خصائص البنيوية التكوينية .. وأسسها عند جورج لوكاتش ولوسيان غولدمان

أسس البنيوية التكوينية

تشير البنيوية التكوينية إلى حركة فكرية في العلوم الإنسانية، منتشرة في الأنثروبولوجيا واللغويات والنظرية الأدبية، ومؤثرة في الخمسينيات والستينيات.

استنادًا إلى النظريات اللغوية لفرديناند دي سوسير، اعتبرت البنيوية اللغة نظامًا من الإشارات والدلالة، لا يمكن فهم عناصرها إلا فيما يتعلق ببعضها البعض وبالنظام.

في النظرية الأدبية تحدت البنيوية الاعتقاد بأنّ العمل الأدبي يعكس حقيقة معينة، فمؤيديها يقولون أنّ النص يتألف من اصطلاحات لغوية ويقع بين نصوص أخرى

قام النقاد البنيويون بتحليل المواد من خلال فحص الهياكل الأساسية، مثل التوصيف أو الحبكة، وحاولوا إظهار كيف كانت هذه الأنماط عالمية، وبالتالي يمكن استخدامها لتطوير استنتاجات عامة حول كل من الأعمال الفردية والأنظمة التي نشأت منها.

ويمكن تحليل أسس البنيوية التكوينية من ثلاث قواعد أساسية وهي:


  • البنيوية اللغوية

بناء على نظريات سوسور مؤسس علم اللغة، وهو النظام الذي يكون موضوع دراسته اللغة، وهو نظام من العلامات موجود في أذهان العديد من الأفراد، وبالتالي يعتبر اجتماعيًا ومتجانسًا، فيه يعد الكلام فعلًا فرديًا وغير متجانس يتفاعل مع اللغة.

وفيها يرى أن الكلمات كانت رموزًا أعطت

معنى

في إشارة إلى كلمات أخرى ولكن ليس لطبيعة الواقع، كما وارتبطت صوتيات الكلمة أو صورتها الصوتية، ما أسماه بشكل تعسفي بالمفهوم الذي تمثله، أو ما أسماه المعنى، بحيث يتمكن الناس من فهم بعضهم البعض عند التحدث لأن العلاقة بين الدال والمدلولة تستند إلى الأعراف أو الهياكل الاجتماعية أي لأنهم يشتركون في نفس الرموز.


  • الأنثروبولوجية البنيوية

استنادًا إلى نظريات ليفي شتراوس، الذي كان رائدًا في اعتبار الأنثروبولوجيا من البنيوية لتحليل الإنسان وحياته في المجتمع، بمعنى آخر تمكن من إبعاد الأنثروبولوجيا عن مفهوم

التاريخ

لتحقيق تحليل أكثر تعقيدًا.

جعلت البنيوية المطبقة على الأنثروبولوجيا من الممكن اكتشاف البنية الأساسية، أو التي ظلت مخفية، والعلاقات المختلفة بين العناصر الأساسية لتلك البنية، مثل أنظمة الأفكار، أو القرابة، أو الأساطير، التي انتهى الأمر بالأفراد إلى التبعية لها.


  • البنيوية الماركسية

استنادًا إلى نظريات لويس ألتوسير ونيكوس بولانتزاس وموريس جودييه، المساهمين الرئيسيين في الماركسية البنيوية، الذين حاولوا إثبات أنه لم يكن سوسور مؤسس البنيوية، بل كارل ماركس.

قرر ماركس عدم الخلط بين البنية والعلاقات المرئية وشرح المنطق الخفي، الذي أسس البنيوية، ونتج عن ذلك نقطة مشتركة بين مختلف مفكري البنيوية، سواء كانوا لغويين أو علماء أنثروبولوجيا أو ماركسيين اعتبروا جميعًا وجود بنية خفية أو أساسية في موضوع دراسة كل تخصص. [1]

خصائص البنيوية التكوينية

تبين أن البنيوية هي نوع من الوعي المستيقظ الذي جعل من الممكن فهم وتحليل

المعرفة

المعتمدة دون وعي، في ظل

العادات

والقواعد التي تحدث في ثقافة معينة والتي تتدخل فيها تخصصات دراسية متعددة.

وتتميز الحركة البنيوية بمجموعة من الخصائص وتتمثل بما يلي:

  • وجود هيكل يتجاوز الفرد.
  • الهيكل السائد على الفرد.
  • الهيكل الذي يحيط ويشكل الفرد.
  • التعرف على هيكل الفرد.
  • الهيكل الذي يخضع لقواعده وقوانينه.

وهذه بعض الأمثلة على هذه الأنواع من الهياكل هي:

  • اللغة وتالتي حللها فرديناند دي سوسور من علم اللغة.
  • اللاوعي وقام بتحليله جاك لاكان من التحليل النفسي.
  • المجتمع والتي حللها كلود ليفي شتراوس من الأنثروبولوجيا.
  • الاقتصاد وقام بتحليله لويس ألتوسير من الفلسفة الماركسية.
  • المعرفة وحللها ميشيل فوكو من نظرية المعرفة وعلاقتها بالسلطة.

البنيوية التكوينية عند جورج لوكاتش

تنص البنيوية التكوينية لدى جورج لوكاتش على بعض الأسس المختلفة عن خيره من النقاد ويشرحها باعتبارها السمة الأساسية للسلوك البشري والتي تشمل مجموعة من الأسس والخصائص وهي:

  • الميل نحو تكييف واقع

    البيئة

    وخصائصها فيما يتعلق بتلك البيئة، من خلال العقلانية وإضفاء الأهمية.
  • الاتجاه نحو الاتساق العام ونحو خلق أشكال هيكلية.
  • طبيعتها الديناميكية أي الاتجاه نحو تعديل البنية التي تشكل جزءًا منها وتطويرها، ما يعني أن الاتجاهات الثلاثة تؤثر على الإنسان.

هذه هي المفاهيم الأساسية لنظرية البنيوية التكوينية لديه، والتي لا يمكن فيها فصل السمة الأساسية للسلوك البشري عن البيئة.

أي بكل بساطة يقول أنّ هناك علاقة بين الإنسان والبيئة، ويتكيف البشر في كل واقع من حقائق البيئة حيث يوجدون، كما يخلق الميل البشري بعض الأنماط والهياكل الديناميكية في فكرهم وسلوكهم وشعورهم كرد فعل على جميع المشاكل في بيئتهم.

ومن زاوية أخرى فهو بفسر أساسيات البنيوية الجينية في ثلاثة مفاهيم، وهي أنّها:

  1. حقيقة إنسانية والتي تشبه بشكل كبير الحقيقة البشرية في السلوك البشري، والتي تعني كل الأنشطة والسلوكيات البشرية ، سواء كانت لفظية أو جسدية ، والتي تحاول العلوم فهمها، فيجب أن يكون النشاط أو السلوك البشري أنشطة اجتماعية وسياسية معينة يجتمع الأفراد معًا لتشكيل مجتمع، ومع المجتمع يمكن للبشر التكيف مع البيئة، فدائمًا ما يكون البشر والبيئة المحيطة في عملية بنية متبادلة متضاربة ولكنها متكاملة في نفس الوقت، لذلك فإن حقيقة الإنسانية هي بنية ذات مغزى، لأنّ الحقائق البشرية هي ردود فعل فرد أو موضوع جماعي.
  2. مفهوم الذات الجماعية وهي مجموعة اجتماعية لديها أيديولوجيتها وثقافتها لخلق رؤية موحدة لحياتهم الاجتماعية، ويمكن تعريفها على أنها طبقة اجتماعية لأنها مجتمعة لإنشاء بنية متماسكة للمجتمع
  3. هيكل

    الدلالة

    ومثل هذه الهياكل يجب أن تُفهم من حيث أصلها في العملية التاريخية، كما أنّه يمثل الهيكل الهام حقيقة وقاعدة، وهو أداة البحث الأساسية لفهم العلوم الإنسانية، وقائم على الميول الافتراضية والفعلية للواقع البشري.

البنيوية التكوينية عند لوسيان غولدمان

طور لوسيان غولدمان البنيوية التكوينية لأول مرة، وفيها يعتقد أن العمل الأدبي يشبه الهيكل، وهذا الهيكل ليس شيئًا ثابتًا، ولكنه نتاج للتاريخ، والتقدم الهيكلي وعملية إعادة الهيكلة.

ويوضح أيضًا أن هذا النهج يمكن أن يعيد بناء النظرة

العالم

ية للمؤلف في كتابة أعماله الأدبية، وتشمل الأسس للبنيوية التكوينية لديه ما يلي:

  • البنيوية التكوينية هي مزيج بين الأصولية والماركسية.
  • تفهم البنيوية الجينية كل شيء في هذا العالم، بما في ذلك العمل الأدبي كهيكل، وبهذا فإنّ جهد البنيوية التكوينية لفهم العمل الأدبي يتجه إلى الجهد المبذول لإيجاد هيكل العمل.
  • تهدف نظرية البنيوية التكوينية إلى تحليل طبيعة العمل أو نظرة

    المؤلف

    للعالم من خلال شخصية تم إنشاؤها بواسطة المؤلف في كل موقف في الرواية.
  • تحاول هذه النظرية تحليل العمل الأدبي من عنصرين، وتلك هي العناصر الجوهرية والخارجية، وفيها يتضمن العنصر الجوهري النص باعتباره بنية العمل الأدبي ويتضمن العنصر الخارجي بعض العوامل خارج النص، مثل المؤلف باعتباره الفاعل الجماعي في مجتمع معين والظروف الاجتماعية المحيطة بالمؤلف. [3]

البنيوية التكوينية في النقد الأدبي

بما أنّ البنيوية التكوينية هي مدرسة فكرية ونشأت في

فرنسا

برزت إلى الصدارة خلال الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي وأثبتت نفسها كحركة نقدية رئيسية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

فإنّ دورها في النقد الأدبي هو الكشف عن الهياكل الأساسية التي تحكم جميع أشكال التمثيل الثقافي والنشاط البشري والعلاقات الاجتماعية.

وتعتمد في النقد على مبدأ منهجي حاسم يتكون من فحص وتحديد كيفية ارتباط الظواهر التي يمكن ملاحظتها تجريبياً، كأجزاء من كل منظم، وتتشكل من خلال الهياكل الدائمة التي تعطي العالم نمطًا منطقيًا.

غالبًا ما تكمن الهياكل المهمة حقًا تحت سطح المظاهر ولا يمكن العثور عليها إلا من خلال التحقيق المقارن المنهجي، لذلك نجدها تجمع بين مجموعة من النظريات. [2]