موضوعات الفلسفة في شعر المعري

من هو أبو العلاء المعري

أبو العلاء المعري وهو أحمد بن عبد

الله

بن سليمان وهو شاعر وفيلسوف، وينتسب أبو العلاء إلى قبيلة عربية تسمى قبيلة تنوخ في اليمن، ولد عام 363هجري ومات في معرة النعمان، كان نحيل

الجسم

وقد أصيب بمرض الجدري عندما كان في الرابعة من عمره وقد أودي به إلى فقدان بصره، وقد كانت أسرته مهتمة بالعلم وكانت تتمتع بثقافة دينية كبيرة، وقد اتصف أبو العلاء المعري بذكاء حاد وذاكرة قوية، وقد قال عن نفسه: “ما سمعت شيئًا إلا حفظته وما حفظت شيئًا فنسيته”، وهو معروف بأنه شاعر حكيم وفيلسوف وقد كان هذا نتيجة اتفاق المؤرخون له، ويذكر بعضهم أن أبو العلاء قد عُرف بالزندقة بالإضافة إلى الزهد الفلسفي.

أبو العلاء المعري وموضوعات الفلسفة في شعره

إن العصر العباسي قد تميز بثقافة حضارية متطورة كانت نتيجة اتصال العرب بغيرهم من الشعوب المجاورة، وإن هذا الاتصال قد أثر في شعراء هذا العصر وبالتالي كان له تأثير على أشعارهم، فقد نقلوا عن الأمم الأخرى علوم متعددة كالفلسفة والمنطق، وقد برز العديد من الشعراء الذين عملوا على توظيف هذه العلوم في شعرهم مثل أبي تمام والشاعر المتنبي، بالإضافة إلى أبو العلاء المعري، ونجد أن تاريخ الإبداع البشري كان يعتمد في الأساس على التجريب لأنه هو المصدر الهام الذي يضيف الإبداع والتنوع، مع العلم أن طريقة التجريب ليس بالضرورة أن تكون دائمًا ناجحة، بل من الممكن أن تكون معرضة للفشل أو النجاح، وقد تم إخضاع الشعر القديم لمحاولات تجريبيبة عديدة قام بها الشعراء منهم أبو العلاء المعري، حيث أنه عمل في لزومياته وأضاف لها فكر إبداعي جديد استطاع من خلاله إبراز شعرًا خاصًا به يعتمد على أفكار ونظرات فلسفية، وإن هذه

النظرات

الفلسفية ألزمته بلوازم شكلية معقدة قامت على تمييزه عن الشعراء المعاصرين له ومن هذه التعقيدات تعقيدات خارجية وتعقيدات داخلية حيث أن الداخلية منها تنحصر في ثلاثة لوازم تتجلى في: اللوازم اللغوية بالإضافة إلى اللوازم البديعية والثقافية، وإن شعر المعري قد تجلت في مرحلتين اثنتين سنوضحها بالإضافة إلى توضيح موضوعات الفلسفة في شعره وهي كالتالي:


  • المرحلة الأولى

    تجلت في المرحلة ما قبل العزلة وقد تم تمثيلها في ديوانه الخاص الذي يسمى “سقط الزند”، وإن الموضوعات التي تجلت في هذ المرحلة هي الموضوعات التقليدية مثل الغزل والرثاء والمدح وغيرها، وقد كانت معظم أشعاره في هذه المرحلة يتجلى فيها المدح، أما الهجاء فقد كان نادرًا لدرجة أنه مختفيًا في ديوانه هذا بسبب رفضه للحقد والكراهية التي التمسها عند معاصريه، وإن ديوان سقط الزند يعتبر امتدادًا من الجانب الفني لمذهب المتنبي حيث أن كان أبو العلاء من المتأثرين به كثيرًا.

  • المرحلة الثانية

    وهي مرحلة ما بعد العزلة والتي تتمثل بديوان خاص به اسمه اللزوميات، وقد تجلى في هذه المرحلة توظيف أبو العلاء المعري الفلسفة في الشعر، وقد استطاع أن يطوّع الشعر للفلسفة.[1]


وإن موضوعات الفلسفة في شعر المعري تجلت في:

  • كان في شعره يتهكم على المتدينين الذين يؤدون الطقوس التي لا تلامس دواخلهم والذين يظلمون الناس ويأكلون حقوقهم، ولم يكن يتهكم على أصول الدين الصحيحة.
  • كانت أشعاره تكثر من الانتقاد لسلوك المتعصبين للمذاهب.
  • تجلت بعض أشعاره

    حب

    الحكمة حيث أنها هي البحث عن العام، وإن الكلي في هذا قد يبدو وكأنه جزئي.
  • هناك بعض أشعاره كان فيها يتهم نفسه بأن ينكر عليها العلم والعقل.
  • وقد تجلت موضوعات شعره الفلسفية حبه للعزلة بالإضافة إلى أنها كانت تحمل سخط على الناس وعلى

    الحياة

    ، وكان متشائمًا من أوضاعهم ومسالكهم وأكاذيبهم، وأيضًا الجهل الذي انتشر في الشعوب العربية.[2]

أبو العلاء المعري كتب على قبره

نجد أن شواهد القبور التي يتم عليها نقش أسماء الموتى هي من

العادات

التقليدية لدى معظم الشعوب، ويُروى أن الشاعر أبو العلاء المعري في العصر العباسي قد أوصى أن يتم كتابة بيت شعر على شاهدة قبره، وإن هذا البيت الشعر هو مشهور ومنسوب إلى أبو العلاء المعري وقد كان يفتتح به قصيدة له وكانت قصيدة طويلة وتشاؤمية تحمل في أبياتها المعاناة والمأساة التي عاشها أبو العلاء المعري وعثرة حظه، فعندما مات أبو العلاء المعري وقف على قبره أربع وثمانون شاعرًا قاموا برثائه، والبيت الشعري هو:

هذا ما جناه عليَّ أبي  وما جنيت على أحد.

الشعر الفلسفي في العصر العباسي

إن الشعر الفلسفي قد انتشر في العصر العباسي بسبب اتصال الشعراء بغير العرب والشعوب المجاورة لهم، فقد أثرت ثقافة هذه الشعوب على الشعراء وعلى أشعارهم عن طريق التأثير على الفكر حيث أن الفلسفة الشعرية تعتبر نتاجًا لمجموعة من الآراء بالإضافة إلى مجموعة أفكار يتم تكوينها من قِبل الشاعر، ويهدف بهذه الأفكار أن يسدي النصح والإرشاد للقارئين لشعره، وقد تجلت مواضيع مختلفة في الشعر الفلسفي في العصر العباسي فكانت بين الحياة والموت بالإضافة إلى أنها تطرقت إلى

الرزق

والعمل.

إن الحكمة والفلسفة التي تجلت في الشعر العربي تضمنت على مجموعة من الأسرار اللغوية التي عملت على تمييز أسلوب كل شاعر على حدة، وقد كان هذا التميز من حيث الصياغة والصور البيانية والألفاظ، وكما أسلفنا سابقًا أن أبو العلاء المعري قد حصر نفسه في تعقيدات خارجية وداخلية يتجلى فيها اللوازم اللغوية والبديعية والثقافية، وإن الاشعار الفلسفية وخاصة التي تتناول الحكمة منها مثّلت طابعًا تاريخيًا هامًا، فقد كانت انعكاس للفكر العام.

وقد اتصف الشعر بخصائص محددة وكان هناك

خصائص شعر أبو العلاء المعري

التي ميزته عن غيره من الشعراء وكان له أسلوب في اللغة والموسيقى مميزين حيث أنه كان لديه القدرة على التصرف باللغة، بالإضافة إلى الانفراد بتراكيب خاصة به، وق كان له ديوان وأشعار توضح فلسفته وحكمته وإن هذا الديوان كان مقسمًا إلى ثلاثة أقسام وهي:

  • القسم الأول يسمى “لزوم مالا يلزم” ويعرف اللزوميات.
  • القسم الثاني اسمه “سقط الزند”.
  • القسم الثالث اسمه “ضوء السقط”.

ومن

أشعار أبو العلاء المعري

هي:


قصيدة طهارة إذا حضرت عندي الجماعة أوحشت

إِذا حَضَرَت عِندي الجَماعَةُ أَوحَشَت *** فَما وَحدَتي إِلّا صَحيفَةُ إيناسي

طَهارَةُ مِثلي في التَباعُدِ عَنكُمُ *** وَقُربُكُمُ يَجني هُمومي وَأَدناسي

وَأَلقى إِلَيَّ اللُبَّ عَهداً حَفِظتُهُ *** وَخالَفتُهُ غَيرَ المَلولِ وَلا الناسي

وَأَعجَبُ مِنّي كَيفَ أُخطِئُ دائِماً *** عَلى أَنَّني مَن أَعرَفِ الناسِ بِالناسِ

نَصَحتُكِ يا أُمَّ البَناتِ فَحاذِري *** وَساوِسَ وَلّاجِ الأَساوِدِ خَنّاسِ

وَلا تُلبِسي الحِجلَينِ بِنتَكِ وَالبُرى *** لِتَشهَدَ عُرساً وَاِشغِلَنها بِعِرناسِ


قصيدة إليك تناهى كل فخر وسؤدد

إليكَ تَنَاهى كلُّ فَخْرٍ وسُؤدَدٍ *** فأبْلِ اللّيالي والأنامَ وجَدِّدِ

لجَدّكَ كان المَجْدُ ثمّ حَوَيْتُه *** ولابْنِكَ يُبْنَى منه أشرَفُ مَقْعدِ

ثلاثةُ أيّامٍ هيَ الدّهرُ كلّه *** وما هُنّ غيرَ الأمسِ واليومِ والغَدِ

وما البَدرُ إلاّ واحِدٌ غيرَ أنّه *** يَغِيبُ ويأتي بالضّياءِ المُجَدِّدِ

فلا تَحْسِبِ الأقْمارَ خَلْقاً كثيرةً *** فجُمْلتُها مِن نَيّرٍ مُتَرَدِّدِ

وللحَسَنِ الحُسْنى وإن جاد غيرُه *** فذلكَ جُودٌ ليس بالمُتَعَمَّدِ

له الجَوْهَرُ السّاري يُؤمِّمُ شخصَه *** يَجوبُ إليه مَحْتِداً بَعْدَ مَحْتِدِ

ولو كتَموا أنسابَهُمْ لَعَزَتْهُمُو *** وُجُوهٌ وفِعلٌ شاهِدٌ كلَّ مَشهَدِ

وقدْ يُجْتَدى فضْلُ الغَمامِ وإنّما *** من البحرِ فيما يزعمُ الناسُ يَجتدي

ويَهْدي الدليلُ القوْمَ والليلُ مُظلِمٌ *** ولكنّه بالنّجمِ يَهْدي ويَهْتَدي

فيا أحلمَ السّاداتِ من غيرِ ذِلّةٍ *** ويا أجْوَدَ الأجْوادِ من غيرِ مَوْعِدِ

وَطِئْتَ صروفَ الدهرِ وطْأةَ ثائرٍ *** فأتْلَفْتَ منها نَفْسَ ما لم تُصَفِّدِ

وعَلّمْتَهُ منكَ التّأنّي فانْثَنى *** إذا رامَ أمراً رامَه بتأيُّدِ

وأثْقَلْتَه مِن أنْعُمٍ وعَوَارِفٍ *** فسَارَ بها سيرَ البَطِيءِ المُقيّدِ

ودانتْ لكَ الأيامُ بالرّغمِ وانْضَوَتْ *** إليك الليالي فارْمِ مَن شئتَ تُقْصِدِ[3]