خصائص الشعر الحكمي العباسي
ا
لحكمة في الشعر العربي
إن الحكمة تعد فن من الفنون الموجودة في الأدب العربي، حيث أنها تهدف إلى النصح والإرشاد بالإضافة إلى الموعظة حيث أنها تأتي تعبيراً عن تجربة ذاتية، حيث أن الشعر العربي قد تمت زخرفته بالحكم التي أُخذت من واقع الحياة العربية، بالإضافة إلى الأفكار التي استمدها الشعراء من الكتب المترجمة التي تحتوي على العديد من الأمثال والأدب، حيث أنهم اقتبسوا منها ونظموا الأشعار على نفس المنوال.
تعريف الحكمة في الأدب العربي
إن المعاجم اللغوية تعرف الحكمة تعريفاً مرتبطاً بكل ما يكون متصل بالمعرفة والتدقيق، وهي وسيلة وأيضاً غاية في الوقت نفسه فجاء في اللسان (قيل الحكيم ذو الحكمة، والحكمة عبارة عن معرفة أفضل الأشياء بأفضل العلوم، ويقال لمن يحسن دقائق الصناعات ويتقنها حكيم)، وهكذا نجد أن غاية الحكمة هي المعرفة الدقيقة التي تتصل بالعلوم والمنافع حيث أنها تعتبر معرفة غير محددة، فهي تتصل اتصالاً مباشراً بأمور الدنيا وأمور الدين، وتتجلى في الخبرة المكتسبة من الملاحظات العميقة للأمور، والتي تكون بدورها مستخلصة من التجارب المكتسبة من الملاحظات، فالحكمة تتميز بحدود واسعة، وشاملة لأمور وقضايا كثيرة.
خصائص شعر الحكمة في العصر العباسي
إن
شعر الحكمة في العصر العباسي
يتميز بمجاله الفكري في وجود النزعة إلى التجديد حيث أنه قد وُجد مبدأ التخير أي تخير الأحسن من الحضارات حيث أنه كان لهذا المبدأ آثار إيجابية كثيرة على العقل العربي، فقد كان لشعر الحكمة في العصر العباسي خصائص منها :
- تفتح العقل العربي على ثقافة الحضارات المجاورة له مثل الحضارات الفارسية والرومية والهندية.
- قام على إيجاد التمازج بين الثقافات العربية وثقافة الحضارات الأعجمية.
- إن هذا المبدأ عمل على ازدهار الحياة الأدبية حيث أنه تميز بوجود أدباء كانوا قد تميزوا بالأصالة والإبداع والتجديد في الشعر وايضاً النثر، وتم ذلك بسبب صلة الأدباء بالمنطق والفلسفة.
- إن هذه الصلة التي تم ذكرها مؤخراً أدت إلى امتزاج العقل بالعاطفة في العديد من الآثار الأدبية للعصر العباسي سواء كانت نثراً أو شعراً.
- عمل على تزايد القصائد الشعرية التي تخللها الكثير من الحكم والمواعظ أو هناك بعض القصائد كانت تطرح بعض القضايا الفلسفية.
- أصبح الشعراء في هذا العصر يخضعون شعرهم للعقل أو الفلسفة أو حتى المنطق.
- فتح باب الأخلاق الحميدة وعمل على تصويرها مثل الكرم والحياء والعفة وأيضاً الصبر.
- عبر عن تجربة الشاعر بالإضافة إلى خبرته في الحياة وتم ذلك عن طريق التنوع في استخدام المحسنات اللفظية والبديعية.
- قام على إتاحة مواضيع تضمنت في طياتها مادة طريفة لتأديب الأجيال، حيث أنه هذه المواضيع حثت على الأخلاق الفاضلة.
- إن الشاعر في الشعر الحكمي اعتمد على تواجد المقدمة الطلليَّة، حيث أنه يعرض من خلالها خبراته في الحياة ويستطرد في ذكر حنينه لماضيه.
- من خصائص الشعر الحكمي أنه صور الطبيعة وعناصرها، بالإضافة إلى أنه وصف الصحراء والقصور في المقدمات الطللية التي تضمنت الشعر أو النثر.
- الشعر الحكمي في العصر العباسي يخلو من التكلف والألفاظ الصعبة، والسبب يكمن في أن هذا الشعر يكون غرضه واضح لهذا يجب أن يتميز بالفاظ سهلة حتى يتم فهم الغرض وعدم وجود الالتباس فيه.[1]
أنواع الحكمة في العصر العباسي
إن الحكمة في العصر العباسي تنقسم إلى قسمين وهما حكمة نظرية وحكمة عملية وسنشرح في هذا المقال هذين النوعين:
الحكمة النظرية
ويتجلى مفهومها بأنها هي علم بحالات الاشياء كما هي حيث أن الفرد يكتسب هذه الحكمة عن طريق الدراسة والفكر بالإضافة إلى التحقيق، فعلى سبيل المثال كمعرفة حالات الأجسام وأيضاً معرفة النجوم وغيرها، فالمقصود من الحكمة النظرية هو ما حصل بالنظر حيث أنها تتحدث عن الوجود بالإضافة إلى ما هو كائن، وإن الحكمة النظرية تنقسم إلى ثلاثة أقسام أو ثلاثة علوم وتتجلى في :
- الإلهيات
- الطبيعيات
- الرياضيات.
الحكمة العملية
ويتجلى مفهومها في التعرف إلى أفعال البشر التي تكون اختيارية حيث أنه يختار بأي طريقة يريد أن يتم التعرف إليها، الحسنة والرديئة والمذمومة وغيرها، وتكمن الحكمة العملية بالعلم الذي يهدف إلى الإصلاح والعمل به، بالإضافة إلى معرفة الأمور التي ترتبط بشكل مباشر بالعمل مثل الحساب والهندسة.
إن الحكمة عنيت اهتماماً كبيراً من قبل الشعراء حيث أنهم في العصر العباسي كانت الحكمة في قصائدهم تأتي بمضمون حكمي، أما في العصر الجاهلي فكان هناك اختلاف حيث أن الحكمة كانت أبياتاً متناثرة حيث أنها كانت متواجدة في بعض القصائد فكما قال زهير بن أبي سلمى:
- ومن يجعل المعروف من غير أهله يكن حمده دما عليه ويندم
- وقال بعض الحكماء “الحكمة موقظة للقلوب من سنة الغفلة، ومنقذة للبصائر من سكرة الحيرة، ومحيية لها من موت الجهالة، ومستخرجة لها من ضيق الضلالة دواء للقلوب ومشحذ للأذان الكلية، ونور في ظلمة”.
مصادر الحكمة في العصر العباسي
مما لا شك فيه أن للحكمة مصادر حيث أن الأمم تتأثر بأسلافها وقدمائها بالإضافة إلى أنها تقوم بتوارث العقائد والعادات وأيضاً الطقوس الدينية، ونجد أن من تلك المواريث هي الحكم والأمثال ولاننسى الأقوال المأثورة التي تكون بمثابة لوحات مرور حيث أنها تكون مغروسة لدى الشعوب وإن مصادر الحكمة تقسم إلى قسمين هما:
- الموروث الشعبي وتتجلى في العادات التي يرثها الشعب والتقاليد التي تكون من ضمنها الحكم والأمثال وأيضاً الحكايات والقصص والتجارب الذاتية سواء كانت جميعة أو فردية.
- التأثيرات الأجنبية حيث أنها تعددت مصادر هذه التأثيرات فكان للفرس دور بارز في إيصال الثقافات الأخرى إلى العرب مثل الهندية والسيريانية، بالإضافة إلى اندماج العرب مع الفرس الذين كانوا قد دخلوا في الإسلام، وأيضاً المجاورون العرب من الفرس واليهود والنصارى والسريان بالإضافة غلى الكلدانيون كلهم كان لهم تأثيرات كبيرة في نقل العلوم وتبادل الثقافات.
أسماء شعراء الحكمة في العصر العباسي
إن الشعر كان له أهمية كبيرة في كافة العصورفهو ديوان العرب وبرز الكثير من العلماء الذين أشاروا وبينوا أهمية الشعر النفسية ومدى أهميته وتأثيره ومنهم ابن رشد وابن سينا وغيرهم، وإن شعر الحكمة يعد من الأغراض الشعرية المنتشرة في ذلك العصر حيث أن الكثير من الشعراء قد اهتم به ونهجوا نهجهم الخاص في الكتابة وبعضهم قام بالالتزام بغرض واحد، أما البعض الآخر فقد قاموا بالخلط بين أغراض متعددة، وهناك البعض من الشعراء الذين كانت قصيدة الحكمة لديهم لا تختلط بتاتاً مع أغراض أخرى فقد تكون بارزة بغرضها وحدها ومن هؤلاء الشعراء:
-
المتنبي
وهو أبو الحبيب أحمد بن حسين بن الحسن، وهو من الشعراء المهمين جداً في العصر العباسي حيث أنه تميز بعمق معاني أشعاره وتأثيرها، وعُرف أنه شاعر حكيم، وتميز بالبلاغة وباستخدام ألفاظ اللغة العربية. - أبو تمام وهو حبيب بن أوس الطائي حيث أن له الكثير من المؤلفات مثل ديوان الحماسة ومختار أشعار القبائل، وكان بارزاً في الأغراض الشعرية، وتميز شعره في الفصاحة وجزالة ألفاظه.
- أبو العلاء المعري وهو شاعر وفيلسوف قام على الجمع بين الشعر الفلسفي وشعر الحكمة، حيث أن شعره تميز بوجود المصطلحات العلمية بالإضافة إلى أنه بالغ في المحسنات البديعية.
- ابن الرومي حيث أن قصائده شهدت الكثير من المآسي التي عايشها، ولكن في الوقت نفسه تميزت بدقة إجادتها في الأغراض الشعرية مثل الهجاء، وأبدع بالمدح والرثاء.
- أبو فراس الحمداني حيث أن له الكثير من الأشعار التي تخللها المدح، وإن معظم أشعاره كان ينظمها في السجن خلال فترة أسره.[2]