شرح حديث الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمان لابن عثيمين
معنى حديث الطهور شطر الإيمان لابن عثيمين
إن حديث الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان هو من الأربعين النووية وإن نص الحديث الشريف هو، وعن أبي مالك الحارث بن عاصم الأشعري رضي ( الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان وسبحانه
الله
والحمد لله تملآن – أو تملأ – ما بين السماوات والأرض والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقرآن حجة لك أو عليك كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها ) رواه مسلم
، وقد شرح العلَّامة ابن عثيمين هذا الحديث الشريف كالتالي:
-
إن قول رسولنا الكريم عليه
الصلاة
والسلام الطهور شطر الإيمان المقصود بأنه نصفه أي نصف الإيمان أو جزأه، وإن الإيمان هو تخلية وتحلية وتتجلى التخلية بالطهور أم التحلية فتكون بفعل الطاعات، فإن الطهور هو شطر الإيمان أي هو الإيمان إما فعل أو ترك، وإن الترك تطهُّر أما الفعل فهو إيجاد، وأيضاً معناه بأنه التخلي والابتعاد عن الإشراك لأن الشرك بالله سبحانه وتعالى هي نجاسة، لهذا فقط كان الطهور هو شطر الإيمان، وقيل أيضاً بأن الطهور للصلاة هو شطر الإيمان لأن الصلاة لا تتم إلا بطهور، ولكن المعنى الأول هو الأحسن والأعم. -
وقوله: “والحمد لله تملأ الميزان” المقصود به الحمد لله الذي يمتلئ الميزان بها وإن الميزان هو الذي يتم وزن الأعمال به، وقال الله سبحانه وتعالى: ”
وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ”.
-
وقوله: “
وَسُبْحَانَ اللهِ، وَالحَمدُ للهِ تَمْلآنِ – أو تَمْلأُ
–
“، وقد جاءت أو هنا بسبب شك الراوي فهل قال تملآن ما بين السماء والأرض أو تملأ، ونجد بأن المعنى لا يختلف بتاتاً هنا ولكن بسبب حرص الرواة على تحري الألفاظ. -
وقوله: “سبحان الله والحمد لله”، فهنا فيها الإثبات والنفي، فقد تجلى النفي في “سبحان الله”، وهو تنزيهاً لله سبحانه وتعالى عن كل ما لا يليق به، فإثبات الكمال يتم أخذها من الحمد لأن الحمد يكون على صفات الكمال، فالله سبحانه وتعالى يُحمد عل ىكماله وعلى إفضاله، وإن سبحان الله هي مصدر سبَّح وهنا بمعنى التسبيح، ومعناها هو تنزيه الله عز وجل عما لا يليق به من سمات المحدثين أو من صفات النقص، أما الحمد فيكون على كماله وعلى نعمه ولهذا هناك فرق ما بين الحمد والشكر، حيث أن الشكر يكون مقابل النعم بعكس الحمد، وقد قالوا إن بين الشكر والحمد عموم وخصوص حيث أن الشكر يتصل باللسان والجوارح بالإضافة إلى
القلب
، بينما الحمد يكون باللسان والأفعال. - وقوله: “تملآن أو تملأ ما بين السماء والأرض”، أي أنها تملأ ما بين السماء والأرض في كل المناطق وإن المسافة بينهما لا يعلمها إلا الله عز وجل.
-
وقوله: “الصلاة نور” أي صلاة الفرض وصلاة النافلة هي نور، فهي نور في القلب والوجه والقبر وأيضاً نور في الحشر، فإن في الصلاة الحقيقة التي يتم فيها استحضار القلب والجوارح يشعر المسلم بأن قلبه استنار وتلذذ بحلاوة الخشوع، ولهذا قال رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام: “
جُعِلَتْ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاةِ
“. -
وقوله: “الصدقة” أي هي المال الذي يخرجه المسلم للمحتاج والهدف من
الصدقة
هو التقرب من الله سبحانه وتعالى. -
وقوله: “برهان” أي دليل على صدق
إيمان
المسلم الذي يتصدق، حيث أن المال هو قريب للنفس ومحبوب وإن المحبوب لا يُبذل إلا في طلب من هو أحب، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على صدق وإيمان المتصدق ولهذا سمي نبينا عليه الصلاة والسلام بأن الصدقة برهان. -
وقوله: ”
الصبر
ضياء” أي يجب أن يحبس المسلم نفسه عما يجب الصبر عنه وعليه، وإن الصبر ضياء لأن الضياء فيه حرارة، وهنا نجد أن رسولنا الكريم لم يقل نور بل قال ضياء، لأن الصبر فيه حرارة مرارة وهو شاق على المسلم ولهذا جُعلت الصلاة نور أما الصبر فهو ضياء، وإن الصبر له ثلاثة أنوع :- النوع الأول هو الصبر عن معصية الله وهو حبس النفس عن فعل المحرمات حتى مع وجود السبب، كالرجل الذي حدثته نفسه أن يزني ولكن نفسه قد منعته فهنا نقول بأنه هذا صبر عن معصية الله تعالى.
- النوع الثاني الصبر على طاعة الله.
- النوع الثالث هو الصبر على أقدار الله.
-
وقوله: “القرآن حجة لك أو عليك” حيث أن
القرآن الكريم
هو حبل الله المتين بالإضافة إلى أنه حجة الله على خلقه، فإما أن يكون لك أو عليك، ولكي يكون القرآن الكريم حجة لك لا عليك يجب أن تقوم بواجب القرآن الكريم وتصدق ما فيه وتمتثل للأوامر وتجتنب ما نهى عنه، وعليك أيضاً أن تعظم القرآن الكريم وتحترمه. -
وقوله: “كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها” والمقصود بأن الناس جميعهم يبدؤون يومهم بالغدوة والعمل أما الليل فقد جعله الله سكناً فقال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ ﴾، فالمسلم عندما يغدو يتوضأ ويتطهر فإن الطهور شطر الإيمان ثم يذهب ليصلي، ويبدأ يومه بعبادة الله عز وجل، فالمؤمن يبدأ بالطهارة والصلاة والنقاء وبتوطيد صلته مع ربه، فالمسلم هو الذي يغدو في الحقيقة وهو بائع نفسه ولكنه باعها بيعاً يعتقها فيه، ولهذا قال: “فبائع نفسه فمعتقها”، أما “أو موبقها” فيتجلى معناها بأنه بائع نفسه فموبقها، وإن
معنى
موبقها أي أهلكها، فالكافر هو ال ذي يغدو إلى العمل الذي يؤدي إلى هلاكه.[1][2]
المعنى العام لحديث الطهور شطر الإيمان
إن قول رسولنا الكريم في الطهور شطر الإيمان أي التطهر من الجنابة، وإن التطهر يتم بالوضوء، وإن قوله “والحمد لله تملأ الميزان، وسبحان الله والحمد لله تملآن ما بين السماء والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان، والصبر ضياء” أي أنه المؤمن يتحرى الصبر لأنه سينير له قلبه فهو ضياء، والصوم جنة، لهذا يجب على المسلم أن يجتهد في الصبر فهو نور لك يوم القيامة، وأن القرآن يكون حجة لك ويكون ذلك بالعمل به وبإطاعة الله والاستقامة، وإن”كل الناس يغدو” أي في هذه الدار الدنيا يغدو ويروح فإما يكون على الله وإما على الشيطان، فإما على الله فيعتقها أو أن تكون على الشيطان فيهلكها ويوبقها.[3]
حديث الطهور شطر الإيمان بالتشكيل
إن حديث الطهور شطر الإيمان هو من الأربعين النووية وقد رواه مسلم، وإن البعض يستصعب قراءة الأحاديث النبوية الشريفة عندما تكون خالية من التشكيل وذلك بسبب بلاغة اللغة العربية وجمالها ولهذا سنتطرق إلى حديث الطهور شطر الإيمان بالتشكيل حتى يسهل قراءته وتوضح معانيه:
عَنْ أَبِي مَالِكٍ الحَارِثِ بنِ عَاصِم الأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ
ﷺ
: (الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيْمَانِ، والحَمْدُ للهِ تَمْلأُ الميزانَ، وسُبْحَانَ اللهِ والحَمْدُ للهِ تَمْلآنِ – أَو تَمْلأُ – مَا بَيْنَ السَّمَاءِ والأَرْضِ، وَالصَّلاةُ نُورٌ، والصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ، وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ، وَالقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَو عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَو مُوبِقُهَا) .
لماذا كان الطهور شطر الإيمان
إن الله سبحانه وتعالى قد اصطفى سيدنا محمد بن عبد الله ليكون خاتم
الأنبياء
والرسل فقد أُنزل إليه القرآن الكريم عن طريق الوحي جبريل لإخراج الناس من الضلالة والشرك لتوحيد وعبادة الله، حيث أن
الإسلام
مبني على خمس وهي الشهادتان والصلاة والزكاة والصوم وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً، وقد كان الطهور شطر الإيمان لأنه يعتبر نصف الصلاة والصلاة هي من ركن من أركان الإسلام حيث أن الصلاة لا تجوز إلا بطهر ووضوء ولهذا اعتبر هو شطر الإيمان أي نصفه لما يدل على أهميته والتأكيد عليه.