هجاء المتنبي لكافور الإخشيدي


من هو كافور الإخشيدي


هو  أبو المسك كافور الإخشيدي ولقب كافور بالليثي السوري، وهو من رقيق الحبشة، جاء إلى مصر وكان عبدًا لدى الملك محمد بن طغج الإخشيدي مؤسس الأسرة الإخشيدية التي قامت على حكم مصر والشام منذ القرن الرابع الهجري.


وقد دام حكم كافور الإخشيدي على الدولة الإخشيدية وحكم مصر لمدة 23 عامًا، وهو الملك الرابع لهذه الدولة، ويرجع له الفضل في بقاء هذه الدولة قوية ومتماسكة لفترة من الزمن، وقد اشتراه الإخشيد من عبيد النوبة، وكان وفيًا للملك وبعد وفاة محمد بن طغج الإخشيدي تولى الوصاية على أبنائه فحكم كافورٌ مصرَ والشام، وصياً على ابنه أونجور، ثم ابنه علي، أبناء الإخشيد، لكنه كان الحاكم الفعلي للبلاد، ولقد كان هجاء المتنبي لكافور الإخشيدي من أبرز الأشعار التي علقت حول سيرة كافور الإخشيدي إلى يومنا هذا.


قام الخليفة العباسي المطيع لله بتقليد كافور الإخشيدي ملكاً رسمياً على الدولة الإخشيدية، بعد وفاة عليّ بن الإخشيد في القرن العاشر الميلادي، فقام على حكم مصر حتى توفي عام 967 ميلاديًا ودفن في القدس.


ولقد كان شخصية رائعة ومثلًا يحتذى به في القوة والإخلاص، لكن من سوء حظه أنه وقع فريسةً لأطماع المتنبي فبعد أن مدحه بالقصائد نزل عليه بالهجاء بعد أن تملص من تقليد المتنبي على أي منصب في الدولة الإخشيدية، مما لطخ سمعته لأجيال وأجيال حتى يومنا هذا. [1]


نبذة عن المتنبي


هو أحمد بن الحسين بن الحسن بن عبد الصمد الجعفي الكوفي الكندي أبو الطيب المتنبي، ولد بالكوفة في العراق عام 303 هجريًا، لكنه نشأ بالشام وترعرع هناك وتنقل في

البادية

لطلب العلم وهو من أهم شعراء العرب وأبلغهم، فلقد لقب بشاعر العرب لبلاغته وفصاحته، كما أنه كان صاحب مكانة سامية وسط الحكام والنبلاء على عكس غيره من الشعراء.


وذلك بسبب ما تميز به شعره الذي يعتبر إلهام للشعراء والأدباء إلى يومنا هذا، وهو أحد مفاخر الأدب العربي فلقد كان أعجوبة عصره، ولقد بدأ بإلقاء الشعر صغيرًا وهو في التاسعة من عمره


واشتهر بمدحه للحكام والملوك، فقام بمدح كافور الإخشيد ملك الدولة الإخشيدية ومدح سيف الدولة، ومدح

ابن العميد

من بلاد فارس، فقتل هو وابنه وهو عائد من بلاد فارس، ولقد كان يملك مكانة رفيعة بين الحكام بسبب مدحه لهم في قصائده التي كانت تلقى صيتًا واسعًا.


لكن بعد أن رفض كافور الإخشيدي أن يوليه أي منصب قام بهجائه واستفحل في الأمر كثيرًا، ولقد بقيت كلماته هذه عن كافور الإخشيدي عالقة في أذهان

التاريخ

بغض

النظر

عن إنجازاته ومدى عظم هذه الشخصية. [2]


قصة المتنبي مع كافور الإخشيدي


كان المتنبي ضيف الملوك، يحب مجالستهم ومدحهم طالم يكرمونه، لكن إن رفض أحدهم متطلباته هجاه هجاءً فاحشًا مثلما فعل ما كافور الإخشيد، ولقد كان المتنبي ملازمًا لمجلس سيف الدولة، يمدحه ليل نهار، حتى وقع خلاف بين المتنبي وبين شاعر آخر في حضرة سيف الدولة.


وقام هذا الشاعر بالتعدي على المتنبي وضربه على وجهه، لكن سيف الدولة لم يتدخل للدفاع عنه فقام وخرج من مجلسه واتجه إلى دمشق حتى أرسل له كافور الإخشيد يدعوه إلى مصر، فلقد كان الإخشيد يحب الأدب والشعر ويجزل العطاء للشعراء والكتاب في عصره، فلما علم المتنبي ذلك قبل دعوته طمعًا فيه وفي عطاياه، حتى أنه مدحه قائلًا:


حببتك قلبى قبل حبك مــن نأى وقد كان غدارا فكن أنت وافيا


فإن دمــوع العين غــدر بربها إذا كـــــن إثر الغادرين جواريا


ولكن بالفسطاط بحـــر أزرته حياتى ونصحى والهوى والقوافيا


تَماشى بِأَيدٍ كُلَّما وافَتِ الصَفا نَقَشنَ بِهِ صَدرَ البُزاةِ حَوافِيا


وَتَنظُرُ مِن سودٍ صَوادِقَ في الدُجى يَرَينَ بَعيداتِ الشُخوصِ كَما هِيَ


وَتَنصِبُ لِلجَرسِ الخَفيِّ سَوامِعاً يَخَلنَ مُناجاةَ الضَميرِ تَنادِيا


تُجاذِبُ  فُرسانَ  الصَباحِ  أَعِنَّةً  كَأَنَّ عَلى الأَعنـاقِ مِنها أَفـاعيا


بِعَزمٍ يَسيرُ الجِسمُ في السَرجِ راكِباً بِهِ وَيَسيرُ القَلبُ في الجِسمِ ماشِيا


قَواصِدَ كافورٍ تَوارِكَ غَيرِهِ وَمَن قَصَدَ البَحرَ اِستَقَلُّ السَواقِيا


فَجاءَت بِنا إِنسانَ عَينِ زَمانِهِ وَخَلَّت بَياضاً خَلفَها وَمَآقِيا


نَجوزُ عَلَيها المُحسِنينَ إِلى الَّذي نَرى عِندَهُم إِحسانَهُ وَالأَيادِيا


ولقد وفى كافور وقام بإجزال العطايا له، وأكرم ضيافته وأحسن استقباله، لكن كان المتنبي يطمح إلى ما هو أبعد من ذلك، فلقد كان يطمح إلى حكم أي ولاية أو مدينة من بلاد الدولة الإخشيدية، ولكن لم يذعن له كافور ويعطيه مثل هذا المنصب الكبير لمجرد قوله الأشعار والمدائح، مما حمل المتنبي إلى أن انقلب ضده وبدا يهجوه هجاءًا فاحشًا أهانه فيه بشدة، فلقد سخر من لونه الأسود، ومن كونه عبد أصبح ملكًا. [1]


المتنبي يهجو كافور الإخشيدي


رفض كافور الإخشيدي أن يقلد المتنبي على أي منصب في الدولة الإخشيدية لمجرد كونه شاعر، فقام المتنبي يهجوه بما ليس فيه فلقد كان كافور حاكمًا عادلًا ورجلًا شجاعًا، يتقي

الله

في رعيته، ويقوم على مسؤولياتهم، لذلك لا يجب على أي شخص أن يترك أبيت هجاء المتنبي لكافور الإخشيدي تغير نظرته عن مثل هذا

الرجل

الذي رفض أطماع هذا الشاعر فأصبح فريسةً لكلماته وإهانته وضغائنه، وقد قال المتنبي في كافور الإخشيدي ما يأتي:


عيدٌ بِأيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عِيد  ُبِما مَضَى أَم لأَمْرٍ فِـيكَ تجدِيدُ


أَما الأَحِبةُ فالـبَـيَـداءُ دُونَهُـمُ  فَلَيتَ دُونَكَ بَيْـدًا دونَها بِـيـدُ


لَولا العُلَى لم تجِبْ بِي ما أَجُوبُ بِها  وَحناءُ حَرْفٌ وَلا جَرْداءُ قَيـدُودُ


وَكـانَ أطْيَـبَ مِنْ سيفِي مَعانَقَة  أَشباهُ رَونَقه الغِيدُ الأَمالِيدُ


لم يَتْرُكِ الدَهْرُ مِنْ قَلبي وَلا كَبِدي شَيْئاً تُتَيِّمهُ عَيْنٌ وَلا جِيـد


يا ساقِييَّ أَلخَمرٌ في كُؤوسِكما أم في كُؤُوسِكُما هَمٌّ وتَسهِيـدُ


أَصَـخْـرَةُ أَنــا مـــا لـــي لا تُحِـرِّكُـنـي  هــذي الـمُـدامُ وَلا هــذي الأَغـارَيـدُ


إذا أَرَدْتُ كُـمَـيْــتَ الــلَّــوْنِ صـافِــيَــة  ًوَجَدْتُـهـا وحَبِـيـبُ الـنَـفْـسِ مَـفـقُـودُ


مــاذا لَقِـيْـتُ مِــنَ الـدُنْـيـا وأَعْـجَـبُـه  أنِّـي بِمـا أَنــا شــاكٍ مِـنْـهُ مَحـسُـود


أَمْـسَـيْـتُ أَرْوَحَ مُـثــرٍ خـازِنًــا ويَــــدًا  أَنـــا الـغَـنِـيُّ وأَمــوالِــي الـمَـواعِـيـدُ


إِنّــــي نَــزَلــتُ بِـكَـذابِـيـنَ ضَـيـفُـهُـم  ُعَـنِ القِـرَى وعَـنِ التَـرحـالِ مِـحـدُودُ


جُـودُ الرّجـالِ مـنَ الأَيْـدِي وَجُـودُهُـمُ  مـنَ اللِـسـانِ فَــلا كَـانُـوا وَلا الـجـوُدُ


ما يَقبِضُ المَوتُ نَفسًا مِن نفوسِهِـمِ  إِلا وفـــي يـــدِهِ مِـــن نَتَـنِـهـا عُــــود


أكُلمـا اغْـتَـالَ عَـبـدُ الـسُـوءِ سـيـدَهُأ  و خـانَـه فَـلَـهُ فـــي مـصــرَ تَمـهـيـد


صــار الخَـصِـي إِمــام الآبِـقـيـن بِـهــا  فـالـحُـر مستـعـبَـد والـعَـبـدُ مَـعـبُـودُ


نـامَـت نواطِـيـرُ مِـصـرٍ عَــن ثَعالِـبِـهـا  فقـد بَشِـمْـنَ ومــا تَفْـنـى العناقـيـدُ


الـعَـبـد لـيــسَ لِـحُــرٍّ صــالــحٍ بــــأخٍ  لَــو أنــهُ فــي ثـيــابِ الـحــرِّ مـولـود


لا تشـتَـرِ الـعَـبـد إلا والـعَـصَـا مـعــه  إِن الـعَـبِـيــدَ لأنـــجـــاسٌ مَـنـاكــيــد


مـا كُنـتُ أَحسَبُنـي أَحيـا إلـى زَمَـن  ٍيُسـيء بـي فيـهِ عَبـد وَهْـوَ مَحمـودُ


وَلا تَوهمتُ أَن الناس قَدْ فُـقِـدُوا  وأًن مِثْلَ أَبي البيـضاءِ مَـوجودُ


وأَنَّ ذَا الأَسْــوَدَ المَثْقوبَ مـشْفَرُهُ  تطِيعُهُ ذي العَضارِيطُ الرعادِيد


جَوعانُ يأكلُ مِـن زادي ويُمِسكُني  لِكَي يُقالَ عَظِيمُ القدرِ مَقصُودُ


وَيلُمِّـها خُطَّةً وَيلُم قـابلِها  لِمِثْلِهـا خُـلِقَ المهـريَّةُ القُودُ


وعِندَها لَذَّ طَعْم الموتِ شارِبُـهُ إِن المَنِـيَّةَ عِـنْـدَ الذُلّ قِنديدُ


مَن علَّم الأسـودَ المَخْصِيَّ مكرُمة أَقَومُـهُ البِـيـضُ أَمْ آبـاؤهُ الصِـيدُ


أم أُذْنُــه فــي يــدِ النّـخَّـاسِ دامِـيــةً  أَم قَــدْرهُ وَهــوَ بِالفِلـسَـيْـنِ مَردُودُ


أولَى اللِـئام كُـوَيـفـيـرٌ بِـمَـعــذِرَة  فـي كُـلِّ لُـؤْم وبَـعـض الـعُـذْرِ تَفنِـيدُ


وَذاك أن الفحولَ البِيضَ عاجِزَة  عنِ الجَميلِ فكَيـفَ الخِصْيَةُ السُودُ [3]