نشأة الإدارة العامة المقارنة وأهميتها

تعريف الإدارة العامة المقارنة

الإدارة العامة public administration بشكل عام ، هو حق من حقول العلوم الاجتماعية ، الذي يدرس مجموعة من المجالات الرفيعة ، أهمها الخدمة العامة ، و مجال السياسات العامة ، وصنع القرار ، وغيرها من المجالات التي تهم المواطن ، والمجتمع ، في إطار علاقته بالجهاز الحكومي ، وهناك عدد من الأفرع في هذا الحقل ، مثل الإدارة العامة الجديدة new public management ، والإدارة العامة المقارنة comparative public administration .

و يتم تعريف الإدارة العامة المقارنة على أنها مجال ، وحقل الدراسة التي تتم من خلال المقارنة ، لمختلف الأنظمة الإدارية ، ويتم اجراء هذه المقارنة بين العديد من الدول ، والتجارب المختلفة ، لمقارنة الإدارة العامة في دول ما ، بالإدارة العامة في دولة أخرى.

والجدير بالذكر ، أن هذا الحقل الهام ، والقيم ، قد تم تطويره ، و انشاؤه ، و توسيعه ، والتعمق فيه ، من خلال سعي الخبراء ، والمتخصصين للاهتمام بدور الإدارة العامة في الدول النامية ، أو كما يطلق عليها دول العالم الثالث ، خاصة بعد الحرب العالمية الثانية.

نشأة علم الإدارة العامة المقارنة

و قد بدأت حركة الاهتمام الفعلية بمجال الإدارة العامة المقارنة ، بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث ظهر العديد من المتخصصون في فترة الخمسينيات ، و منهم ألموند ، و لوسيان ، وكولمن ، الذين أظهروا هذا الحقل بشكل بارزن ، ليضاف إلى مجال الإدارة العامة، كما اشتهر

Fred Riggs

بأنه أحد المتخصصين البارزين في مجال الإدارة العامة المقارنة.

وقد ظهر في عام 1962 المجموعة الإدارية المقارنة (CAG) ، التي كان لها دور بارز في اظهار علم الإدارة العامة المقارنة ، التي اكتسبت رواجاً بسبب هذه المجموعة ، التي كانت تلك الفترة ، قد تلقت تمويلاً من مؤسسة فورد ، في الجمعية الأمريكية للإدارة العامة.

وفي عام 1971 ، كانت هذه المؤسسة قد توقف تمويلها ، بعدما وجدت مؤسسة فورد الممولة أن مشروعات الاستطلاعات الميدانية ، التي تسهم في قياس الظواهر ، و تفسير القضايا ، و المشكلات المختلفة ، لم تعد تؤتي ثمارها ، وجدواها في مجال دراسات ، وأبحاث مجموعة الإدارة العامة المقارنة ، كما ان مجموعة التوصيات والحلول التي توصلت إليها ، لا تفيد ، حيث كانت الفكرة الأساسية كانت عبر التركيز على تفسيرات نظرية بحتة.[1]

الهدف من مجال الإدارة العامة المقارنة

جاءت مساعي ، وتوجهات العديد من الباحثين ، نحو تنفيذ حركة علمية ، و فكرية ، تتجه مساعيها إلى تحويل فكرة الإدارة العامة ، من المستوى النظري الذي يقوم على مبدأ المثالية ، إلى مستوى آخر يقوم بقياس هذه الأفكار ، وتحويلها إلى المستوى الكمي ، و التجريبي ، والي أطلق عليها الباحثين اسم ” البراجماتية ” ، و البراجماتية ها هي تحويل الظاهرة شيء واقعي ، والتفكير بها على نحو عملي ، لتصبح أكثر واقعية ، و من ثم ، جاءت هذه الحركة التطويرية ، لتسعى إلى جعل مجال الإدارة العامة ، مفسرة في إطار عالمي ، و ان تكون متجهة إلى تفسيرات أخرى خارج سياق تأثير الدولة.

ومن المجالات التي تتيحها دراسة الإدارة العامة المقارنة ، هو التركيز على فهم الهياكل الإدارية ، حيث تبدأ المقارنة من خلال فهم كيفية عمل هذه الهياكل الإدارية ، في مختلف الدول ، والنظم ، حيث يتم التساؤل في هذ السياق على ” دور الهيكل الإداري ” في الدولة ، ومقارنته بالدولة الأخرى ، ثم البحث في تساؤل آخر ، حول ” سبب وجوده ” ، وأهدافه و اهميته.

أكثر من ذلك ، يأتي دور وأهمية علم الإدارة العامة المقارنة ، في عرض ، وإضافة منظورات تسهم في تفسير الظواهر ، بشكل عملي ، وتجريبي ، من خلال الوصول إلى نظرية قوية ، في ضوء مقارن بين مختلف الدول ، التي تم من خلالها مقارنة دور الإدارة العامة بها.

تطور علم الإدارة العامة المقارنة

يمكن القول أن التطور التاريخي الذي يرتبط بوجود هذا العلم ، يبدأ من الفكرة الأساسية التي يقوم عليها ، حيث أن الهدف الرئيس هو المقارنة ، وبالتالي غن المقارنة كنهج ، هو منهج موجود من قديم الأزل ، و المنظور المقارن في أي مجال من مجالات العلوم الاجتماعية بصفة عامة ، موجود منذ زمن بعيد لقدم عرضاً ، وتفسيراً آخراً يقوم على التوضيح بين شيئين أو أكثر ، فهناك مسلمة تؤكد على أنه ” بالتضاد تتضح الأمور ” ، ومن خلال المقارنة ، يمكن أن نفهم الظواهر بشكل أفضل ،فقد ظهر العديد من المفكرون السياسيون في العصور القديمة ، بتفسير أنظمة الدول ، و مقارنتها ببعضها البعض.

وقد كان الهدف من ابراز هذا الحقل العلمي العام ، في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية ، هو نيل العديد من الدول على الاستقلال ، حيث اتجهت هذه الدول التي أنهكتها الحروب ، إلى تنفيذ المشروعات التنموية على كافة المستويات ، حيث جاءت مساعي هذه الدول المستقلة حديثاً ، نحو تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية السريعة ، خلال إدارة كفء ، تنجح في تنفيذ خطط التطوير السريع.[2]

عمليات الإدارة العامة المقارنة

هناك عدد من العمليات الأساسية التي تسهم في تشكيل علم الإدارة العامة المقارنة ، و أن تنفيذ هذه العمليات تحقق أهداف المقارنة ، حيث قام هذا المجال على العملية التجريبية ، أو المعيارية التي تقوم على معايير محددة ، لتحويل الظاهرة إلى التجريب ، والهدف من ذلك هو قياس دور الغدارة العامة لتصبح أكثر فعالية في مخرجاتها تجاه الجمهور.

وهناك عملية أخرى يطلق عليها العملية القائمة على القوانين Nomothetic ، وهي العملية التي تدور حول فهم حالة معينة ، وتتم من خلال البحث عن سمات ، و خصائص إدارة معينة ، بحيث يكون الهدف الأساسي ليس التخصيص ، وإنما التعميم ، ينصب التركيز أكثر على التعميم. حتى نتمكن من فهم الواقع من وجهة نظر مجردة للغاية.

كما ركز علماء الإدارة العامة المقارنة ، على فهم الظواهر الإدارية من خلال السياق الذي يحيط بهذه الظاهرة ، حيث يحيط بالظاهرة أنواع متعددة من السياقات ، والبيئات المختلفة ، مثل البيئة الاجتماعية ، أو البيئة السياسية مثلاُ ، أو السياق الثقافي ، ونجد قيام العديد من الخبراء في مجال الإدارة بعد ظهور هذا العلم ، قد اتجهوا لتحليل البيئات ، على اعتبار انها عامل هام في تفسير الظواهر الإدارية ، مثل صنع القرار وغيرها ، فكل بيئة لها العديد من الخصائص المختلفة ، والتي تفرق عن السياقات البيئة الأخرى ، فإذا ما تم مقارنة ظاهرة ما في أي دول ، سنجد أن البيئات نفسها لها التأثير الواضح على تعريف بعض المفاهيم ، أ وتعريف بعض الظواهر الإدارية المختلفة.[3]