عوامل ازدهار النثر في العصر العباسي

تعريف النثر في اللغة والاصطلاح

النثر في اللغة هو الكشف عن شيء والإذاعة به ، أو إرسال الكلام بشكل لا يجعله متقيدًا بوزن أو قافية ، وقد عُرف النثر في اللغة والاصطلاح بتعريفات متعددة ، منها كونه كلامًا مباشرًا تُزين فيه الكلمات ، وتُرتب بشكل جيد، كي تتماثل في وقعها مع رسائل الغرام المتبادلة بين المراهقين ، بلا أي تقيد بوزن أو قافية .

وبالنسبة للاصطلاح الفني ، هو عبارة عن أحد أشكال الكتابة الأدبية يختلف عن الشعر ، من حيث أنه لا يستخدم الوزن والقافية ، ويزداد فيه استعمال المحسنات البديعية ، ويمتلك الكثير من السمات الجمالية .

وينتج النثر عن تجارب شعورية أو فكرية ، يريد الكاتب الإفصاح عنها ، فيعمد إلى استخدام أسلوبًا فنيًا لغويًا ، وجنسًا أدبيًا بعينه للكتابة عن طريقه .

ازدهار النثر في العصر العباسي

واصل النثر الازدهار على مدار الأزمنة المتنوعة بدءًا من العصر الجاهلي وحتى العصر العباسي ، وأصبح لذلك الازدهار الشكل الملموس في الأدب ، حيث صار النثر العربي بالعصر العباسي يعج بالموضوعات المتنوعة والأنواع المتباينة .

هذا إلى جانب الفروع العديدة التي من ضمنها ،  النثر الفلسفي والنثر التاريخي، علاوةً على النثر الأدبي ، ولم يكتفي النثر بالتجديد فحسب ، وإنما عمل على الاحتفاظ بالموروثات ، فأحيانًا كان يعتبر استكمالًا لما هو قديم ، وأحيانًا أخرى كان إبداعيًا لم يظهر مثله فيما مضى .

وقد عمد النثر في العصر العباسي إلى الإفصاح عن العديد من الأغراض الشعرية ، إذ أنه عقب أن كان في العصر الأموي يكتفي بالأغراض الحزبية والسياسية ، فقد صار في العصر العباسي يتناول العديد من المسائل الشخصية والإنسانية ، مثل الرثاء والمدح وأغراض أخرى ، وبذلك يكون النثر قد اتخذ خطوة كبيرة ، مما أدى إلى نمو أفكاره وعمق معانيه .

عوامل ازدهار النثر في العصر العباسي

امتلأ العصر العباسي بالعديد من الوقائع التي أسهمت في ازدهار النثر وتطوره ، حيث كانت تلك الوقائع تعتبر هي العوامل المؤدية لذلك، ومن ضمنها :

  • تواصل العرب مع الحضارات الأجنبية ، مثل الحضارة الهندية ، والحضارة الفارسية ، حيث عملوا على ترجمة أعمالهم ، ونقل الثقافة ، والعلوم خاصتهم في مجالات الهندسة ، والأدب ، والمنطق ، والطب.
  • تعامل العرب مع الأجناس المختلفة ، والانغماس في التعرف على سماتهم، حيث قاموا بإحضار العبيد والجواري ، وأسهموا في ازدهار النثر عن طريق نشر الأفكار الجديدة في الأدب ، وهي الأفكار التي تتطلب وجود صور جديدة لتساعد على سهولة استيعابها .
  • تباين أنماط الحياة وشيوع الثراء ، ومجالس الغناء ، والاستمتاع بكل ما لذ وطاب في الحياة، إلى جانب ما نشرته الجواري من افتتان بالجمال ، هو الأمر الذي نتج عنه تطور الغزل الصريح .
  • تأييد الخلفاء والأمراء للأدب ، واهتمامهم بتطور الكتابة والرقي بها ، وهو ما جعل المنافسة تشتد بين الأدباء ، كي يحظوا بإعجاب الخلفاء .
  • كانت الكتابة تعتبر في العصر العباسي أحد الشروط الضرورية على الأفراد ، حتى يتم تعيينهم في مراكز رفيعة بالدولة ، وحتى يتمكنون من تحقيق كافة ما يصبون إليه .
  • قدوم أجيال جديدة من الأمم المستعربة ، الذين عملوا على توحيد الثقافة الغربية مع الثقافة العربية ، حيث جلبوا فنونًا جديدة من ثقافاتهم التي قد ورثوها عن الهنود ، واليونان ، والفرس .
  • هدوء الأوضاع في الدولة والتوسع العمراني بها ، وهو الأمر الذي أثمر عن نضج الثقافة ، وبالتالي تقدم المجتمع .[1]

النثر في العصر العباسي الأول

من الجدير بالذكر أن ازدهار


النثر في العصر العباسي الأول


نظرًا لدخول العديد من الحضارات في ذلك النثر ، مثل حضارة الهنود ، واليونان ، والفرس ، حيث أبدع الأدباء في جميع أنواع النثر ، وبصفة خاصة الوعظ والخطابة ، وكافة أنواع الرسائل والوصايا والمناظرات .

وكان من ضمن الأسباب التي ساعدت على هذا تأييد الخلفاء لتلك الفنون مثل الخليفة الرشيد الذي حفز أيد الأدب ، والعلم والعلماء وشيد مكانًا باسم “بيت الحكمة” ، وجمع فيه مجموعة من المترجمين ، والمؤلفين ، والنساخ .

بالإضافة إلى كون حركة الترجمة كانت قد تطورت في عهد الخليفة المأمون ، وهو ما ساعد على الانفتاح على الثقافات الأخرى من جهة جميع العلوم، إلى جانب اهتمام الأثرياء بتأييد الحركة العلمية ، والترجمة عن الثقافات الأخرى التي أثرت فكر العرب .

وتجدر الإشارة إلى أن هناك بعض من المستشرقين يظنون أن العرب لم يعرفوا النثر سوى في أثناء العصر العباسي الأول ، ويظنون أن السبب في نشأة النثر يعود إلى ابن المقفع .

أشهر الأدباء في النثر في العصر العباسي

من


أشهر الأدباء في النثر في العصر العباسي


الأول ابن المقفع وابن الزيات وسهل بن هارون .


  • ابن المقفع :

    وقد ولد في عام 724م، واسمه روزبه بن داذويه ، وهو من أكبر أدباء العصر العباسي الأول، وكان في مقدمة المسلمين الذين اهتموا ترجمة كتب المنطق ، وكان يتصف بالأخلاق الكريمة وسعة المعرفة ، وقد جمع بين كل من الثقافة العربية والثقافة الفارسية ، وقام بترجمة كتاب “كليلة ودمنة” عن الفارسية ، ويمتلك رسائل مهمة للغاية تتسم بالبلاغة من ضمنها “الأدب الكبير” ، وقد تم اتهامه بالزندقة في وقت لاحق فقُتل على يد أمير البصرة سفيان بن معاوية المهلبي في سنة 759 م .

  • ابن الزيات:

    اسمه محمد بن عبد الملك بن أبان بن حمزة ، وكنيته أبي جعفر، وقد اشتهر باسم ابن الزيات، وُلد في عام 233 م ، وكان أحد علماء اللغة والأدب ، وحصل على مكانة كبيرة عند الخلفاء ، إذ أُطلق عليه لقب ذي الوزارتين ، وكان الخليفة المعتصم يتكل عليه بشكل كبير في إدارة الدولة .[2]

خصائص النثر في العصر العباسي الأول

من


خصائص النثر في العصر العباسي الأول


ما يلي :


  • تنوع فروع النثر العربي :

    إذ أصبح النثر خلال العصر العباسي متفرعًا إلى العديد من المجالات ، مثل الفلسفي ، والعلمي ، والأدبي والتاريخي .

  • اشتماله على ثقافات متعددة :

    إذ اشتمل النثر في هذه الحقبة على ثقافات بدأت من إيران حتى اليونان ووصولًا إلى الهند ، ويُذكر أن النثر كان قد تأثر بأساليب التفكير الأجنبية بلا إفساد للغة .

  • توسع اللغة:

    إذ أثمر الانفتاح الثقافي عن التوسع في اللغة لتتضمن كافة العلوم القادمة إليها ، وهو ما كان له أثره في اللغة العربية وعلومها والعديد من المجالات الأخرى .

هذا ويكمن


الفرق بين العصر العباسي الأول والثاني في الأدب


فيما يلي:

خلال العصر العباسي الأول أثر الفرس في الحياة الاجتماعية والثقافية لدى العرب، ونتج عن اختلاط العرب بالفرس تسرب مصطلح الحرية في الدين والفكر إلى العرب ، وحدث في العصر العباسي الأول أن ازدهرت العلوم، ولا سيما الفلسفة ، والرياضيات والطب والفلك ، وهو ما أثمر عن تأثر النثر والأدب بهذا .

في حين أنه خلال العصر العباسي الثاني، وبالرغم من الانهيار السياسي الذي لازم هذا العصر ، إلا أن الأدب قد بقى على ازدهاره، ويرجع هذا إلى عدد من الأسباب، من ضمنها :

  • المنافسة بين حكام الدويلات في اجتذاب الفنانين ، والشعراء ، والأدباء.
  • تشجيع الحكام للفن والأدب والثقافة .[3]