أمثلة .. من ” ما لا يعذر أحد بجهله “

أوجه التفسير

إن حبر الأمة ابن عباس قد قسَّم التفسير إلى أربعة أوجه وهنا في هذا المقال سنتطرق إلى تفصيل كل وجه من هذه الأوجه، بالإضافة إلى بناء الحكم عليها وتتجلى في :

وجه ما تعرفه العرب من كلامها

إن هذا القسم من التفسير يشمل ألفاظ

القرآن الكريم

، بالإضافة إلى أنه يشمل أساليبه في الخطاب، ويكمن السبب لأنه نزل بلغتهم ويشبه طريقتهم في الكلام، وتكون هذه الألفاظ والأساليب معروفة عندهم وهي غير خفية أو مجهولة، وإن كان قد خفى على أحد من الأفراد يكون بسبب غرابتها على مسمعه، أو من الممكن أن يكون السبب لعدم اعتياده عليها ولم يسمعها في لغة قومه، فنجد أنه قد خفي بعض المعاني لبعض المفردات على ابن عباس مثل كلمة “فاطر”، ولهذا فإن في تفاسير السلف نجد أنهم قد فسروا تفسيراً لغوياً للكثير من الكلمات مثل الفلق والصمد والغاسق وغيرها من الكلمات.


حكمه:

إن حكم وجه ما تعرفه العرب من كلامها هو فرض من فروض الكفاية، حيث أنه على كل مسلم أن يعرف جميع المعاني اللغوية، بالإضافة إلى معرفة جُّل الأساليب الكلامية التي ترد في القرآن الكريم، وقد يتم الارتقاء بها إلى الواجب في حال توقف عمل الواجب على هذه المعرفة.

تفسير لا يعذر أحد بجهله

ويشمل هذا الأمر الفرائض والنهي عن المحارم، بالإضافة إلى شموله لأصول الأخلاق والعقائد، وقد قال

الله

تعالى في سورة آل عمران آية 97: “وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً”، وقد قال في

سورة البقرة

آية 183: “كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ”، فهنا لا يعذر أحد بجهل عند ورود مثل هذه الخطابات في القرآن الكريم، ويدخل أيضاً في هذا الوجه من أمر بالأمانة والصدق، بالإضافة إلى النهي عن الكذب.


حكمه:

وإن هذا الوجه يدخل ضمن الوجوب الذي يجب أن يتعلمه المسلم، ويتم هذا التعلم عن طريق التفسير.

تفسير يعلمه العلماء

ويعود إى اجتهادهم فيغلب عليه إطلاق التأويل، ويتم هذا الإطلاق عن طريق الاستنباط للأحكام، بالإضافة إلى بيان المجمل والعمل على تخصيص العموم، وإن كل لفظ يحتمل معنيين فصاعداً، ويتجلى في أنه لا يجوز لغير العلماء أن يجتهدوا بالإضافة إلى أنه  يعتمد على الدلائل والبراهين والشواهد، فهذا

الاجتهاد

لا يُبنى على الرأي فقط، ويتجلى هذا الوجه أيضاً بصرف اللفظ إلى ما يؤول إليه المفسرون، لأن المفسر يعتبر ناقل ومستنبط، وسمي بهذه الصفات لأنه يعمل على استنباط الأحكام بالإضافة إلى بيان المجمل وتخصيص العموم، حيث أن هذا الاجتهاد يعتمد على ظواهر القرآن، فعندما يختلف اللفظ أو يتعارض ظاهرين، يقوم المفسرون بحمل الظاهر على الأظهر، ثم يتم ترجيح أحد معنيي المشترك، وما يعود إلى قواعد “علم الأصول”.


حكمه:

وإن هذا الوجه من فروض الكفاية.

تفسير لا يعلمه إلا الله ومن ادعى علمه فقد كذب

ويشمل هذا الوجه حقائق المغيبات، بالإضافة إلى وقت وقوعها، فمثلاً نجد أن الدابة التي ستخرج في آخر الزمان لا أحد يعلم شكلها أو ماهيتها أو حتى حقيقتها إلى الله سبحانه وتعالى، حتى وقت خروجها كذلك، وهكذا تكون جميع الغيبيات فلا يعلمها إلا الله، مثل الآيات التي تذكر الساعة والروح بالإضافة إلى

الحروف

المقطعة، فلا مساغ للاجتهاد في أن يتم تفسيره ولا يوجد أي وسيلة إلى ذلك إلا عن طريق

التوقيف

وذكر ببرهان بنص من القرآن الكريم أو حديث من الأحاديث النبوية الشريفة، أو أن يكون هناك إجماع الأمة على تأويله.


حكمه:

وإن هذا الوجه غير واجب على أحد، وإن من عمل على تفسيره فقد وقع في الإثم والافتراء على الله، بالإضافة إلى أنه يكون قد ادعى علماً لا يعلمه إلا الله.[1]

مالا يعذر أحد بجهله مثل

إن هناك الكثير من الأمثلة قد وردت في القرآن الكريم والتي تحمل رسائل من الله سبحانه وتعالى للعبد المسلم وعليه أن يعمل بها، فقد وردت الأوامر من الله سبحانه وتعالى والنواهي التي تتعلق بالأخلاق، ومن أمثلة مالا يعذر أحد بجهله:

  • قوله تعالى في

    سورة محمد

    آية 19: “فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه” وهي تدخل بما يتعلق بالعقائد.
  • قوله تعالى في سورة

    الأنبياء

    آية 25: “وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ”.
  • فقال الله تعالى في سورة البقرة آية 110: “وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ”، ونحوها من الأوامر، فقد تم طلب إدخال ماهية المأمور به في الوجود، وإن صيغة الفعل “افعل” تعني الوجوب، فما كان من هذا القسم أن لا يدعي أحد الجهل بمعاني الألفاظ.[3][2]

من ضوابط التفسير

إن أهل العلم قد بينوا أن للتفسير عدة طرق

تتبع

حتى يتم فهم معاني الكلمات، وإن للتفسير ضوابط محددة تتجلى في:


  • ضوابط التفسير باللغة

    حيث أنه من الممكن أن تحمل الكلمة المراد تفسيرها عدة معاني في حالة عدم وجود تناقض أبداً فيما بينها، مثل كلمة “إلا” التي وردت في قوله تعالى: “لا يَرقُبونَ في مُؤمِنٍ إِلًّا وَلا ذِمَّةً وَأُولـئِكَ هُمُ المُعتَدونَ”، فقد تم تفسيرها بمعاني عديدة مثل القرابة والعهد، أما عندما تحمل الكلمة

    معنى

    واحد فهناك ضوابط يجب أن يتم مراعاتها في اختيار المعنى الوحيد لها وتتجلى في:

    • يجب أن تكون الكلمة المراد تفسيرها صحيحة ومعروفة في لغة العرب.
    • يجب أن يعتمد المعنى الشائع والمعروف في لغة العرب، ما عدا الكلمات التي تكون شاذة ولكنها قليلة.
    • يجب أن يتم مراعاة السياق واختيار المعنى الذي يتناسب معه.
    • يجب معرفة أسباب النزول لهذه الآية حتى يتم إيضاح المراد من الكلمة الواردة فيها.
    • يجب أن يتم تقديم المعنى الشرعي عن المعنى اللغوي في حالة وجود التنازع في اللفظ.

  • ضوابط التفسير بالرأي

    وتتجلى ضوابطه في:

    • عدم إساءة الفهم.
    • يجب تجنب التكلف.
    • الابتعاد عن الاستحسان بالإضافة إلى عدم موافقة الهوى.
    • الابتعاد عن الاحتيال في التأويل وجعله يوافق لمذهبه.
  • ضوابط التفسير المعاصرة وتتجلى هذه الضوابط في:

    • صحة القول الذي تم تفسيره به.
    • عدم إبطال قول السلف.
    • أن لا يتم الاقتصار على ما فسره المفسر في تفسير الآية.
    • التأكد من دلالة الآية على الحدث، ومعرفة بأي وجه من وجوه

      الدلالة

      تجلى معنى الآية: المطابقة أو لزوماً أو تضمناً.

أشهر الصحابة في مجال التفسير القرآن هو

إن من اشتهر بتفسير القرآن الكريم عدد من الخلفاء والصحابة، فقد قال السيوطي بأن هناك أربعة من الخلفاء اشتهروا بالتفسير وهم: أبا بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، إلا أن الرواية لم تتحدث كثيرا عن الخلفاء الثلاثة بسبب انشغالهم بالخلافة، ولكثرة العالمين بالتفسير، أما الذين اشتهروا من الصحابة في التفسير هم : عبد الله بن مسعود وعبد الله بن عباس.[4]