قصائد زهير بن ابي سلمى
من هو زهير بن ابي سلمى
هو زهير بن ابي سلمى ربيعة بن رياح بن قرة بن الحارث، وهو من بني مزينة، وولد حوالي السنة 530 ميلادي، وذلك استنادًا إلى شعره والاحداث التي رافقت ابياته، كان من احد الشعراء الثلاثة الكبار، وهو وامرؤ القيس والنابغة، وكان من
أشهر شعراء العصر الجاهلي
، ومحط الثناء من ذوي البصيرة في الشعر من الإسلاميين، وفي طليعتهم النبي عليه
الصلاة
والسلام وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان.
شعر زهير بن ابي سلمى
إن شعر زهير بن ابي سلمى ليس من ثمرة النبوغ الشعري فقط، إنما جاء تميزه بالواقعية والصدق والروية والاتزان والحصافة والحكمة، بسبب العوامل المكتسبة، وقد كان يمتلك نضجًا مبكرًا وسدادًا في الرأي حتى اصبح من اشعر الشعراء، وبهذه الخصال التي اتصف بها زهير بن ابي سلمى اصبح مضربًا في الحكمة وإحكام الاداء، ومن
ابرز شعراء العصر الجاهلي
وقيل انه اخذ ذلك عن والده، وهو ايضًا زعيم للمدرسة التي تسمى المدرسية الزهيرية، وسميت بعض
قصائد
ه بالحوليات لانه كان ينظمها اربعة اشهر، ويهذبها في اربع، ويعرضها على النقاد في اربع، فتخرج القصائد بعد حول كامل.
كان زهير بن ابي سلمى صاحب منهجية في الشعر، تتصف بالواقعية والرصانة والصقل والسداد في الرأي، وكان يميل للاداء البارع، والتصوير الفني ويتجنب الافتعال، وهو يجمع بين منطق الاشياء وبين صدق الاحساس وعمق الانفعال الوجداني، وكان امينًا تجاه معطيات زمانه، فنرى في شعره مؤثرات
الحياة
الاجتماعية والنفسية والسياسية والمادية [1]
وقد اضطر زهير في شبابه ان يعيش في قبيلة غطفان بعيدًا عن قبيلته الاصلية، وكان لهذه النشأة أثرًا كبيرًا في سموه، والبعد الإنساني الواضح في ابياته، فكتب
فقري في بلادك إن قومًا متى يدعوا بلادهم يهونوا
وقوله ايضًا
ومن يغترب يحسب عدوًا صديقه ومن لا يكرِم نفسه لا يُكرَمِ
تميز زهير بن ابي سلمى عن غيره من الشعراء
تميز زهير عن افراد عشيرته بوجود رؤيا ثاقبة وثروة فكرية، وحكمة هادئة، وكان بموقف الحكيم الذي يؤخذ برأيه، وتجلى ذلك في قصائده، وكان مؤمنًا بوجود
الله
، في قوله
بدا لي ان الله حق فزادني إلى الحق تقوى الله ما كان باديا
ألا لا ارى على الحوادث باقيا ولا خالدًا إلا الجبال الرواسيا
وكان يرى ان الموت قدر محتوم لا يمكن للإنسان مهما فعل ان يفر منه، وذلك في قوله
ومن هاب اسباب المنايا ينلنه ولو نال اسباب السماء بسلم
ورأى ان الانسان عرضة لتقلبات
الدهر
المختلفة، فهو لا يمكنه ان يعلم ما الذي سوف يحصل غدًا، وادرك ان الإنسان ليس مخلد، ولا يبقى من ذكراه سوى
العمل الصالح
والطيب
وأعلم ما في اليوم والأمس قبله ولكنني عن علم ما في غد عمي
هذه الابيات ترشدنا إلى ان زهير بن ابي سلمى كان يؤمن بالحساب والبعث والقدر ووجود الله، وكان يتسم بالتقوى والورع في شعره، وكان مهذبًا زاهدًا، يتصف بالعدل والسلام والكرم والتعفف والرزانة.
وإن هذه الخصال كانت بسبب تأثر زهير بالعديد من العوامل المختلفة التي أثرت على شعره وشخصيته وتركت بصمتها عليه وعلى توجهاته الفكرية، وإن
البيئة
الصحراوية التي عاش فيها زهير بن ابي سلمى كانت من اهم العوامل التي اثرت على شعره، وجعلته متمسكًا بوسائل الحياة المختلفة مثل الخصب والتجدد، لان هذه الطبيعة المريرة التي عاش بها جعلته يواجه صراع صعب من اجل البقاء، ودفعه ذلك للرحيل، في قوله
جمالية لم يبق سيري ورحلتي على ظهرها من نيها غير محفد
وهكذا نرى ان الشاعر زهير بن ابي سلمى عاش من اجل الحق والسلام والخير، وكانت هذه الارض القاسية التي نشأ فيها سببًا لنشوء هذا الإنسان الشجاع القادر على اجتياز المصاعب ومواجهة الظروف القاسية، فزهير بن ابي سلمى عانى من اهوال الحرب باشكالها المختلفة، وهذه الاهوال لها تأثير كبير عليه، وهي عوامل اسهمت في تشكل شخصيته وتوجهاته الفكرية وميله نحو قيم الحق والخير التي ظهرت بشكل واضح في شعره. [2]
قصائد زهير بن ابي سلمى
قصيدة أمن أم أوفى دمنة لم تكلم
من اشهر قصائد زهير بن ابي سلمى،
قصيدة داحس والغبراء
أَمِن أُمِّ أَوفى دِمنَةٌ لَم تَكَلَّمِ بِحَومانَةِ الدُرّاجِ فَالمُتَثَلَّمِ
بِها العَينُ وَالأَرآمُ يَمشينَ خِلفَةً وَأَطلاؤُها يَنهَضنَ مِن كُلِّ مَجثِمِ
وَقَفتُ بِها مِن بَعدِ عِشرينَ حِجَّةً فَلَأياً عَرَفتُ الدارَ بَعدَ التَوَهُّمِ
فَلَمّا عَرَفتُ الدارَ قُلتُ لِرَبعِها أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الرَبعُ وَاِسلَمِ
تَبَصَّر خَليلي هَل تَرى مِن ظَعائِنٍ تَحَمَّلنَ بِالعَلياءِ مِن فَوقِ جُرثُمِ
وَفيهِنَّ مَلهىً لِلصَديقِ وَمَنظَرٌ أَنيقٌ لِعَينِ الناظِرِ المُتَوَسِّمِ
بَكَرنَ بُكوراً وَاِستَحَرنَ بِسُحرَةٍ فَهُنَّ لِوادي الرَسِّ كَاليَدِ لِلفَمِ
كَأَنَّ فُتاتَ العِهنِ في كُلِّ مَنزِلٍ نَزَلنَ بِهِ حَبُّ الفَنا لَم يُحَطَّمِ
فَلَمّا وَرَدنَ الماءَ زُرقاً جِمامُهُ وَضَعنَ عِصِيَّ الحاضِرِ المُتَخَيِّمِ
يَميناً لَنِعمَ السَيِّدانِ وُجِدتُما عَلى كُلِّ حالٍ مِن سَحيلٍ وَمُبرَمِ
تَدارَكتُما عَبساً وَذُبيانَ بَعدَما تَفانوا وَدَقّوا بَينَهُم عِطرَ مَنشِمِ
وَما الحَربُ إِلّا ما عَلِمتُم وَذُقتُمُ وَما هُوَ عَنها بِالحَديثِ المُرَجَّمِ
مَتى تَبعَثوها تَبعَثوها ذَميمَةً وَتَضرَ إِذا ضَرَّيتُموها فَتَضرَمِ [3]
قصيدة صحا القلب عن سلمى وقد كاد لا يسلو
صَحا القَلبُ عَن سَلمى وَقَد كادَ لا يَسلو وَأَقفَرَ مِن سَلمى التَعانيقُ فَالثِقلُ
وَقَد كُنتُ مِن سَلمى سِنينَ ثَمانِياً عَلى صيرِ أَمرٍ ما يَمُرُّ وَما يَحلو
وَكُنتُ إِذا ما جِئتُ يَوماً لِحاجَةٍ مَضَت وَأَجَمَّت حاجَةُ الغَدِ ما تَخلو
فَأَقسَمتُ جَهداً بِالمَنازِلِ مِن مِنىً وَما سُحِقَت فيهِ المَقادِمُ وَالقَملُ
لَأَرتَحِلَن بِالفَجرِ ثُمَّ لَأَدأَبَن إِلى اللَيلِ إِلّا أَن يُعَرِّجَني طِفلُ
إِلى مَعشَرٍ لَم يورِثِ اللُؤمَ جَدُّهُم أَصاغِرَهُم وَكُلُّ فَحلٍ لَهُ نَجلُ
رَأى اللَهُ بِالإِحسانِ ما فَعَلا بِكُم فَأَبلاهُما خَيرَ البَلاءِ الَّذي يَبلو
تَدارَكتُما الأَحلافَ قَد ثُلَّ عَرشُها وَذُبيانَ قَد زَلَّت بِأَقدامِها النَعلُ
فَأَصبَحتُما مِنها عَلى خَيرِ مَوطِنٍ سَبيلُكُما فيهِ وَإِن أَحزَنوا سَهلُ
إِذا السَنَةُ الشَهباءُ بِالناسِ أَجحَفَت وَنالَ كِرامَ المالِ في الجَحرَةِ الأَكلُ [4]
قصيدة تعلم ان شر الناس حي
تَعَلَّم أَنَّ شَرَّ الناسِ حَيٌّ يُنادى في شِعارِهِمُ يَسارُ
وَلَولا عَسبُهُ لَرَدَدتُموهُ وَشَرُّ مَنيحَةٍ عَسبٌ مُعارُ
إِذا جَمَحَت نِساؤُكُمُ إِلَيهِ أَشَظَّ كَأَنَّهُ مَسَدٌ مُغارُ
يُبَربِرُ حينَ يَعدو مِن بَعيدٍ إِلَيها وَهوَ قَبقابٌ قُطارُ
كَطِفلٍ ظَلَّ يَهدِجُ مِن بَعيدٍ ضَئيلِ الجِسمِ يَعلوهُ اِنبِهارُ
إِذا أَبزَت بِهِ يَوماً أَهَلَّت كَما تُبزي الصَعائِدُ وَالعِشارُ [5]
قصيدة ولقد نهيتكم وقلت لكم
وَلَقَد نَهَيتُكُمُ وَقُلتُ لَكُم لا تَقرَبُنَّ فَوارِسَ الصَيداءِ
أَبناءَ حَربٍ ماهِرينَ بِها تُغذى صِغارُهُمُ بِحُسنِ غِذاءِ
قَد كُنتُ أَعهَدُهُم وَخَيلَهُمُ يَلقَونَ قُدماً عَورَةَ الأَعداءِ
أَيسارُ صِدقٍ ما عَلِمتُهُمُ عِندَ الشِتاءِ وَقِلَّةِ الأَنواءِ [6]
قصيدة متى تذكر ديار بني سحيم
مَتى تُذكَر دِيارُ بَني سُحَيمٍ بِمَقلِيَةٍ فَلَستُ بِمَن قَلاها
هُمُ وَلَدوا بَنِيَّ وَخِلتُ أَنّي إِلى أُربِيَّةٍ عَمِدٍ ثَراها
هُمُ الخَيرُ البَجيلُ لِمَن بَغاهُم وَهُم نارُ الغَضى لِمَنِ اِصطَلاها
وَمِنهُم مانِعُ البَطحاءِ حَزنٌ وَكانَ سِدادَ مَركَبَةٍ كِفاها
وَلَولا حَبلُهُ لَنَزَلتُ أَرضاً عِذابَ الماءِ طَيِّبَةً قُراها [7]