قصة خيالية كتبها ابن طفيل
قصة خيالية كتبها ابن طفيل، حي بن يقظان لم يكن ابن طفيل العالم الأندلسي هو أول من كتبها بل قام بكتابتها قبله ابن سينا، ومن ثم تبعه في ذلك السهرودي المفتول والملقب بشهاب الدين، والثالث هو ابن طفيل والرابع هو ابن النفيس، وهي قصة خيالية من وحي فكر مؤلفها.
قصة خيالية كتبها ابن طفيل
والقصة هي نرجو أن تستمتعوا بها وبأحداثها:
وتحكي القصة عن شخص يدعى حي بن يقظان الذي نشأ في جزيرة بعيدة من جزائر الهند عند خط الاستواء حيث أعلى درجة حرارة هناك، وبجوارها كانت جزيرة أخرى لرجل شديد الغيرة والأنفة، وله أخت في غاية في الجمال، فرفض أن يزوجها لأحد لأنه لم يجد الكفؤ لها، ولكن تزوجها رجل قريب له اسمه يقظان سرًا وأنجبا طفلا، فلما خافت أم الولد أن يفتضح أمرها وضعته في تابوت وقذفت به في اليم، وبقي يمشي إلى ساحل الجزيرة الأخرى، وهناك سمعت بكائه وحنت عليه أرضعته ظبية حتى كبر، فلما أكمل حولان تدرج في المشي وتتبع تلك الظبية فكانت تطعمه من ثمرات كانت تتساقط من ثمرات الجزيرة، حتى كبر وأصبح يقلد صوت الظباء فألفته الحيوانات هناك بما فيها من وحوش حتى أصبح يقارن بينه وبينها فكان يفكر في ذلك ولا يدرك سببه حتى بلغ سبع أعوام اتخذ له من أوراق الشجر العريضة شيئا وضعه على جسمه يستره، ومن أغصان الشجر عصي يقاوم بها الحيوانات ثم اتخذ له من جلود الحيوانات لباس حتى ماتت الظبية فجزع عليها، وأراد أن يعيدها إلى الحياة فلم يستطع.
وقد تعلم الكثير من الأمور كطبيعة الموت والنار، وعرف أكل اللحم المشوي كما قام بتشريح بعض الحيوانات للتعرف على وظائف أعضائها، وصنع آلات للصيد وأخرى يستخدمها ليدافع بها عن نفسه ضد الحيوانات ثم اتخذ مسكنا له، كما تألف جوارح الطير ليستعين بها في الصيد، وربى الدواجن لينتفع ببيضها ولحمها، وركب على الخيول، والحمير الوحشية، وفكر في عالم الكون والفساد من الحيوانات والنباتات وغيرها فرأى أن لها أوصاف كثيرة وأفعال مختلفة فلها صفات تتفق فيها وصفات أخرى تختلف فيها، فتعلم كثير من الأشياء حتى قاده النظر إلى العالم الروحاني والفرق بين الجسمية والصورة والنفس وخواص الأنواع في الحيوان والنبات، والأقطار الثلاثة وهي العرض والطول والعمق في الأجسام، ثم علم أن كل حادث لابد له من محدث حتى استدل على الخالق وعلى أن الكون متناه، وان الفلك على شكل كرة، وأن جميع الموجودات مفتقرة إلى موجدها فهو علة لها وهي معلولة له سواء كانت محدثة الوجود أو كانت لا ابتداء لها من جهة الزمان ولم يسبقها العدم, فإنها في كلا الحالتين معلولة مفتقرة إلى الفاعل متعلقة الوجود به، وهو في ذاته غني عنها، وقدرته غير متناهية، فهو فاعل مختار في غاية الكمال وفوق الكمال منزه عن النقص.
وبعد خمسة وثلاثون عام في الجزيرة أن حواسه لا تدرك إلا الأجسام وأن الخالق واجب الوجود بريء من صفات الأجسام من جميع الجهات ولا سبيل إلا إدراكه إلا بشيء ليس بجسم ولا تعلق له بوجه من الوجوه بالأجسام فقد أدركه بذاته وهي غير مجسمة، فجعل يتفكر فيها ورأى أنه لا يمكن فسادها لأنها ليس لها صفات الأجسام وأن كمالها ولذاتها إنما تتم بمشاهدة ذلك الموجود الواجب الوجود على الدوام مشاهدة بالفعل أبدًا حتى لا تعرض عن ذلك طرفة عين أبدا حتى توافيه المنية وأن من يعرض عن ذلك يفضي إلى الشقاء الدائم .
ثم أدرك أن الكواكب والأفلاك منتظمة الحركات بعيدة عن قبول التغير والفساد لها ذوات سوى أجسامها, تعرف الموجود واجب، والإنسان خلق لأمر عظيم لم يعد له شيء من أنواع الحيوان, له جزء أشرف هو الذي عرف به الموجود واجب الوجود وهذا الشيء العارف هو أمر رباني لا يستحيل ولا يلحقه الفساد ولا يوصف بصفات الأجسام ولا يدرك بالحواس وهذا الجزء منزه عن صفات الأجسام فيه شبه من الموجود واجب الوجود فعليه أن يتخلق بأخلاقه ويتقيد بأفعاله ويجد في تنفيذ إرادته ويسلم الأمر وهو له راضي بحكمه.