التواضع يجلب لصاحبه مالا يجلبه المال .. ” قصص وأمثلة “

ما هو التواضع

يمكن

تعريف التواضع

على أنه أحد أنواع الرضا عن الحال ومنزلة الشخص ومكانته حتى وإن كان يستحق ما هو أكثر من ذلك، ولقد قام الراغب الأصفهاني بتعريف التواضع على أنه: (هو رضا الإنسان بمنزلة دون ما يستحقه فضله ومنزلته) وعلينا أن نعلم أن هناك فرق كبير بين التواضع والتذلل وهو الذي يحدث فيه ظهور عجز الشخص عن أن يقوم بالدفاع أو المقاومة نع الشخص الذي يتذلل له، وذلك على عكس التواضع الذي نُظهر فيه مدى تواضعك على الرغم من قدرتك أي هو الرضوخ مع المقدرة وليس الرضوخ مع العجز، وهنا يكمن الفرق بين الاثنين، ويقع

أثر التواضع على الفرد والمجتمع

وليس الفرد وحده لذلك فإن التواضع صفة يجب أن يتحلى الجميع بها.

إن التواضع خُلق جوهري حميد وهو من أهم خصال المؤمن ومن شيم الصالحين، لذلك كان التحلي به من الأمور النبيلة والحميدة التي تستدعي منا أن نتحلى به فهو هدوء وسكينة يجلب على صحابه بشاشة الوجه، ويجعله لطيف الخُلق، وما تواضع أحد لله تعالى، إلا رفعه الله سبحانه.

هل التواضع يجلب لصاحبه مالا يجلبه المال

إن التواضع يجلب لصاحبه مالا يجلبه المال ولا أيٍ من كنوز الدنيا ومتاعها، فهو الذي يرفع الإنسان عند الله سبحانه وتعالى، وإن كان يظن البعض أن في التواضع مذلة بل هو رفعة لشأن الشخص المتواضع، ولقد قال رسولنا الكريم في حديث رواه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (

ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله

) ولقد قال الإمام عبدالرؤوف المناوي رحمه الله: (وما تواضع عبد من المؤمنين رقًّا وعبودية لله في الائتمار بأمره، والانتهاء عن نهيه، ومشاهدته لحقارة نفسه، ونفي العجب عنها، إلا رفعه الله في الدنيا بأن يثبت له في القلوب بتواضعه منزلة عند الناس ويجل مكانه، وكذا في الآخرة على سرير خلد لا يفنى ومنبر ملك لا يبلى، ومن تواضع لله في تحمل مؤن خلقه كفاه الله مؤنة ما يرفعه إلى هذا المقام، ومن تواضع في قبول الحق ممن دونه، قبل الله منه طاعاته، ونفعه بقليل حسناته وزاد في رفعة درجاته وحفظه بمعقبات رحمته من بين يديه ومن خلفه. [1] [2]

قصص عن التواضع

إن قصص التواضع التي وردت عن الرسول والصحابة والسلف كثيرة جدًا في هذا الشأن، وإليك قصة حديثة عن أحد نماذج التواضع في العصر الحديث وهو الشيخ والعلامة ابن عثيمين رحمه الله: [3]

كان الشيخ ابن عثيمين يتحلى بأخلاق حميدة ويحكى أن طفلًا لم يكد يبلغ السادسة من عمره ذهب إلى الشيخ ابن عثيمين وأمسك يده وقال: ( أبي قدم إلى عنيزة للسَّلام عليك، أرجو أن تسلِّم عليه قبل أن تخرج) فابتسم الشَّيخ وذهب مع الطفل إلى والده وسلم عليه، فتعجب والد الطِّفل من فعل الشَّيخ أمامه وهذه الأخلاق النبيلة.

وفي قصةٍ أخرى عن الشيخ ابن عثيمين يحكى أنه كان مع أحد محبيه في سيارة قديمة، والتي تعطلت بهم على قارعة الطريق، ونزل الرجل كي يدفع السيارة وحده وطلب من الشيخ أن يظل جالسًا في السيارة، ولكنه أبى إلا أن يقوم بدفع السيارة هو الآخر، وهذا دليل على مدى تواضعه وإخلاصه.

كما أن أفعال النبي صلى الله عليه وسلم المتواضعة مع أصحابه كثيرة، ومن صور

تواضع الرسول مع أصحابه

ما يأتي: [4]

كان النبي يرفض أن يتزين بزي أهل الدنيا، بل كان يلبس كما يلبس أصحابه، ولم يكن يرتدي شيء مميز عنهم، ولم يكن يتميز عنهم في المآكل والمسكن، ةذلك على الرغم من قدرته على ذلك.

ومن أبرز قصص تواضع الرسول هي قصة المرأة السوداء التي كانت تقوم على تنظيف المسجد ولد ورد  فيها ما يأتي: (التي كانت تقُمُّ المسجد – أي: تكنسه وتنظفه – ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها، فقالوا: ماتت، فقال: أفلا كنتم آذنتموني، فكأنهم صغَّروا أمرها، فقال: دلوني على قبرها، فدلُّوه، فصلى عليها).

أمثلة عن التواضع

ورد عن التواضع الكثير من الحكم والأمثلة، ومن أبرز الأمثلة والأقوال على التواضع ما يأتي: [5]

  • إذا شئت أن تزداد قدرًا ورفعةً فَلِنْ وتواضع واترك الكبـر والعجبا.
  • إن التواضع من خصال المتقي وبه التقي إلى المعالي يرتقي.
  • لا يتكبر إلا كل وضيع، ولا يتواضع إلا كل رفيع.
  • كلما ارتفع الشريف تواضع، وكلما ارتفع الوضيع تكبر.
  • الشخص المتواضع هو الذي يمتلك الكثير ليتواضع به.

التواضع في الإسلام

حثنا الله سبحانه وتعالى على التواضع في العديد من المواضع في القرآن الكريم، وليس هذا حسب فلقد وردت العديد من الروايات والأحاديث من السنة النبوية التي تتحدث عن تواضع الرسول صلى الله عليه وسلم، وآثر ذلك على أصحابه ومن حوله، ومن الأدلة التي تناولت مفهوم التواضع في الإسلام من القرآن والسنة ما يأتي:

قال الله تعالى: (

وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

) من سورة الشعراء، ولقد قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسير هذه الآية: (ألن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم، وأصله أن الطائر إذا ضمَّ فرخه إلى نفسه بسط جناحه، ثم قبضه على الفرخ، فجعل ذلك وصفًا لتقريب الإنسان أتباعه.

قال الله تعالى: (

وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولًا

) من سورة الإسراء، ولقد قال الإمام القرطبي رحمه الله في تفسيرها:

أن

قوله تعالى: (وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا) هذا نهي عن الخيلاء، وأمر بالتواضع.

قال الله تعالى: (

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ

) من سورة المائدة، ولقد قال الإمام القرطبي رحمه الله: أن قوله تعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي: يرأفون بالمؤمنين، ويرحمونهم، ويلينون لهم، وقال الإمام ابن كثير رحمه الله: أن قوله تعالى: (أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) هذه صفات المؤمنين الكمل أن يكون أحدهم متواضعًا لأخيه ووليه.

قال الله تعالى (

فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ

)  ولقد قال قتادة بن دعامة رحمه الله:أن المخبتين مقصود بها المتواضعين، وقال الإمام القرطبي رحمه الله: أن المخبت هو المتواضع الخاشع من المؤمنين.

روى مسلم عن عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (

إن الله أوحى إلي أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد، ولا يبغي أحد على أحد

)، ولقد قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله: أن قوله:(إن الله أوحى إلي أن تواضعوا) يعني: أن يتواضع كل واحد للآخر، ولا يترفَّع عليه؛ بل يجعله مثله أو يكرمه أكثر.

روى البخاري عن أبي هريرة، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

)لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت

) والكراع قليل اللحم، والمقصود هنا أن النبي من شدة تواضعه كان مستعدًا ليقبل الهدية حتى ولو كانت شيء قليل.

روى الترمذي عن معاذ بن أنس الجهني، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (

من ترك اللباس تواضُعًا لله وهو يقدر عليه دعاه الله يوم القيامة على رءوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء يلبسها

) والمقصود هنا بالحلل أي ثياب أهل الجنة، والمقصود بترك الثياب، هي الثياب مرتفعة القيمة، ولقد قال الإمام ابن عثيمين رحمه الله عند شرحه لهذا الحديث: (هذا يعني أن الإنسان إذا كان بين أناس متوسطي الحال لا يستطيعون اللباس الرفيع، فتواضع وصار يلبس مثلهم، لئلا تنكسر قلوبهم، ولئلا يفخر عليهم، فإنه ينال هذا الأجر العظيم أما إذا كان بين أناس قد أنعم عليهم، ويلبسون الثياب الرفيعة لكنها غير محرمة، فإن الأفضل أن يلبس مثلهم؛ لأن الله تعالى جميل يحب الجمال). [1]