هل البكاء على الميت تعذيبًا له ؟ .. وأحكامها
هل الميت يشعر بمن يبكي حوله
إن من أكثر الأخبار المفجعة لنا هو سماع خبر وفاة أحدهم، سواء أكان من أقاربك أو جيرانك أو أحد معارفك المقربون، فإنها حقا فاجعة ليست بهيّنة على الإطلاق، عندما تعلم أنه قد رحل إلى الأبد وإنك لن تراه مرة أخرى، فالبعض مننا لا يستوعب ذلك الخبر، مما يجعله ينهار في
البكاء
تعبير
اً عن
الحزن
الدفين الموجود والنابع من داخل القلب.
وقد ذكر من قبل أن
الميت
يُعذب في قبره لأنه يشعر بمن حوله، ويعلم من يحزن على فراقه، وعلى الرغم من كل تلك الأقاويل إلا أنه ليس هناك أي نص شرعي صريح وواضح من الكتاب والسنة النبوية، يدل على أن الميت يكون على علم بحزن أهله عليه.
والجدير بالذكر أن الميت يشعر بمن يبكي عليه، جاء في الصحيحين وغيرهما أن النبي صَلَّى
الله
ُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ. وقد قال أهل العلم: إن هذا إذا كان الميت قد أوصاهم بالنياحة عليه، فإنه يعذب بسبب وصيته.
وبناءً على هذا الحديث وهو ” “إنَّ المَيَّتَ ليُعَذَّبُ ببكاءِ أهلِهِ عليهِ” فقد ذهب مجموعةٌ من العلماء المعاصرين
أمثال
ابن تيمية وابن
القيم
وابن باز، إلى أنَّ الميتَ يشعرُ بمنْ يبكيَ عليه، وإنَّه ليحزن على حزنهم ويشفق عليهم. [1]
إلَّا أنَّ السيدةَ عائشة -رضي الله عنها- قالت لابن عمر: “وهل إنما مرَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على قبرٍ فقال إن صاحبَ هذا القبرِ لَيعذَّبُ وإن أهلَه يبكونَ عليه ثم قرأت وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى، فبيَّنت له أنَّ هذا الميِّت لم يكن يُعَّذب لبكاء أهله بل كان يعذَّب بسبب ذنوبه وعمله، وأنَّه يعذَّب في ذات
الوقت
ِ الذي يبكيَ أهلَه عليه وكان ذلك ظن منها ليس أكثر. [1]
هل يعذب الميت بسبب بكاء أهله
بالطبع سوف تجد من لا يستطيع تحمُل صدمة معرفة خبر الوفاة، ويلجأون إلى البكاء، ولكن لقد ثبت عن الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، أنه قد قال “إن الميت يعذب في قبره بما يناح عليه، وفي اللفظ الآخر: أن الميت يعذب في قبره بنياحة أهله عليه.
والبكاء الذي قد ذُكر في الحديث الشريف، هو النياحة، والمقصود بالنياحة هنا هو البكاء بصوتٍ عالٍ ولفترة طويلة، أما عن ذلك البكاء بدمع العين فقط، فذلك لا بأس به، ولا حرج في ذلك منه.
ولعل الغرض الأساسي من ذلك الحديث هو أنه يجتهد الأنسان في توصية أهله بأن لا ينوحوا بعد مماته، وأن يُلح في ذلك الطلب منهم حتى لا يعذب في قبره بسببهم، ولم يُذكر أي شيء عن نوعية ذلك العذاب الذي يكون في القبر بسبب نواح أهله. [2]
هل يتحمل الميت عقوبة ذنب أهله
لقد اختلفت طريقة العلماء في تفسير الحديث الشريف وتوضيح عدم تعارضه مع الآية الكريمة، ومن هذه التفسيرات ما يلي :
أَوَّلهَا : تفسير الْبُخَارِيّ
جاء تفسير البخاري في أنه يعذب بذلك إذا كان من سنته وطريقته وقد أقرّ عليه أهله في حياته فيعذب لذلك، وإن لم ذلك يكن من طريقته ولا أسلوبه أي أنه غير مقتنع به فإنه لا يعذب لذلك قال:
” بَاب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ النَّوْحُ مِنْ سُنَّتِهِ (أي من طريقته وعادته) “
ثانيا تفسير الحافظ :
جاء في معناه أن من يعذب بسبب ذلك من كان في طريثته واسلوبه النواح على الميت، ومن ثم كان راضياً عن ما يحدث
ثالثاً تفسير النووي
لقد فسر النووي الحديث الشريف على أن من يعاقب بذلك هو فقط من وصى أهله بأن يبكى ويناح عليه من بعد وفاته تعبيراً عن حزنهم عليه، أما من بكى عليه من بدون وصية فلا يعذب بسببه لِقَوْلِ اللَّه تَعَالَى : ( وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ) .
حيث قد كان من عادة الميت في ذلك الوقت هو الوصية بأن يناح عليه من بعد مماته، لذلك قد خرج ذلك الحديث تفسيراً على ما يحدث.
وقد جاء في
معنى
التعذيب هو توبيخ الملائكة له بما يفعله أهله به، ) عن أَسِيدُ بْنُ أَبِي أَسِيدٍ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمَيِّتُ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ الْحَيِّ ، إِذَا قَالُوا : وَا عَضُدَاهُ ، وَا كَاسِيَاهُ ، وَا نَاصِرَاهُ ، وَا جَبَلَاهُ ، وَنَحْوَ هَذَا ، يُتَعْتَعُ –أي يقلق ويزعج ويجر بشدة- وَيُقَالُ : أَنْتَ كَذَلِكَ ؟ أَنْتَ كَذَلِكَ ؟ ) [3]
ما هي أحكام البكاء على الميت بعد وفاته
البكاء الممنوع في الاحاديث وفي السنة النبوية هو النياحة، أو رفع الصوت عالياً عند البكاء وما قد يلاحقه من من بعض عادات الجاهلية ومنها شق الثياب ولطم الوجه، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم أن هذا ممنوع ” ليس منا من لطم الخدود، أو شق الجيوب، أو دعا بدعوى الجاهلية ويقول ﷺ: أنا بريء من الصالقة والحالقة والشاقة.”
- الصالقة هنا بمعنى التي ترفع صوته عند حدوث مصيبة
- الشاقة هي التي تشق ثوبها عند المصيبة
- الحالقة: تحلق شعرها عند المصيبة أو تنتفه
وذلك ما جاء في حكم البكاء على الميت، أما بالنسبة لدموع للعين والبكاء الطبيعي العادي فهذا لا بأس به، حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لما مات ابنه إبراهيم
العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون، ويقول صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يعذب بدمع العين ولا بحزن القلب، وإنما يعذب بهذا أو يرحم، وأشار إلى لسانه عليه
الصلاة
والسلام.
فالمحرم هنا هو رفع الصوت باللسان وهو النياحة، أما البكاء العادي من دون رفع الصوت فلا بأس به. [3]
هل يتعارض البكاء على الميّت مع الصّبر والرّضى
بالطبع لا يتعارض البكاء على الميت مع وجود
الصبر
والرضا، فقد بكى النبي صلى الله عليه وسلم على وفاة إبنه إبراهيم، وذلك بالطبع يعتبر دليل على جواز البكاء والحزن على الوفاة.
وقد تختلف طريقة تعبير كلا منا في التعبير عن الحزن، ولكن هناك أموراً لا بد وأن نقف عندها ولا نحدثها وهي النواح واللطم فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن يَتَصَبَّرْ يُصَبِّرْهُ اللَّهُ، وما أُعْطِيَ أحَدٌ عَطَاءً خَيْرًا وأَوْسَعَ مِنَ الصَّبْرِ)
ولقد وجب الصّبر عند وقوع المصيبة، فقد قال الله -تعالى-: (إِنَّمَا يُوَفَّى) وخير ما يقال في هذه الحالات هو “قدّر الله وما شاء فعل، والحمد لله على كل حال”، كما كان يفعل النّبي -صلى الله عليه وسلم. [4]