سبب نزول أفلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ
نزول أفلا يتدبرون القرآن
إن الطبري قد فسر قوله تعالى: “أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا”، أنها قد نزلت على المنافقين الذين لم يتدبروا كلام
الله
ومواعظه التي يعظهم بها في
القرآن الكريم
الذي أنزله الله تعالى على النبي عليه
الصلاة
والسلام، وأن يتفكروا في حججه التي تم توضيحها لهم حتى يعلموا بما خطأ ما هم عليه مقيمون، ويقول تعالى: “أم على قلوب أقفالها”، أي أن الله سبحانه وتعالى أقفل على قلوب المنافقين فهم لا يعقلون ولا يتفكرون في ما آيات الله التي تخللت العبر والمواعظ والحكم.[3]
أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها تفسير ابن كثير
إن تفسير ابن كثير للآية الكريمة: “أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها”، يتجلى في أن الله تعالى أمر بتدبر القرآن وقد نهى عن الإعراض عنه، ويخبرهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب، لأنه تنزيل من رب حكيم حميد، وإن
القلوب
تكون مطبقة لا يخلص إليها شيء من معاني كلمات القرآن، قال ابن جرير : حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد قال : حدثنا حماد بن زيد ، حدثنا هشام بن عروة ، عن أبيه قال : تلا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يوما :
( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )
، فقال شاب من أهل اليمن : بل عليها أقفالها حتى يكون الله عز وجل يفتحها أو يفرجها، فما زال الشاب في نفس عمر – رضي الله عنه – حتى ولي، فاستعان به .[4]
تعريف سبب النزول
إن الصحابة قد اختلفوا في استعمال سبب النزول فيقولون نزلت هذه الآية في كذا أو قد وقعت هذه الحادثة فنزلت الآية بسببها، وإن العلماء قد اختلفوا في فهم مراد الصحابي بسبب اختلافهم في الاصطلاح حول
معنى
أسباب النزول، وكان هناك رأيان للعلماء في معنى سبب النزول وهما:
-
الرأي الأول هو رأي التوسيع وهو الذي يحمل على استخدام الواحدي لسبب النزول، فقد
ورد
فيه في أسباب النزول قصصاً وهي بعيدة عن زمان نزول الآية، وإن الآية ليست متعلقة بها إلا من حيث كون الحادث موضوعاً لها، مثل
قصة
أصحاب
الفيل
التي تم اعتبارها سبباً لنزول سورة الفيل، وإن هذا الاصطلاح لا يخلو من وجاهة لغوية. -
الرأي الثاني هو رأي التضييق وهو الرأي الذي يكون قريب للاصطلاحات الفنية، وإن معنى سبب النزول في رأي التضييق يتجلى في أقوال العلماء كالتالي:
- قال الزرقاوي أنه: “ما نزلت الآية أو الآيات متحدثة عنه مبينة لحكمه أيام وقوعه”.
- قال السيوطي أنه: “ما نزلت الآية أيام وقوعه”.
-
وورد في مناهل العرفان أنه: “حادث وقع في زمن النبي صلى الله عليه وسلم أو سؤال وجه إليه فنزلت الآية أو الآيات ببيان ما يتصل بتلك الحادثة وبجواب ذلك
السؤال
“. - وقال مناع القطان أنه: “ما نزل قرآن بشأنه وقت وقوعه كحادثة أو سؤال”.
ونجد أن كل ما تم ذكره هي معاني متقاربة، فهو قصر زماني وموضوعي للآية على سبب معين ويكون سبباً لنزول الآية، وإن المشتغلين بعلم التفسير قد أكدوا أن الأصل في القرآن بأنه هو هداية للناس ورحمة لهم، وإن أسباب النزول الخاصة وردت بِقِلة فيه، وإن المعنى اللغوي الذي ورد فيه هو أليق بالسبب من حيث أنه فقط سبباً، أما من جانب استخراج الأحكام وقصر الآية والسبب الذي نزلت فيه أو الاعتماد لمعناها، فهنا نجد أن المعنى الثاني أليق به، وإن هذا المعنى قد تأثر بالفقه العملي في هذا الجانب.[1]
ويقصد بمعنى أسباب النزول بأنه هو الوقائع والأحداث التي وقعت في حياة النبي عليه الصلاة والسلام، وقد نزل القرآن الكريم للتحدث عنها بالإضافة إلى بيان أحكامها، ومن الممكن أن ينزل هذا البيان أثناء وقوع الحادثة أو بعد وقوعها أو قبله، فالسبب يكون إما:
- حادثة وقعت تحتاج إلى بيان مثال قوله سبحانه وتعالى في سورة التوبة: “وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ”.
- أو فعلاً واقعاً يحتاج إلى معرفة حكمة، مثل قول الله سبحانه في سورة المجادلة: “قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ”.
- أو سؤالاً ينزل القرآن بجوابه، حيث أنه ما نزل من القرآن جواباً على الأسئلة المطروحة، وإن السؤال يكون من مسلم مثل أسئلة الصحابة التي كانوا يطرحونها على الرسول عليه الصلاة والسلام، مثل قوله تعالى في سورة البقرة: “وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ”، وقوله تعالى في سورة الأنفال: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ”.
فوائد معرفة أسباب النزول
إن معرفة العلم بأسباب النزول من أصول التفسير هو أمر هام فعلى كل مسلم معرفة هذا العلم، وقد قال الإمام الزركشي أن: “التفسير علم يُفهَم به كتاب الله المنزَّل على نبيه محمد، وبيان معانيه، واستخراج أحكامه وحِكَمه، واستمداد ذلك من علم اللغة، والنحو، والتصريف، وعلم البيان، وأصول الفقه، والقراءات، ويحتاج لمعرفة أسباب النزول، والناسخ والمنسوخ”؛ البرهان في علوم القرآن”، وإن فوائد معرفة أسباب النزول تتجلى في:
-
معرفة الحكمة من التشريع
حيث أن الله سبحانه وتعالى قد شرع الأحكام التشريعية التي بُنيت على الحكمة، فالله جل وعلا هو الحكيم في أقواله وأفعاله، وإن معرفة الحكمة هو نفع للمؤمن وغير المؤمن حيث أن المؤمن يزداد إيماناً، أما غير المؤمن فتسوقه هذه الحكم إلى الإيمان إن كان منصفاً. -
تخصيص الحكم بصورة السبب لا بعموم اللفظ
، مثلاً قول الله سبحانه في سورة النور: “وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ * وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ”، ومن الأمثلة قوله تعالى في سورة المجادلة: “قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا”، فقد ذكر المفسرون في هذه الآية الكريمة أنها نزلت في خولة بنت حكيم والتي جاءت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام تشتكي زوجها أوس بن الصامت، فالحكم الذي ورد في هذه الآية هو خاص بخولة وزوجها، وأما غيرهما فيعرف حكمه بالقياس أو بالحديث. -
معرفة أن سبب النزول لا يخرج عن حكم الآية إذا ورد مخصص له
، حيث أنه من الممكن أن يكون اللفظ عاماً، وإن الدليل يقوم على تخصيصه. -
فهم كلام الله على الوجه الصحيح
والقيام بإزالة كل ما يقوم بوجود الالتباس في فهم بعض الآيات. -
معرفة اسم من نزلت فيه الآية
بالإضافة إلى العمل على تعيين المبهم في هذه الآية حتى لا يتم الاشتباه. -
بيان أن القرآن نزل من عند الله سبحانه وتعالى
، حيث أن كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا تم سؤاله عن أمر ما في أمور الماضي أو
المستقبل
فكان ينتظر فترة ثم يجيب، وإذا وقعت حادثة ما فيأتيه بيانها وحكمها، وهذا ما يدل أن القرآن الكريم هو من الله عالم الغيب جل وعلا.[2]