معنى العبادة في الهرج

ما معنى الهرج

إن المقصود بالهرج أي الاختلاط، ونقول هرج الناس يهرجون بالكسر، هرجا من الاختلاط أي اختلطوا، وإن أصل الهرج هو الكثرة في

المشي

والاتساع، ويعني الهرج أيضاً أي الفتنة في آخر الزمان، والهرج هو شدة القتل وكثرته، وقد تم ذكر كلمة هرج في الحديث الصحيح كالتالي: “بين يدي الساعة هرج”، والمقصود هنا أي القتال والاختلاط.

ما معنى الهرج والمرج في الحديث

إن

مَعْقِل بن يَسَار

رضي

الله

عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (

العِبَادة في الهَرْج كهجرة إليَّ

) رواه

مسلم

، وعند الإمام

أحمد

بلفظ: (

العمل في الهَرْج كهجرةٍ إليَّ

)، وعند الإمام

الطبراني

في المُعجم الكبير بلفظ: (

العبادة في الفتنة كهجرة إليَّ

)، ففي هذا الحديث الشريف يخبرنا رسولنا الكريم أن العبادة في زمن الهرج وزمن الفتنة والغفلة تعدل أجر وثواب

الهجرة

، حيث أن من أعلى الطاعات منزلة عند الله سبحانه وتعالى هي الهجرة، وإن ازدياد الفتن وانتشارها هذا ما يدل على اقتراب الساعة، وإن الدليل قد تجلى في السنة النبوية الشريفة في قول نبينا عليه

الصلاة

والسلام: “

إن بين يَدَيِ الساعةِ أيامًا، يُرفَعُ فيها العلمُ، وينزلُ فيها الجهلُ، ويَكثُرُ فيها الهَرْجُ

-والهَرْجُ القتلُ-” متفق عليه، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: “

يتقارب الزمان، ويُقْبَضُ العِلمُ، وتظهر الفتنُ، ويُلْقَى الشُّحُّ، ويَكثُرُ الهَرْجُ”

، قالوا: وما الهَرْجُ؟ قال: (

القتل

) متفق عليه.

وإن

معنى

الهرج في قوله عليه الصلاة والسلام: “العبادة في الهرج” أي وقت الفتن واختلاط الأمور، ونجد في قول المناوي في فيض القدير: “قوله صلى الله عليه وسلم: (

العبادة في الهَرْج

) أي: وقت الفتن واختلاط الأمور، (

كهجرة إلي

): في كثرة الثواب، أو يقال: المهاجر في الأول كان قليلاً؛ لعدم تمكُّن أكثر الناس من ذلك، فهكذا العابد في الهَرْج قليل. قال

ابن العربي

: وجْه تمثيله بالهجرة أن الزمن الأول كان الناس يفرِّون فيه من دار الكفر وأهله، إلى دار الإيمان وأهله، فإذا وقَعَت الفتن تعيَّن على المرء أن يفرَّ بدينِه من الفتنة إلى العبادة، ويَهْجُر أولئك القوم وتلك الحالة، وهو أحد أقسام الهجرة”.[1]

وإن تعريف كلمة مرج أي الفساد، و في الحديث الشريف: “كيف أنتم إذا مرج الدين”، أي فسد وقلقت أسبابه، ويتجلى أيضاً معنى المرج أي الخلط، وإن تعريف كلمة مرج في قاموس المعاني وقاموس معاجم اللغة :

  • مرج الأمر أي فسد والتبس واختلط واضطرب.
  • مرج العهد أي قل

    الوفاء

    به.
  • ويقال مرج الخاتم في الأصبع أي معناه جال.
  • وقد قيل أن المرج هي أرض ذات كلأ يتم فيها رعاية الدواب، وجمعها مروج.
  • ومعنى مريج أي التبس واختلط وفي التنزيل معناه فهم في أمر مريج، ويقول في ضلال.
  • ويقال يسكن المرج من أجل الهرج ازدواجاً للكلام، وإن المرج هو فتنة، ومعناه الفساد.[2]

ما المقصود بالعبادة في الهرج

وهنا سنبين شقين من العبادة في الهرج حيث أن هناك


فضل العبادة في وقت الغفلة


، وعند اشتداد الفتن لهذا سنتطرق إلى شرح بعض الأفكار تحت عنوان

العبادة وقت اشتداد الفتن وهي كالتالي

:

إن العبادة في واقعنا الحالي فيها مشقة بسبب انفراد المسلم بالعبادة وقت وجود ونشوب الفتن وتواليها، بالإضافة إلى الغفلة والمعاصي التي كانت منتشرة عند الناس، ويقل الرفيق الصالح الذي يساعد ويشجع صديقه على العبادة والطاعات، وإن رسولنا الكريم كما أسلفنا سابقاً قد قال: “العبادة في الهرج كهجرة إلي”، فالعبادة عند الهرج أي عند وجود الفتن واختلاط أمر الناس وانتشار الحروب، ففي هذه الحالة حالة اختلاط أمور الناس في حالة

الفوضى

والاضطراب والذعر تكون العبادة في هذه

البيئة

“كهجرة إلي”، وإن أمر الهجرة له أجر، فللمهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأهليهم وأموالهم وتركوا

الوطن

فكان لهم أجر، فهؤلاء لهم درجة من الأجر والثواب لا يصلها أي أحد من المسلمين.

فقد قال الله سبحانه وتعالى في سورة الحديد آية 10 : “لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَل”، وإن الهجرة بهذا الأجر العظيم لا تتجلى فقط من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام، وإنما هجرة إلى النبي عليه الصلاة والسلام، لهذا فقد قال كهجرة إلي، فإن عبادة الإنسان في الهرج لها أجر عظيم لأن هذا الإنسان يعيش في زمن يتخلله:

  • في زمن الفتن واختلاط الأمور.
  • الزمن الذي تكثر فيه الشهوات.
  • فيه خفاء كثير من الأحكام على الناس.
  • ففي

    الوقت

    الذي يسيطر فيه الاضطراب والجها يتمكن هذا المؤمن من معرفة الله وعبادته، حيث أن الناس في هذه البيئة ينشغلون عن العبادة، حيث أن عقولهم تغيب ويعيشون في غفلة، ولهذا فقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام في شهر شعبان: “ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ”.


أما الشق الثاني الذي سنتطرق إليه هو العبادة وقت الغفلة وانتشار المعاصي:

  • حيث أن نبينا عليه الصلاة والسلام أوضح بأن العبد إذا ترك العبادة في أوقات الغفلة غدا كعامة الناس أي من الغافلين، فقال رسولنا الكريم: “شهر يغفل الناس عنه”.
  • قال الحافظ ابن رجب الحنبلي- رحمه الله: «وفيه دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة، وأن ذلك

    محبوب

    لله عز وجل، كما كان طائفة من السلف يستحبون إحياء ما بين العشاءين بالصلاة، ويقولون هي

    ساعة

    غفلة، ولذلك فضل القيام في وسط الليل لشمول الغفلة لأكثر الناس فيه من الذكر، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن استطعت أن تكون ممن يذكر الله في تلك الساعة فكن»، ولهذا المعنى كان النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يُؤخر العشاء إلى نصف الليل، وإنما علل ترك ذلك لخشية المشقة على الناس، ولما خرج على أصحابه وهم ينتظرونه لصلاة العشاء، قال لهم: «ما ينتظرها أحد من أهل الأرض غيركم».
  • فالعبادة في زمن الغفلة تكون أشق على النفوس وتعتبر من أفضل الأعمال.[3]

ما هي شروط الهجرة في الإسلام

إن معنى الهجرة أي خروج المسلم من بلد الكفر والتوجه إلى بلد الإسلام، وإن هذه الهجرة واجبة، فقد قال الله عز وجل في كتابه العزيز في سورة

النساء

آية 97: “إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ” إلى قوله تعالى في سورة النساء آية 97: ” فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا”، فقد قال ابن كثير في هذه الآية بأنها هي آية عامة لكل إنسان تواجد بين ظهراني المشركين ولديه القدرة على أن يترك البلد ويهاجر إلى بلد المسلمين، أما قوله عليه الصلاة والسلام: “العبادة في الهرج كهجرة إلي”، فيدل هذا الحديث النبوي الشريف على أن فضل العبادة في زمن الفتن هي من أفضل الأمور، فهي تعادل في الأجر هجرة للنبي، كما كان المسلمون يهاجرون إليه في المدينة.[4]