خصائص السنن الإلهية وانواعها

مفهوم السنن الكونية


  • المعنى اللغوي لـ(السُّنَن):

جمع سُنَّة سُّنَن، وهي مشتقة من كلمة جذر (س ن ن)، ومعاني هذا الجذر يدور حول مفردات ومعاني مختلفة مثل: الاستمرارية والانتظام والتحديد والتتابع .

اشتقَّ منه: السُّنَّة، وهي السّيرة. وسُنَّة رسول الله



: هي سِيرته، و”السُّنَن في اللغة تشير إلى: الطرق أو الطرائق الواضحة المحددة التي لها نسق واحد أو متشابه متتابع أو مُتَّبَع.


  • التعريف العام للسنن الإلهية:

بأنها هي: “قوانين ونظم لله المطردة بخلقه، فتخضع لها حركة الخلق الإرادية اللاإرادية، ووفق ميزانها يعاملون في الدنيا والدار الأخرة”.[1]



سنن الله في الكون



فيزياء سُنن الله في الكون

هي القوانين التي تحكم الكون كله، وحياة كل الناس بمشيئة الله، وتحدث

السنن الكونية

بثبات واطّراد وعموم بحياة كل البشر، الله له في كل شئ في الأفراد وفي الأمم وفي الحياة وأوسع من ذلك.

السنن الإلهية لا تتبدّل أو تتأخّر، وتحدث في حياة الفرد في وقت واحد في كل جوانب حياته وكل لحظاته وفي سلوكه وتصرفاته، وينتج عن هذه السنن نتائج تترتّب في الكون سواء في حدوث حدث ما أو عكسه مثل القوة أو الضعف، النصر أوالهزيمة، العزّة أو الذلّ، ما إلى ذلك، وقال الله عن هذه السنن في القرآن الكريم:

(فلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا)

[فاطر:43].


خصائص سنن الله في الكون




  • خاصيّة الثبات:

ويقصد أن السنن الإلهية غير قابلة التبدّل أو التغيّر، فالله وضع تلك السنن وجعلها قوانين صارمة، لأن على أساسها يسير الكون كلّه وحياة كل الناس، والسنن الإلهية تتحكّم في حياة الحضارات.

فالسنن الإلهية في الحضارات توضح عوامل نهضة الأمم ومجتمعاتها، والعوامل التي تسببت في سقوط كلٍ منها، فالحياة ليست عبثية بدون ضوابط ومعايير تحكمها.


  • خاصية العموم:

السنن الإلهية مُعممة على كلّ البشر وعل كلّ الخلائق، دون تمييز، فلا يملك أي إنسان الاختيار الخروج عنها، قال الله موضحاً في القرآن:

(لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا)

[النساء:123].

وبالتالي فأي سُنّة من سنن الله في الكون تطبق على جميع الأمم والأفراد، وعلى سبيل المثال: سنّة النصر لها معايير وضوابط تطبق على من راعى تلك المعايير ولا تجامل أحداً، وتُطبق على الجميع في نفس ذات المستوى.

وإذا جلس إنسان عاقل يتدبر في سيرة الرسول



وقصص وعِبر صحابته المكرمون رضي الله عنهم، لوجد هذه السنن حاضرةً في كل قصصهم ولا تفرقة بين أحد منهم، وبالتركيز على قصص الحرب تجد النصر كان حليفهم عندما أتبعوا المعاير، وعلى العكس عندما خالفو سنن الله في النصر خسروا على الرغم من أن رسول الله وحبيبه



كان منهم.


  • خاصيّة الاطّراد:

وتعني التكرار لهذه السنن وتظهر في أي ظرف توافرت فيه مقوّمات تؤدي لظهورها مثل الزمان والمكان والأفكار والأشخاص، قال الله تعالى في القرآن:

(قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ)

[ال عمران: 137].


ويكون تكرار سنن الله حُجّة على كل الناس، سوا كان مؤمن أو كافر، الاطراد لسنن الله رد للمُشككين في

الذات الإلهية

ومن يشككون في نبوة رسول الله



،بقولهم إنّه لو كان نبيّاً صادقاً ورسول لله حقاً لما هُزم ونال منه الكفّار في بعض الغزوات والمواقف.

السنن الإلهية حاكمة وسارية على أنبياء الله ورُسله، وعلى جميع خلقه و المثل الأشهر هو عندما حدث في غزوة عندما شُجّ أحدهم رأسه وتم كُسر سنّه، فيقال للكفار وقتها أنّ سنّة الله في النصر وسنة الهزيمة مطّردة، فعندما تتوافّر ظروف تسمح بوقوعها تقع.



السنن الإلهية في القرآن الكريم




  • سنّة التدافع:

من سنن الإلهية في الكون والتي يخبرنا عنها الله في قوله بالقرآن:

(وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ)

[البقرة:251]،


والمُراد بالأية هو أنّ الله لا يترك أبداً الناس على نفس حالهم، ولا يترك الدنيا كما هي.

بل يدفع الله الأحوال ببعضها، ويدفع الناس بعضهم بالبعض، كذلك يدفع الكفار بالمؤمنين، وتجد الله يدفع الباطل بالحق، وبذلك يظلّ الصراع قائم ومستمر بين الحقّ والباطل، سنة الله في التدافع تقتضي التغيير المستمر بمشيئة الله.


  • سنة الإصلاح:

فمن سنن الله أنه لا يُهلك القوم إذا كان بينهم مصلحون، فمن أجل الإصلاح بعث الله الرُسل والأنبياء، وذكر لنا الله في القرآن عن رسول الله شعيب قوله لقومه:

(مَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ)

[هود:88].

فالرٌسل كان دورهم الإصلاح وأول شئ إصلاح الشرك بالله وهو المنكر الأكبر، ثمّ يتدرجّون إلى باقي منكرات أُمتهم المنتشرة، وتشمل الإصلاحات في جميع جوانب حياة الأمة كالجوانب الإقتصادية فيمنعون الغش، وفي الجوانب الاجتماعية وباستمرار تحفظ الأمم بوجود المصلحين فيهم فإن سنّة الله تقتضي بأنه لا تهلك، وفي القرآن بيان لتلك السنّة فقال الله تعالى:

(وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ)

[هود:117].


  • سنّة التغيير:

فهي من السنن المتعارف عليها بين الناس وتجد أمثال وأقاويل متناقلة عن التغير مثل دوام الحال من المُحال، وذكرها الله في القرآن التي فقال :

(إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) [الرعد:11]

وتفيد سنّة التغيير أنّ الله لايبدل حال القوم إلا بتغيير القوم ما في قلوبهم وامتثلوا لأوامر الله وعملوا ما يرد، غيّر الله حالهم لأفضل حال، وأمّا إذا عصوا الله ولم يلتزموا بأوامره فيغيّر حالهم لحال أسوء.

أنواع السنن الإلهية

يمكن تقسيم السنن الإلهية باعتبار عدة اعتبارات: باعتبار أنه يوجد سنة خارقة، وأخرى جارية.


السنة الخارقة

هي السنن الإلهية التي يحدثها الله على غير العادة؛ مثل معجزات سيدنا موسى رضى الله عنه بتحويل عصاته لحيةٍ تسعى، وعندما ضرب الحجر فانفجرت منه أثنتا عشرة عينا، لما شق البحر بضرب عصاه في الأرض.

ومن السنن الإلهية الخارقة أن الله شق القمر نصفين لنبينا محمد ﷺ، وفي قصة سيدنا إبراهيم رضى الله عنه عندما حجبه عن النار وحفظه من الاحتراق، وفي قصة سيدنا يونس عندما ألتقمه الحوت فحفظه الله في بطنه ولم يمت، وهذا على غير المعتاد، يصنع الله معجزات تكون هذه هي السنن الخارقة.


السنن الجارية

هي من القوانين الحاكمة للدنيا منتشرة بالكون وبكل الحياة، وهناك سنن إلهية متعلقة بالأمور الكونية مثل تعاقب الليل والنهار وتبادل الشمس والقمر، وفق نظام محدد، قال الله تعالى:

(

وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)


[يس: 40].

وهناك سنن متعلقة بالأفراد مثل السنن في خلق الإنسان فقال الله في القرآن:

(

وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ).

هذه الأطوار التي يمر بها خلق الإنسان، سنة جارية، فخضوع البشر لهذه السنن الإلهية ثابت ومطرد متكرر في التصرفات والأفعال: كالسعادة والشقاء، الغنى والفقر، القوة والضعف، وهكذا..[2]