تفسير حديث المؤمن القوي .. وصفات المؤمن القوي

شرح حديث المؤمن القوي

عَنْ أبي هُريرةَ – رضْيَ

الله

ُ عنه – قالَ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى اللهِ مِنَ المؤمنِ الضَّعيفِ وفي كلٍّ خيرٌ. احْرِصْ على ما يَنفعُكَ، واسْتَعنْ باللهِ ولا تَعجزْ. وإنَّ أصابك شيءٌ فلا تقلْ: لو أنِّي فعلتُ كان كذا وكذا، ولكن قُلْ: قدَرُ اللهِ وما شاءَ فَعَل، فإنَّ (لَوْ) تَفتحُ عملَ الشَّيطانِ». رواه مسلم، وقد قال العلَّامةُ ابنُ عثيمين –

رحمه الله

-: قال

المؤلف

– رحمه الله تعالى – فيما نقله عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «المؤمنُ القويُّ خيرٌ وأحبُّ إلى الله من المؤمنِ الضَّعيفِ» و سنشرح في هذا المقال هذا الحديث النبوي ويكون كالتالي:

  • المؤمن القوي أي الإيمان وليس المقصود هنا بالقوة البدنية حيث أن قوة البدن أحياناً ما تكون ضرراً على الإنسان خاصة إذا تم استعمالها في معصية الله، فإن قوة البدن ليست محمودة وليست مذمومة في

    الوقت

    ذاته حيث أنها إذا تم استخدامها في مرضاة الله وبما ينفعه في الدنيا والآخرة غدت صفة محمودة أما إذا كانت لمعصية الله فهي صارت مذمومة.
  • ولكن قول رسولنا الكريم  ” القوة “تعني الإيمان.
  • وقوله “خير” أي خير من المؤمن الضعيف وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم :  ” وفي كل خير “، أي المؤمن القوي والمؤمن الضعيف كل يوجد منهما فيه خير وقد قال رسولنا الكريم وفي كل خير حتى لا يُعتقد أن المؤمن الضعيف لا خير فيه، فهو خير من الكافر بلا شك.
  • ثم قال عليه

    الصلاة

    والسلام: «احرصْ على ما ينفعُك» فهذه هي وصية رسولنا الكريم لأمته وهي وصية جامعة مانعة يعني أجتهد في تحصيله ومباشرته وتكون عكس الذي ينفع الذي يكون فيه ضرر أو ما لا ينفع فيه ولا ضرر، حيث أن الأفعال تنقسم إلى: قسم ينفع الإنسان وقسم يضر به والقسم الأخير لا ينفع ولا يضر، والمقصود هنا أنه إذا تعارضت منفعتان إحداهما على الأخرى فيجب أن نقدم المنفعة العليا لأنها تدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: “واحرص على ما ينفعك”.[1]
  • وقوله ” استعن بالله “أي لا تلتفت إلى حولك وقوتك فتغتر بنفسك وتقول عندي قوة وذكاء ومهارات بل استعن بالله واشكره على نعمه.
  • أما قوله “لا تعجز” أي الإنسان يقوم كثيراً بالتخطيط ويضع التصورات ولكن عندما يحين وقت التنفيذ خارت قواه ولم يطبق ما خطط له لهذا وصانا رسولنا الكريم أن نبتعد عن الكسل وأن نكون خوار العزائم وخاصة في الأعمال التي ننتفع بها وينتفع بها غيرنا.
  • وقوله “وإن أصابك شيء” أي إن خسرت ولم تنجح، فقال رسولنا الكريم

    فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإنّ لو تفتح عمل الشيطان

    ، رواه مسلم، فالإنسان يجب عليه أن يبذل ما يستطيع مما أُمر ببذله ولكن إذا أخلفت الأمور فبهذه الحالة عليه أن يفوض أمره لله جل وعلا لأنه فعل ما يقدر عليه.[2]

صفات المؤمن القوي

إن للمؤمن القوي علامات وميزات يتميز بها عن غيره وتدل على قوته ورباطة جأشه ومن هذه الصفات:

  • فهو يقوم بالاجتهاد في عباداته والسعي إلى كسب الأجر والثواب من الله سبحانه وتعالى، فالمؤمن القوي يحرص على قيام الليل والفرائض على وقتها وصلوات التهجد لعلمه مدى الثواب العظيم الذي سيجنيه من اتباع هذه العبادات، حيث أن يكون جهده البدني مسخر لمرضاة الله ويحاول أن يبتعد كل البعد عن متاع الدنيا وشهواتها، وإن خير مثال عن المؤمن القوي هم

    الأنبياء

    والصحابة الذين كانوا يحرصون دائماً لقيام الليل متبعين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذي كان يداوم على قيام الليل وقد تفطرت قدماه حتى يكتب عند الله عبداً شكوراً.
  • يجاهد في نفسه وماله في سبيل الله.
  • يكون محباً لله سبحانه وتعالى ولرسوله الكريم ويتم ذلك باتباع ما أمر الله ورسوله واجتناب ما نُهي عنه، فهو يأخذ

    القرآن الكريم

    مرجعاً له في كل جوانب حياته بالإضافة إلى أنه يتبع سنة رسولنا الكريم كاملة.
  • وإن المؤمن القوي هو من يتغلب على النفس الأمارة بالسوء ويبتعد كل البعد عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
  • يتقرب من الله بالخيرات حيث أنه يسعى إلى الخير دائماً لكسب الأجر والثواب فهو يساعد الآخرين ويعمل على فك كرب المحتاجين وينصف المظلوم.
  • يقبل قضاء الله دون اعتراض حيث أن الله سبحانه وتعالى يمتحن درجة

    إيمان

    المسلمين من خلال الشدائد والمحن التي تواجههم في الدنيا وإن المؤمن القوي الحق هو الذي يصبر على قدر الله ويقبل بقضائه، لأنه يعلم أن

    الفرج

    يأتي من الله وسيناله قريباً.
  • الحمية في دفاعه عن الدين ضد كل إنسان يتعرض له بسوء فالمؤمن القوي يغضب لدينه خاصة إذا رأى انتهاك في حرمات الله، فيسعى لنصرة دينه عملاً وقولاً ليوضح عظمة هذا الدين بكل قوة وجرأة.
  • يتمتع المؤمن القوي بالبصيرة والفطنة والكياسة فتكون بصيرته نافذة لديه القدرة على

    التمييز

    ما بين الرجال ولا يكون هدف سهل للخداع، بالإضافة إلى أنه يكون متقد الذهن حاضر البديهة لا تغيب عنه المواقف التي تستدعي ذلك، فبفطنته لا يستطيع أن يخدعه أحد من المخادعين ولا أن يتملقه أحد من المتشدقين، وكان الصحابة رضي الله عليهم جميعاً يتميزوا بهذه الصفات وقد قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “لست بالخب ولا الخب يخدعني”، وهذا يدل على وعيه ويقظته وفطنته وحضور فكره وإدراكه خاصة في تعامله مع الناس مهما اختلفت أصنافهم.[3]

الفرق بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف

إن الله يحب جميع عباده وخاصة الذين يجاهدوا ويسعوا للوصول إلى المراتب العالية في

الجنة

ومرتبة الصالحين حيث أن المسلم يتقرب من الله سبحانه وتعالى بأعمال الخير بالإضافة إلى إقامة الصلاة وهنا سنتطرق إلى الفروقات ما بين المؤمن الضعيف والمؤمن القوي وتتجلى في:

  • إن أهل العلم والدين قد بينوا أن الفرق ما بين المؤمن القوي والمؤمن الضعيف يتجلى في قوة الإيمان وضعفه، فالمسلمون يعتنقون الدين الإسلامي ولكن تختلف درجة إيمانهم في القلوب.
  • إن قوة الإيمان في قلب المؤمن القوي تقاس عن طريق خوفه من الله ومن غضبه بارتكاب المعاصي فهو يبتعد كل البعد عن الأمور التي نهى عنها الله سبحانه وتعالى وعن مغريات الدنيا المحرمة ويتوجه إلى مرضاة الله بقلبه وعقله ويكون متضرعاً له آناء الليل وأطراف النهار حتى يصل إلى مرتبة العباد الصالحين.
  • أما المؤمن الضعيف فيكون إيمانه في قلبه ضعيف فتجده مقصر في صلاته وفي حق الله تعالى عليه، بالإضافة إلى أنه لا يخشى الله ولا يبتعد عن ما نهى عنه بل يسعى وراء مغريات الدنيا التي ممكن أن تكون من المحرمات وفي هذه الحالة يكون هذا المسلم قد انحرف عن المعتقدات الإسلامية.

لماذا يحب الله المؤمن القوي

بناء على الحديث النبوي الشريف الذي بين أن المؤمن القوي أحب إلى الله من المؤمن الضعيف نجد أن الله يحب المومن القوي للأسباب التالية:

  • لأن المؤمن القوي يكون متمسكاً بدينه وإن قلبه متعلق بالله سبحانه وتعالى فيكون من العباد الصالحين لله ويسعى جاهداً للمواظبة على تأدية العبادات، حيث أن المؤمن القوي يكون أكثر نفعاً من غيره للإسلام وللأمة الإسلامية.
  • المؤمن القوي يتقرب من الله سبحانه وتعالى بجل الطرق فهو يؤدي النوافل والعبادات وقراءة القرآن بالإضافة إلى أنه يسعى إلى مساعدة الناس والابتعاد عن كل ما ينهى الله عنه والعمل بما أمر به في كل مجالات حياته، فيكون الهدف القائم في نصب عينيه هو مرضاة الله.
  • وإن أهل الدين قد فسروا أن المؤمن القوي هو الذي يقاس بقوة إيمانه وليس المقصود هنا بالقوة الجسدية والبدنية، فيغدو قوياً عن طريق اتباعه للسنة الشريفة والتمسك بالعقيدة الإسلامية.