الأدلة على وقوع البعث
معنى البعث وَالنُّشُورِ
البعث
كلمة تحمل العديد من المعاني فتعني الإرسال أو البعث من المنام وهي اليقظة، والبعث في الدين الإسلامي هو إحياء الموتى مرة أخرى، إذ يقول
الله
عز وجل في كتابه العزيز في
سورة البقرة
آية 56″ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ”، ويقول تبارك وتعالى في سورة ياسين آية 52″قَالُوا يَا وَيْلَنَا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ”.
والبعث هو النفخ في الروح مرة أخرى، ليقوم الناس من الموت، ويحاسبهم الله عز وجل عما فعلوه في الدنيا، وهناك الكثير من الناس والكافرون لا يؤمنوا بالبعث، وكل من لا يؤمن بالبعث كافراً لأن البعث جزء من الإيمان وجزء من معرفة أن قدرة الله عز وجل تفوق كل شيء وهو القادر على أحياء الناس وموتها وإحيائها مرة أخرى، إذ يقول الله تعالى في كتابه العزيز”فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ”[1].
أما عن النشور
، فالنشر في اللغة العربية ينعني البسط والانتشار، ويعني أيضاً التفرق فالله تعالى قال ف كتابه العزيز في سورة التكوير”وَإِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ” وقال في سورة المرسلات”وَالنَّاشِرَاتِ نَشْرًا”، وهنا بمعنى البسط، أما جاءت بمعنى الانتشار في سورة الفرقان آية 47 إذ يقول عز وجل”هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا”[2].
أما عن
كلمة النشور اصطلاح
، فهي تعني البعث وانتشار الناس من القبور إلى الحساب والجزاء، أي نشر الله للأموات وإحياؤهم من القبور وسريان
الحياة
في الأمور مرة أخرى، غذ يقول الله جل علاه في سورة عبس”ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ”، وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال أن الرسو صلى الله عليه وسلم كان إذا أراد أن ينام قال” اللهم باسمك أموت وأحيا، وإذا استيقظ يقول “الحمد لله الذي أحيا نفسي بعد أن أماتها وإليه النشور”،إذ أن البعث والنشور كلمتان مترادفتان معناهما قيام الناس من قبورهم[3].
أدلة عقلية على البعث والحساب
لا يوج أحد من البشر لم يسبق له وفكر في البعث والنشور، وفي مصيره بعد الموت، فمن الحقائق المؤكدة والتي لا يمكن إنكارها هي الموت، فلا يوجد إنسان على وجه الأرض ينكر الموت لأنه أمر مسلم به، ولكن يختلف الناس عن مصير الإنسان بعد الموت، هل سيذهب للعدم ويذوب في التراب ويأكله الدود وبعد ذلك لم يبقى له أثر؟، أمم سيبعث كما أوضحت الأديان السماوية المباركة، وكما أكد الدين الإسلامي الحنيف؟ هل هناك
حساب
وجنة ونار، أم كل من فعل شيء لم يحاسب عليه؟[6][7][8].
الفكرة العادلة والتي تنتشر في جميع النفوس البشرية وتوافق عليها الفطرة الإنسانية، هو أن هناك بعث ونشور، حتى تجازى كل نفس عما فعلت، حتى الحياة عادلة كثيراً فمن فعل منكراً يرد له ومن فعل خيراً يراه، فمن الذي وضع كل هذه الموازين؟وضعها الله الواحد القهار الحكم العدل، الذي سيجزي كل نفس عما فعلت في الدنيا.
الدليل العقلي الأول على وجود البعث
، هو أن الله تعالى خلق الإنسان من لا شيء، ومن أجزاء متفرقة من جسد
الرجل
والمرأة، ودب فيه الروح في مكان مغلق وجعله يتغذى ويكبر في مكان ضيق لا يقدر على ذلك الأمر سوى الله عز وجل، فمعجزة الخلق حدها يعجز العقل البشري على تخيلها ولكنها قدرة الله، فمن خلق المرة الأولى سيعيد الروح فيها ثانياً.
الدليل الثاني
أن الإنسان كل يوم ينام والنوم هو الميتة الصغرى، ويرى في نومه المزيد من الأحلام، وكثيراً من الناس حين يدخل في
النوم
العميق لا يشعر بأي شيء ويصعب استيقاظه ولكنه يستيقظ في الصباح، فالله تعالى هو من يحي الإنسان من ميته الصغرى، وهو النوم سيحيه بقدرته في الموت الأعظم.
الروح لا تموت الروح تقبض، وتصعد إلى السماء، والإنسان هو الروح لأن الله تعالى نفخ في الإنسان من روحه المقدسة، أما عن الجسد فيبلى ويبدل ويعيده الله بقدرته وعظمته مرة أخرى.
عند خلق الله الحياة، رسخ كل شيء وسخر كل شيء لحياة الإنسان، فالذي خلق الهواء بنسب معينة لتتناسب أن يستنشقه الإنسان ويحيا، وخلق
الطعام
ليتغذى وسخر له الحيوان والأرض بما عليها وجعل الزرع بنسب ليحفظ
البيئة
وخلق كل شيء بمقدار، ليس قادر على خلق عبد أو رد الروح فيه.
التدبر في الخلق ومعرفة أصوله وقراءة القرآن والإيمان بالله واستشعار رحمته ومعجزاته ومحبته للإنسان ورزقه له، كلها أدلة عقليه ونفسيه تشبع الروح وتطمئنها، فلولا البعث ما نام
المظلوم
أبداً مسالم، ولولا البعث ما خاف ظالم، ولولا البعث ما صبر مبتلي، فالبعث هو العدالة التي يجب أن تتحقق دائماً.
أدلة القرآن على وقوع البعث
لم يترك
القرآن الكريم
صغيرة ولا كبيرة إلا وضحها وناقشها، ومن أهم الأمور التي ناقها وأكدها القرآن الكريم هو البعث والنشور، حيث ذكر البعث والنشور كثيراً ووضح الله بشكل تفصيلي ما يحدث للإنسان وأكد بالأدلة منذ بداية الخلق وكيف خلق الإنسان كيف سيؤمر الله تعالى بقبض الروح ثم يبعث الناس مرة أخرى[4][5]:
- يقول الله تعالى في كتابه العزيز “وَكَانُوا يَقُولُونَ أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ (47) أَوَآبَاؤُنَا الْأَوَّلُونَ (48) قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ (49) لَمَجْمُوعُونَ إِلَىٰ مِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ”، دلالة على أن جميع الخلق سيبعثهم الله عز وجل مرة أخرى، كما يقول الله عز وجل
- إن الله تعالى خلق الليل والنهار والأنهار وبسط الأرض وسخر كل شيء للإنسان ووصف الله الخلق تفصيلاً، أليس الله بقادر على خلق الإنسان مرة أخرى، إذ يقول الله عز وجل”إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ”، ويقول في سورة الرحمن”الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ”.
- الله هو الخالق الأوحد، فهو وحه القادر على إعادة خلقه مرة أخرى، إذ يقول الحق عز وجل في سورة الطور أية 35″أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ، أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ”،
-
رد القرآن على منكري البعث
بقوة، فالله تعالى أوضح كل شيء لمن يتدبر وصفة الخلق لا لأحد سوى الله إذ يقول تبار وتعالى”قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلا ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ”، كما يقول في سورة الجاثية”وَقَالُوا مَا هِيَ إِلا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ”، ويقول أيضاً عز وجل”وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ”[9]. - البعث حق لا ريب فيه، ولا يكفر به إلا القوم الكافرون فالعقل والقلب والفطرة والدين القرآن والسنة يؤكدوا البعث، ولولا البعث لاختلت الموازين وتفشى الظلم والكفر والفساد في الأرض، ولكن البعث هو العدالة وما كفر به إلا الجهلاء والذين لا يتدبروا فيقول الله عز وجل”وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذَا كُنَّا تُرَابًا أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ”.
- يقول الله تبارك وتعالى في سورة الحج”يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ”، وهذا خير دليل على البعث مرة أخرى[10].