الفن الطليعي والمعاصر: التصور الاجتماعي لقيمة العمل الفني

الفن الطليعي

الطليعية أو ” الفن الطليعي” ظهر في بداية القرن الماضي، وكان تهدف في أساسها على انتقاد ورفض يتجاوز الزمن

التاريخ

ي في إنشاء فن جديد، قالت تيري إيجلتون “الفن مهدد بشكل قاتل من قبل مجتمع متحمس له فقط في صالة المزاد، والذي يزيل منطقه التجريدي

العالم

من جودته المعقولة”.

هذا الفن يعتبر رائد وثوري نموذجي للحداثة، ولهذا هو فن يظهر بشكل قريب من الأوقات التي تكون مضطربة، الفن الطليعي يتناقض مع الموضة والفن التقليدي الحالي والذي يسمى ب “فن ما بعد الحداثة”.

إذا نظر أحد النقاد الفنيين سوف يرى أن الانتقال من الفن الطليعي لفن ما بعد الحداثة حافظ على وجود الموقف المنشق، لكن دائمًا يكون هناك حالة تعم على الفن تمشيًا مع إدخاله هذا النوع من الفن لدائرة الطلب عليه والاستهلاك بشكل مستمر.

الفن المعاصر

الحقيقة المتداولة في الوسط الفني أن فن ما بعد الحداثة لا يسعى للتغلب على مشكلات المجتمع لا يعني أن الدافع الأصلي لظهوره أعراف النظام المجتمعي القائم، لأنه ينشأ بسبب وجود نقص مجتمعي ينوي الفنان لتسليط الضوء عليه من خلال فنه.

أسباب ظهور الفن المعاصر

فن ما بعد الحداثة فكره لا يتعلق بإنكار المجتمع ككل، بل يقوم بفتح كل الفجوات التي في المجتمع، كالاحتياجات الروحية أو المادية التي يرى الفنان أنه يجب عليه التعبير عنها في عمله الفني الجديد ومعالجتها.

ولكن إذا نظر أحد النقاد الفنيين إلى التاريخ الفني من أجل أجراء مقارنة محددة مع مدى تطور الدرجة الفنية الحالية، سوف يرى أن هناك ميل من الفن الطليعي لكى يصبح هناك قطع فنية متناغمة من قَبل الفنان للعالم ومصنوعة للفنان نفسه وينتقد فيها الفن نفسه.

الاتجاهات الفنية المعاصرة

على عكس ذلك فإن فن ما بعد الحداثة المعروف أنه ينقصه الالتزام الاجتماعي، فهو يُجرّد من وجود أي إرادة مثالية تتخطى النظام الثابت المتعارف للأشياء، لإنه يوفر دائما إبداع في لوحاته وقطعه الفنية فيه إسقاط مستمر على الأحداث الخارجية ولذلك يكون من المنطقي أن ينتشر ويكون مستهلك.

ذلك يفسر حقيقة أن كل الإبداع الفني الذي انتحل به وكالات الإعلان والمصممون الصناعيون لم يبقى في أيدي المبدعين كما أعتاد المجتمع، لأن الإنتاج الضخم للعمل الفني قد يبطل حالته الفنية نفسها.

لذلك كل عمل فني إذا كان كذلك لكى يتم اعتباره فنًا يجب أن يكون فريد من نوعه، على الرغم من أن الفن الطليعي كان جزءًا من “الثقافة الرفيعة” إلا أنه سبب للتميز، والفن المعاصر (الموضة) باعتباره ظاهرة ثانوية لـ “ثقافة جماهيرية” التي هي متجانسة بطبيعتها.

كذلك فقدان التجريد الذي ربما يطلبه الوسط الفني من خلال الفن الطليعي فأصبح نتاجًا للثقافة الجماهيرية، الأكثر دنيوية وعلمانية، لذلك انتقل الفن الطليعي من المعابد في إشارة إلى المتاحف أو المسارح إلى شاشة التلفزيون حيث أصبح كل إعلان تجاري يعتبر إبداع في حد ذاته.

كان الفن الطليعي بمثابة حركات فنية نموذجية لفترة معينة، لقول حقيقة أنه توجد الموضة في الفن كإشارة إلى العادات، فهي لا تقتصر على المجال الفني التي تحدد وقتًا أو مكانًا معينًا، لذلك يمكننا أن نؤكد أن الموضة في الفن لم تكن معاصرة للطليعة، ولكن قبل ذلك بكثير.

ومع ذلك يمكن قول أن كل ما يحدث الآن هو أن كل الفن في

الوقت

الحاضر هو الموضة في المجال الفني، يعني أن ما يحدث تحت تأثير ما بعد الحداثة يشير أن الاتجاهات لا تشبه نمط تطور الطليعات الفنية السابقة التي كان يوجد بها تطور تدريجي يتماشى مع الجانب الثوري اجتماعيًا وتقنيًا.

اليوم يمكن وجود اتجاهات من الموضة رجعية في العديد من المناسبات، أي إنها

تتبع

الماضي لاستعادة سماته فضلاً عن استكشاف

المستقبل

لتوقع صفاته، لذلك تخلق الموضة حاضرًا متقلبًا ومترددًا معروف بأن له تاريخ انتهاء للصلاحية.

على عكس الفن الطليعي الذي يزعُم أنه رأس الحربة في عملية اجتماعية سياسية بمعنى أنه كان فنًا موجهاً، فالفن الحالي يُخِيل له أن الفن الطليعي يتلاشى، لأنه حدث عن طريق خلق اتجاهات فنية مؤقتة فقط وقابلة للتلف ولكن كل ما تفعله هو أنه يُحقق الغرض من حُدوث ذروة في الاستهلاك.

بعبارة أخرى الأمر يشبه الدورة القصيرة للأزياء التي تتطلب مبيعات فورية وجماعية للاستخدام قصير المدى والمكثف، فهي كالفن الهابط سوف تصبح عاجلاً أم آجلاً  هزلية، وبأخذ الربح الاقتصادي من حيث الجوهر فإن الاتجاهات الفنية الحالية جزئية وليست أساسية ثابتة، لأنها تسعى إلى إيجاد منافذ في السوق لتحتلها لإعادة اختراع نفسها لاحقًا.

في ضوء ما سبق من الواضح أنه في حين أن الفن الطليعي هو فن الخاص بالأقليات التي تهدف لتصل للأغلبية، فإن الفن العصري الحديث هو فن الأغلبية التي تهدف إلى أن تصبح من الأقليات، ومع عدم وجود دوافع واضحة تبحث الموضة عن  وجود التأثيرات هنا وهناك.

هنا يولد تساؤل مهم كيف يمكن لفن ما بعد الحداثة أن يتعايش مع  المجتمع إذا كان يشكك في وجود حقيقته الموضوعية، وبالتالي يشكك الفن في إمكانية إحداث تغيير في المجتمع، إن فن ما بعد الحداثة يستنكر الحكم على العناصر الضرورية والنوعية لتعريف الواقع الاجتماعي.

ولكن أيضًا واقع العمل الفني تحت معايير تصنيف الجيد أو السيئ، الجميل أو القبيح، وكل ما يبقى كدليل، فالمبدأ هو  الكمية، فالمبدأ الذي بموجبه أن يكون الفن أفضل كلما زاد عدد الناس التي يصل له كلما زاد بيعه، هذا يجعل الفن تافهًا بشكل بارز.

اليوم يتحدد شكل أي قطع فنية تم تصميمها من جهة السوق الفني، هذه هي حالة الفن الجماهيري أو الشعبي الذي كان يُطالب به من بعض الجهات باعتباره مضادًا للفن.

إن الفن المعاصر يفضل تقديم نفسه للجمهور كواجهة لشيء ما أو حتى كتجربة في الأساس رمزية، تلك تمامًا ينتشر كما لا يبيع الإعلان قطعة الصابون نفسه بل الفكرة الجمالية ذاتها.

خاتمة عن الفن

على الرغم أن الفن يعتبر ذاتيًا ومفتوح لكل أنواع التفسير من الجمهور والنقاد إلا أنه يحتاج لاعتراف خارجي ربما يكون في حد ذاته متناقض، يمكن أيضًا اعتبار أنه توجد أعمال فنية حاليًا تتكون من مجموعة مختلفة من الأصوات والكلمات والصور الموجودة في مجالات مختلفة من

الحياة

اليومية.

في هذه الحالة سيكون العمل به كل شيء فالأداء حينها يكون هو العمل الذي يحاول المقاومة ويسعى ويحاول أن يدخل للدوائر التجارية التي  من خلالها تدور قيمة التبادل، يبدو أن الفن الطليعي قد مات مخنوقًا بسبب تأثير السوق السريع والحداثة، ودفنه أدى إلى وجود فن يولد من الأرض بشكل مباشر.

ربما لا يكون الهدف النهائي للفن أكثر من افتقاره إلى الغرض الواضح، ولهذا السبب باعتبار أن الفن نقد هادئ للعقلانية وقيم السوق التجاري، الفن يكتسب استقلالية القيمة كهدف وهو على العكس من المنفعة الرأسمالية التي تسعى للانتشار والبيع السريع.[1]