شرح قصيدة يا شاعري قل للألي هجروني

رسالة من لبنان إلى ابنائه المهاجرين

يُكتب أفضل شعر عندما نكون حقاً في خضم عواطفنا فهذا هو

الوقت

الذي يمكن فيه إطلاق العواطف على القلم ثم الورق كمنفذ ويمنحنا ذلك الوضوح ويمكّننا من المضي قدماً.

إن أفضل القصائد تلتقط تفاصيل موجزة مما يجعلها قوية بشكل لا يصدق في إيصال

رسالة

إلى القارئ وهذا ما فعله

ايليا أبو ماضي

في قصيدة “يا شاعري قل للألي هجروني” أو ما تعرف بقصيدة “شبح” حيث كان شديد

الانضباط

في اختيار الكلمات وعدد الكلمات لخلق لقطة دقيقة لما يشعر به وهذا المزيج من الإيجاز والتفاصيل منح أبناء لبنان وصولاً مفتوحاً إلى عقل الشاعر إيليا أبو ماضي ومكّن القارئ من التواصل حقاً معه.

تعد كتابة شعر الاعتراف على وجه التحديد والتي تمنح الكُتاب فرصة للاعتراف بشيء خاص أو صعب طريقة رائعة لتركيز العقل والتعبير عن المشاعر وإضفاء بعض الوضوح عن طريق كتابة المشاعر والأفكار بتنسيق شعري وغالباً ما تكون أفضل القصائد مكتوبة من

القلب

فالشعر بمثابة شريان حياة.

قصيدة شبح

بأبي خيال لاح لي متلفّفا

بعياءة من عهد فخر الدين

يمشي على مهل ويرسل طرفه

في حيرة المستوحش المحزون

من أنت يا شبحا كئيبا صامتا؟

قل لي فإنّك قد أثرت شجوني

أخيال خصم أتّقي نزواته؟

أم أنت ، يا هذا، خيال خدين؟

فأجابني مترفّقا متحبّبا

فسمعت صوت أب أبرّ حنون

يا شاعري قل للألى هجروني

أنا ما نسيتكم فلا تنسوني

ما بالكم طوّلتم حبل النوى

يا ليت هذا الحبل غير متين

قد طفتم الدنيا فهل شاهدتم

جبلا عليه مهابني وسكوني؟

أوردتم كمناهلي ؟ أنشقتم

كأزاهري في الحسن والتلوين؟

ولقد تظلّلتم بأشجار فهل

رفّت غصون فوقكم كغصوني؟

وسمعتم شتّى

الطيور

صوادحا

أسمعتم أشجى من الحسّون؟

هل أنبتت كالأرز غيري بقعة

في مجده وجلاله الميمون؟

أرأيتم في ما رأيتم فتنة

كالبدر حين يطلّ من صنّين؟

أو كالغزالة وهي تنقض تبرها

عند الغيب على ذرى حرمون؟

مرّت قرون وانطوت وكأنني

لمحاسني كوّنت منذ سنين

أبليتها وبقيت ، إلاّ أنّني

للشوق كاد غيابكم يبليني

لبنان! لا تعذل بنيك إذا هم

ركبوا إلى العلياء كلّ سفين

لم يهجروك ملالة لكنّهم

خلقوا لصيد اللؤلوّ المكنون

ورثوا اقتحام

البحر

عن فينقيا

أمّ الثقافة مصدر التمدين

لّما ولدتهم نسورا حلّقوا

لا يقنعون من العلى بالدون

والنسر لا يرضى

السجون

وإن تكن

ذهبا، فكيف محاسن من طين؟

ألأرض للحشرات تزحف فوقها

والجوّ البازي وللشاهين

فأجابني والدمع ملء جفونه

كم ذا تسلّيني ولا تسليني؟

أنا كالعرين اليوم غاب أسوده

وتفرّقوا عنه لكلّ عرين

ألأرمنّي على سفوحي والربى

يبني الحصون لنفسه بحصوني

وبنو يهوذا ينصبون خيامهم

في ظلّ أوديتي وفوق حزوني

وبنّي عنّي غافلون كأنّني

قد صرت في الأشياء غير ثمين

أنتم ديون لي على آميركا

ومن المروءة أن تردّ ديوني

أو ليس من سخر القضاء وهزته

أن يأخذ المثرى من المسكين؟

عودوا فإنّ المال لا يغنيكم

عنّي، ولا هو عنكم يغنيي

فشجيت مّما قاله لكنّني

لّما رأيتكم نسيت شجوني

لبنان فيكم ماثل إن كنتم

في مصر أو في الهند أو في

الصين

إن بنتم عنه فما زال الهوى

يدنيكم منه كما يدنيني

وحراككم لعلائه وسكونكم

وإلى ثراه حنينكم وحنيني

لو أمست الدنيا لغيري كلّها

ورباه لي ما كنت بالمغبون

أنا في حمالكم طائر مترنّم

بين الأقاح الغضّ والنسرين

أنتم بنو وطني وأنتم إخوني

وأنا امرؤ دين المحبّة ديني.

شرح قصيدة لبنان إيليا أبو ماضي

استطاع الشاعر إيليا أبو ماضي من خلال قصيدة “الشبح” أن يعبر عن عواطفه وأفكاره حيث ساهم بشكل فعال في بناء صلة بينه وبين الشخص الذي يكتب له القصائد بأسلوب حلو وجميل تاركاً وراءه هالة عاطفية جميلة تملأ المكان بالحب والجمال التي لا يستطيع أي شعور بديل أن يحدها.

تلك القصيدة يتحدث فيها الشاعر عن

الهجرة

وكيف أن هذا البلد أو

الوطن

يطلب منهم العودة وكأنه يعاتبهم ويقول لهم (يا شاعري قل للألي هجروني) أي يقصد بهم الجماعة الذين هاجروا لبنان ولكن البلد لم تنساهم لماذا أنتم نسيتوا الوطن؟

كل القصيدة عتاب للمهاجرين وذكر

النسيان

لكي يصل إلى مشاعر

الشباب

وعواطفهم ويقول إيليا أبو ماضي في قصيدته (ما بالكم طوّلتم حبل النوى) و”النوى” المقصود به البعد أو الفراق فأصبح حبل البعد والفراق طويل وشبه البعد بإنه حبل ويقول(يا ليت هذا الحبل غير متين) ويتمنى الشاعر أن يكون الحبل غير متين حتى ينقطع ويعودون مرة أخرى إلى الوطن فحبل النوى

كما يُظن فيه قوة وشدة وأنهم مكثوا فترة طويلة في الغربة وذكر هذا

الطول

والبعد وكأننا بيننا وبينهم مسافات كبيرة ذاك الحبل القوي وبدأ الشاعر إيليا أبو ماضي في معاتبة المهاجرين ويقول لهم هل أنتم وجدتم في المكان الذي ذهبتوا إليه ووجدتم الراحة على عكس الوطن؟

ويقول الشاعر (أوردتم كمناهلي ؟ أنشقتم كأزاهري في الحسن والتلوين؟) كأن الشاعر يقارن بين الأزهار وبين الطبيعة التي كانت موجودة في وطنهم وما ذهبوا إليه في ديار

المهجر

ويقول كأزاهري اي هل أستنشقتم أزهاراً مثل ازهار الوطن أو وجدتم أماكن مثل أماكن وطنكم ووجدتم طبيعة مثل الوطن وما كنتم أنتم تعيشون فيه

وقارنها في البيت (كأزاهري في الحسن والتلوين؟) بالحسن والتلوين في النضارة والجمال وفي الخضرة وفي الصفاء وكأن هذا البلد يقارن بين هذا الوطن الذي قد ذهبتم إليه وكأن ليس هناك مقارنة فهل طابت لكم الإقامة في الطبيعة التي قد ذهبتم إليها بجمالها وما يحدث فيها من خضرة وقارنتموها بما كان في الوطن فما كان في الوطن كان أفضل.

وقال إيليا أبو ماضي (ولقد تظلّلتم بأشجار فهل رفّت غصون فوقكم كغصوني؟) وأيضاً في الظلال هل رأى أحدٌ منكم ذلك وهل هناك

أشجار

وظلال وافر وطبيعة خضراء خاصة وأغصان كما كان في وطنكم الذي قد خرجتم منه وهاجرتوا إلى بلاد بعيدة فهناك مقارنة بين الحال الذي كنتم فيه وما أنتم عليه الآن فلماذا ذهبتو وهاجرتوا؟

وكذلك قال في ذلك البيت (وسمعتم شتّى الطيور صوادحاً أسمعتم أشجى من الحسّون؟) أي هل سمع أحد طيور تغرد أو هل رأي أحد طيور تلك التي نراها في لبنان الوطن؟ فقد ذكر الشاعر طائر الحسون لكي يذكرهم بوطنهم فهو من أجمل الطيور صوتاً وتغريداً وتشجيناً فصوتها عذب سواء كنتم تسمعونه وأنتم صغاراً.

وقال (لبنان! لا تعذل بنيك إذا هم) وكأنه يلوم الوطن بأن لا تلوم ابناؤها الذين خرجوا وكأن الشاعر يعتذر لهم فهم أرادوا أن يصلو إلى المجد وركبوا كل الطرق وكل سفينة فليس المقصود في ذلك البيت (ركبوا إلى العلياء كلّ سفين) السفينة أي بمعنى أي مركبة عامةً فهم (لم يهجروك ملالة لكنّهم خلقوا لصيد اللؤلوّ المكنون) أي بمعنى لم يملوا من الوطن لكنهم أرادوا أيضاً أن يبحثوا عن الفرص الكثيرة التي أرادوا البحث عنها والحديث عنها فهم دائماً يبحثون عن الشيء الجميل الذي يذهبون إليه.

فالطائر عادةً إذا سجنته ووضعته في قفص حتى لو كان هذا القفص من ذهب فإنه لا يستطيع البقاء وقد يموت بعد فترة من الحبس لإنه اعتاد على التحليق والطيران فكيف أن يكون هذا المكان من طين كما يقول إيليا أبو ماضي.

تحليل قصيدة شبح

يصور الشاعر إيليا أبو ماضي الفراق عن الوطن بالحبل ويتمنى أن ينقطع حتى يرجعوا ففي البيت الثامن شبه أبناء الوطن بالنسور التي تحلق في الفضاء ولا ترضى بالذل والتصوير في الأبيات جاء مناسب ومجسد للمعنى وتوسع الشاعر في القصيدة في وصف لبنان باستخدام أسلوب المقارنة والمعاتبة في الأبيات.

وأوضح الشاعر أيضاً من خلال الأبيات ارتباطه بوطنه وحنينه إليه وتلك من صفات شعراء المهجر فهم دائماً يتحدثون عن ارتباطهم بوطنهم.

قيم أبيات قصيدة شبح للشاعر إيليا أبو ماضي

مدرسة المهجر التي ظهرت في الأدب العربي الحديث فهي تميل إلى

الادب

القديم ومحاكاة الشعر القديم في ألفاظه وقوته وكذلك أوزانه فهم قاموا بتطوير أسلوب الشعر من التكلف إلى البساطة فجاءت الألفاظ رقيقة والمعاني واضحة وتميزت القصيدة بسهولة الألفاظ وتنسيق الكلمات مما أدى إلى وجود موسيقي ظاهرة وهذا مذهب شعراء المهجر.[1]