أدب الرسائل في التراث العربي
من هو رائد مدرسة أدب الرسائل
كان فن الرسائل أحد الفنون الأدبية التي اشتهر بها العرب، لدرجة إنشاء مدرسة أدبية تحت اسم (مدرسة أدب الرسائل)، وكان رائدها
أحمد حسن الزيات
، وهو أحد كبار رجال النهضة الأدبية والثقافية في العالم العربي كله وبالأخص مصر، إذ كان يُعد من أهم الشخصيات في مجالات الأدب العربي، وقد كان له الكثير الأعمال والإنجازات الأدبية، والتي استطاع أن يُخلدها حتى بعد أن مات، وإلى جانب أنه قد كان مؤسس مدرسة أدب الرسائل، إلا أنه شغل عددًا كبيرًا من المناصب الأخرى المهمة مثل عضوية المجامع اللغوية بالقاهرة، ودمشق، بالإضافة إلى أن الزيات قد حاز على الكثير من الجوائز في الأدب، مثل جائزة الأدب لعام 1953 والتي حصل عليها بسبب كتابه وحي الرسالة الذي قام فيه بجمع كل أبحاثه ومقالاته السابقة.
الرسائل في التراث العربي
يُعد أدب الرسائل لدى العرب من الفنون الأدبية القديمة، التي كان لها صفحات لامعة ومنيرة في تاريخ الأدب العربي، وقد ازدهر بشكل واضح في القرن الثالث والقرن الرابع الهجري، وفي تلك الفترة انتشرت هيبة الأدب بصورة عامة، إذ تم تأليف كتب ودواوين كثيرة، ومن خلال فن الرسائل ظهرت مواهب وقدرات الكتاب الرائعة والمنمقة، ومن الجدير بالذكر أنه في العصر الجاهلي لم تكن الكتابة شائعة بين العرب ولذلك لم يكن لفن الرسائل دور في حياتهم الأدبية والاجتماعية، وبخلاف هذا فقد كان للفنون الأخرى الأدبية مثل الشعر، الخطابة، الحكم والأمثال انتشارًا كبيرًا، ولكن مع بداية العصر الإسلامي تغير الوضع وظهرت العديد من المفاهيم الجديدة التي لم تكن موجودة من قبل.
وعلى الرغم من أن الرسول صلى الله عليه سلم كان أميًا ولا يُجيد القراءة والكتابة إلا أنه كان كثير التشجيع حتى يتعلم المسلمون القراءة والكتابة، وقد حرص على أن يكون له كتابًا لكتابة الرسائل التي يقوم بإرسالها إلى الزعماء والرؤساء في المناطق الأخرى، وهنا تظهر فائدة فن الرسائل، فكانت الرسائل هي أول طريقة للاتصال بالعالم الخارجي، ولم يكن الشعر ولا
فن الخطابة
قادرين على أداء هذا الدور. [1]
أدب الرسائل في العصر العباسي
كان فن الرسائل من أقدم الفنون التي ظهرت في التراث العربي، وكان لها مكانة عالية في التراث العربي، وبالطبع في العصر العباسي، ومن الجدير بالذكر أن هناك العديد من التغيرات التي طرأت على فن الرسائل في العصر العباسي، والتي تتلخص في التالي:
-
كثرة استخدام
المحسنات البديعية
والسجع القصير، الطباق. - دقة المعاني واستقصاء كافة أجزائها، العلو في الإيجاز والإطناب.
- ترتيب الأفكار ترتيبًا منطقيًا، جعل العبارات أسهل وانتقاء الألفاظ.
- ضرب الأمثال، الاقتباس من كلام البلغاء، تضمين الأحداث النبوية.
- تعددت أغراض الكتابة وموضوعات الرسائل بسبب تعدد أعمال الدواوين.
- البداية والخاتمة في الرسائل، الإكثار ممن الدعاء والألقاب، تعظيم الملوك والأمراء.
وباختصار القول من الممكن أن يتم القول: بإن الكتابة في العصر العباسي كانت قد وصلت إلى أرقى وأعلى ما وصل إليه الأدب العربي والفنون الكتابية في التراث العربي. [1]
أنواع الرسائل
هناك العديد من
أنواع الرسائل
، ولكل منها استخدام أو غرض مُحدد، وهذا ما جعلها تنقسم إلى أنواع، وفي التالي توضيح لأنواع الرسائل:
-
الرسالة الرسمية:
تُعرف باسم الرسائل الرسمية، وهي ما كان يُطلق عليه اسم الرسالة الديوانية، وهذا وفقًا لأنها كانت تتبادل بين البلدان المختلفة، أو ما بين هيئات الدولة ذاتها، وقد تحتوي تلك الرسائل على بعض المعلومات سرية. -
الرسائل الشخصية:
هي تلك الرسائل التي يتبادلها الأشخاص في المناسبات أو الأعياد بهدف الاطمئنان والسؤال عن الأحوال. -
الرسائل الأدبية:
هي تلك الرسائل التي يتم إرسالها ما بين الأدباء والشعراء وبعضهم البعض بهدف الحديث عن أمر معين. -
الرسائل التجارية:
وهي تلك الرسائل التي تُتبادل ما بين المنشآت التجارية وبعضها البعض. -
رسائل الوصية:
وهي الرسالة التي يقوم الإنسان بكتابتها، ووضعها تحت عهدة محامي أو شخص يثق به، والتي لا يتم فتحها إلا بعد وفاة كاتبها.
ومن الجدير بالذكر أنه لن يوجد أي نوع من أنواع الرسائل خاليًا من اللمحة الأدبية، أما في التراث العربي فقد كانت أشهر الرسائل المعروفة هي نوعان، والتي عُرفت باسم: الرسائل الديوانية والرسائل الإخوانية، والتي كانت كالتالي:
-
الرسائل الاجتماعية
وهي الرسائل التي تهتم بمعالجة المشاكل الاجتماعية، مثل الرسائل التي تتناول الحديث عن الظواهر الاجتماعية التي انتشرت في المجتمعات مثل شرب الخمر، أو لعب الميسر، فمن الممكن أن تندرج تلك الرسائل تحت مسمى (الرسائل الاجتماعية)، على الرغم من الطابع الديني كان يعلوها.
-
الرسائل الإخوانية
وهي الرسائل التي تعتمد على عدم احتواء الرسالة بالطابع الأخوي أو الشعور بالمودة، مثل الرسائل التي تتناول الهجاء أو الاستعطاف وغير ذلك مما يخرج عن معاني الأخوة والمودة، وبالتالي فكان من الأصح أن يتم تسميتها كلها بالرسائل الاجتماعية، وهكذا كانت سوف تكون أكثر دقة ومصداقية.
شروط كتابة الرسائل
هناك بعض الشروط التي يجب استيفاءها عند كتابة رسالة، وفي التالي ذكرها:
-
البساطة:
بأن تخلو الرسائل من التكلف، وأن تبعُد عن الزخرفة. -
البيان:
بأن تكون الجمل في الرسائل واضحة وخالية من الإبهام أو الغموض. -
جودة التعبير:
وهذا بأن يكون الأسلوب جيدًا حتى تستحوذ الرسالة على منزلتها الحسنة في نفس المرسل له. -
الإيجاز:
بعدم الإسراف أو الإسهاب في القول، لأن الإطالة في الرسائل قد يتم الخروج بها عن الهدف الأساسي الذي وضعت من أجله. -
الملاءمة:
أي أن يتم مراعاة مكانة المرسل إليه، ومدى علاقته بالمرسل، بحيث إن أسلوب الرسالة يكون ملائمًا لمنزلة المرسل له ودرجة معرفته.
البناء الفني للرسائل
إن فن الرسائل مثله مثل أيٍ من الفنون العربية الأدبية، إذ تحتاج الرسالة إلى بناء فني مُحدد، يتم اتباعه عند كتابة أي رسالة، وفي التالي توضيح البناء الفني للرسائل:
-
الافتتاح
في الغالب ما كان يتم افتتاح الرسائل النثرية بالبسملة (بسم الله) ثم التحميد والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو الدعاء إلى المرسل له، مع ذكر اسمه ومناصبة التي يحتلها، بأن يتم قول: (أمير، وزير، صديق، وغيرها).
-
المقدمة
وفي المقدمة يتم التعبير عن العاطفة التي توجد لدى المرسل تجاه المرسل إليه، وقد يكون هذا بالدعاء له أو غير هذا بالذي يتلاءم مع الموضوع والشخص المرسل إليه.
-
المقصد والغاية ( الغرض )
وهو مضمون الرسالة، ويتضمن ذكر الغرض الأساسي الذي من وضعت الرسالة من أجله، ويجب هنا عدم الإسهاب فيه، والاقتصار فقط على تفصيل ذلك الغرض تحديدًا.
-
الخاتمة
وفيها يقوم الكاتب بختام الرسالة بصورة مشابهة لمقدمة الرسالة، أي أن تكون العبارات مؤكدة للعواطف والأفكار التي ذُكرت بصلب الرسالة، وفي النهاية يتم وضع توقيع المرسل في أواخر الرسالة، وأن يتم كتابة التاريخ الذي كُتبت فيه، إلى جانب ذكر عنوان المرسل بصورة واضحة. [2]