية تقوم بواجب الضيافة في غياب زوجها أو والدها حفاظاً على سمعته.


(المهم أنها أخذت برهة تدقق بوجهي الضيفين وتفكر، ثم أحضرت الفأس ورمته على الشيخ راكان وقالت له: قم واحطب وشب النار (لمعزبك) أي عمك أو سيدك وصلح له القهوة) و


التفت الشيخ راكان للشاب وأشار له بالسكوت كما اتفقا وأخذ الفأس وجمع الحطب وأوقد النار وصنع القهوة، هذا كله والشاب جالس لا يحرك ساكناً، امتثال لأمر الشيخ راكان ولما انتهى من صنع القهوة حمل الدلة وصب للشاب حتى انتهى ثم جلس وشرب والمرأة تنظر إليهما، فلما فرغ الشيخ راكان من احتساء قهوته التفت ناحيتها وأنشد يقول مخاطباً الفتاة:


يـا زيـن يللـي فـي ذراعـك نقـاريـش الحكم حكم الله وحكمـك علـى الـراس


إن شيتنـي حشـاش سيـد الحواشـيـش وإن شيتني حطـاب قـرب لـي الفـاس


وإن شيتنـي خيـال أروي المعاطيـشو اثنـي وراهـم يـوم الأريــاق يـبـاس


الفـرخ لا يغويـك فـي صفـة الـريـشطير الحبارى يا اريش العين قرناس


ولما فرغ الشيخ راكان من قصيدته قالت الفتاة: (أدخل على الله أي أحلفك بالله ما أنت الشيخ راكان)؟


قال: (بلى)، فخجلت وحاولت تصليح خطئها معتذرة أنها لم تعرفه فضحك الشيخ راكان وهدأ من روعها وأخبرها برهانهما. [2]


قصص شعبية قديمة

تمتلك المملكة العربية السعودية العديد من القصص الشعبية القديمة، المليئة بالحكم والمواعظ، وإليك القصة الآتية:


قصه من التراث السعودي


كان هناك رجل رزقه الله بتسع اولاد إلا أنه كان يطمع بأخر، فعندما أنجبت زوجته للمرة العاشرة، ولكن كانت أنثى، حزن حزنًا شديدًا وقال على حينها يا ليلي الأسود، ولكن هل البنت سوف تكون ليله الأسود حقًا؟ في هذة القصة القديمة سوف نرى الحكمة المدفونة بها وإليك هي:


يُحكى أن هناك رجل لديه تسع اولاد، حملت زوجته للمرة العاشرة وحين أنجبت وضعتها أنثى، فحزن الرجل حزنًا شديدًا عندما بُشرا بالبنت لعدم رغبته فيها، وقال قولته المشهوره: (ياليلي الأسود)، ولم يكن يعلم أن تلك البنت هي العون له بعد الكَبر عن الصبيان، مرت السنوات وكبر الرجل في العمر وأُصيب بالعمى، وكبر أيضًا الأولاد الذكور وتزوجوا وانشغلوا بعائلتهم الجديدة، ونسوا تمامًا أن لهم أب كبيرًا في السن ضرير، ولكن ابنته لم تنساه ابدًا، فكانت هي البارة الحنونه التي تقوم برعايته على أكمل وجه، وذات ليلة حين دخلت عليه لتعطيه الدواء قال لها: (من أنتي) فقالت: (

أنا ليلك الأسود يا أبوي) فأجابها وهو نادمًا ومتأسفًا قائلًا: (ليت الليالي كلها سود). [3]


قصص شعبية نجدية

تتميز مدينة نجد بالسعودية، بالقصص التي تحمل في جوفها معاني كثيرة من أول عنوانها، إلى أخرها، وإليك قصة من القصص النجدية:


من المجمعة إلى المرقاب

هناك فتاة نجدية صغيرة، شعرت بالغُربة وانتزاعها من قريتها وأهلها وأصدقائها، وهي لم تخض تجارب الحياة بعد، فكانت الأحداث التي مرت بها محفورة في ذاكرتها، حتى أنها روتها لأبنائها وأحفادها، لتحكي لهم أوضاع زواجها، وأحداث رحلتها من نجد إلى الكويت، وكيف عاشت وتأقلمت هناك، وكيف تكيفت مع الحضارات المختلفة عن بلدتها، كل هذا سوف نتعرف عليه بالتفصيل في هذه القصة، وإليك هي:


تتحدث القصة عن فتاة صغيرة، ذات حسب ونسب، ولدت  تلك الفتاة في قرية زراعية صغيرة معدودة البيوت، أي يعرفون بعضهم البعض، نشأت الفتاة مع والدتها ووالدها وإخوتها الصغار في بيت ليس بالصغير ولا بالكبير، ولكنه كان أكبر بيوت القرية، كبرت الفتاة وتقدم لخطبتها أحد الرجال، وشاء القدر أن تتزوج منه بسرعة دون أن تتعرف عليه أو على عائلته، وكان ذلك الرجل يعيش في بلدة أخرى بعيدة فكان يعيش بالكويت، شعرت الفتاة بالغربة، فكيف لها أن تترك بلدتها وأهلها وقريتها فجأة وتتزوج من رجل لا تعرفه وتذهب معه بعيدًا، ولكن سرعان ما تأقلمت الفتاة مع بيئتها الجديدة وبيتها وزوجها وأنجبت له الأولاد وأحبته حبًا جمًا فكان يعاملها برفق ولين، ومرت السنوات وكبرت الفتاة في العمر حتى أصبحت جدة، ولها أحفاد تروي لهم قصة غُربتها وعناء السفر الذي لم يكن لها إلا أن تركب فوق ظهر ناقة، وعن حياتها في بلدة الكويت والحضارات المدنية التي لم تكن تراها في قريتها، ولكن مع مرور العمر  أصبحت تلك البلدة الجديدة وطن لها. [4]


قصص شعبية للأطفال


تمتاز قصص التراث الشعبي السعودي بقصصها للأطفال، التي تنمي فيهم الذكاء والقوة، وحب الوطن، وإليك قصة من القصص الشعبية للأطفال:


طير شلوى


في قصة

طير شلوى

حكايات كثيرة تدل على الشهامة والغيرة القبيلية،  فنجد العبرة من تربية العجوز الفقيرة لثلاث أطفال صغار وكيف سوف تجعل منهم فرسان أقوياء، يخافون على قبيلتهم وأهلها ونسائها ويدافعون عنها حتى الموت، وإليك قصة من القصص الشعبية التراثية للأطفال:


كان هناك ثلاثة أطفال أكبرهم عمره ثلاث سنوات والاصغر رضيع، توفي والدهم وبعده بستة اشهر توفيت والدتهم فلم يبقى لهم إلا جدتهم من ابيهم وتُسمى شـلوى ونظرًا لفقرها كانت تلف على البيوت لتطلب منهم طعام للأطفال،فكانت تقول لهم:  (ماعندكم عشى او غدا لطويراتي)،  وكانت تقصد بذلك الأطفال الثلاثة، ولكنها كانت تستحي، شاع خبر تلك العجوز بين الناس حتى علم به الشيخ الجربا، فأمر أن يُنقل بيتها بجوار بيته، وكان الشيخ الجربا قبل أن يأكل طعام الغداء أو العشاء يقول: ( لا تنسون طيور شلوي)، مع مرور الأيام كبر الثلاث أطفال وكان اسمهم شويش، وعدامه، و هيشان، واصبحوا رجال أقوياء يستطيعون القتال، وفي ذات يوم رحل الجربا مع قبيلته شمر إلى مكان قريب من الحدود السورية، وكانت هناك الدولة العثمانية والأتراك،  وقبيلة أخرى، كان الجربا ذو جماعة قليلة مقارنًة بكثرة عدد الأتراك، فطمع الوالي التركي بقبيلة الجربا، وأرسلوا مرسال يطلبون منه الضريبة، وبعد اجتماع الجربا مع قبيلته والتشاور معهم قرر دفع الجزية، نظرًا لقلة عددهم، بعدها أرسلوا الأتراك مرسال أخر يطلبون الجربا بإعطائهم الخاكور، ولكنهم لم يفهموا ما معناه باللهجة التركية، فقال المرسال: (أي نساء من حريم شمر لجيش الأتراك لغرض المتعة)، فأنشد شاب من شبيان قبيلة شمر قائلًا:

هنيكم ياساكنين تحت قاعمامركم وديٍ تقفاه خاكور، هنيكم مُتم بحشمـه وبـزاع وما من عديم ينغز الثـور؟


يُقصد بمتى تحرك الثور هنا قامت القيامة، وهنا قفز شويش وقال: ( وانا طير شلوي الهجرش)، وأخذ سيفه وامتطى جواده وانطلق إلى جيش الأتراك، وطاح برؤسهم، ولحق به اخويه عدامة وهيشان، واخذ الجربا بقية الجيش وأغاروا على القبيلة الأخرى، وانتصروا عليهم وعلى الأتراك، و عندما تقابل فرسان شمر، يحتفلون بهذا النصر سألوا عن شويش، فقالوا شويش مات، فكانت هذه أسباب قصيدة الجربا التي ظهرت شجاعة طويرات شلوي فأنشد قائلًا:


قـالـو شـويـش وقـلــت لالا عـدامــة او زاد هيـشـان زبـــون المـلايـيـش


مــاهــو ردى بـمـدبـريـن الـجـهـامـة لكن هـوش شويـش يالربـع ماهيـش


يوم شويش حزم راسه نهار الكتامة دبـر ظـنـى، وحـمـر الطرابـيـش


يــوم شـويـش مـثــل يـــوم القـيـامـة بالله علـيـكـم لا تـحـكـون بـشـويــش. [2]