قصيدة ” المبحرون مع الرياح ” للشاعر ” خليفة الوقيان ”
يقول السجل الأدبي عنه أنه شاعر وناقد كويتي و حاصل على ليسانس الآداب في قسمه من اللغة العربية من جامعة الكويت عام ألف وتسعمائة وسبعون، ثم حصل على شهادة الماجستير بعد ذلك بأربعة سنوات، وحصل على شهادة الدكتوراة من جامعة مصرية وهي عين شمس بعدها بستة أعوام ، إنه
الشاعر خليفة الوقيان
، هو صاحب قصيدة المبحرون مع الرياح ، ومن قصائد خليفة الوقيان أيضاً القضية العربية في الشعر الكويتي ، وقصيدة المبحرون مع الرياح ، هي باكورة أعماله الأدبية والتي حظيت بحفاوة في استقبالها من النقاد والمهتمين [1] ، وهذا عرض للقصيدة
قصيدة المبحرون مع الرياح للشاعر خليفة الوقيان
يا مُبحرون وفي محاجركم
نهرانِ من نبعِ الهوى شُقَّا
إني لألمحكمْ وإن عبثاً
طال السُّرى بمتاهةٍ غرقى
أوراقكمْ في غصنها يَبستْ
ويدُ الشتاءِ تُذِيبُها سحقا
وجذوعكمْ عُريانةً سجدتْ
والريحُ تحرقُ عريها حرقا
أثوابُكمْ مزقٌ وما خُلِّعَتْ
حتامَ فوقَ جلودِكُمْ تبقى
كَمْ رُحْتُ أخلعُ فوقها جزعاً
ثوبي وكمْ لَمْلَمْتُها رتقا
الريحُ تسرَحُ في شراعِكِمُ
غرباً وأبحر فيكمُ شرقا
إني سأرشقكمْ إذا حُرِقَتْ
أجفانُكُمْ بأزاهري رشقا
قلبي لكمْ في كلِّ مفترقٍ
زيتُ السِّراجِ بليلكْم يشقى
ورحتُ أفتّشُ في كل صوب
كأني أضعت هنا بعض قلبي
هنا نام أحبابي الأقربون
هناك جثا بعضُ صبحي
كأني أرى كل تلك العيون
تطالعني تعشق المقبلين
لتسألهم عن أمور كثيرة
لتخبرهم عن شوؤن كبيرة
كأني أحس بما يشهدون
كأني بعض الذي يسألوا
فلسوف أَبقى صخرة صماء ، تعجز أن تلين
إني لأرفض أن أكون صدى سِواىَ ، فلا أكون
إني لأكرهُ أن أقول كما يقول الآخرونْ
غريب إن مضيت وإن أتيتُ وناءٍ
إن دنوتُ وإن نأيتُ كأني واقفٌ والدربُ حولي
يموج بأهله أني مضيتُ
في الزمان الترابيّ تبتلع الأرض أحزانها
فتقيءُ بصحفِ الصباح وجوه البغايا
وتخرج تختالُ في ثوبها اللولبي المفضضّ
تحضنُ جلادها في المساء الذبيحة
قد رأيت الصباح في جوف كوخ
بائس فوقه تصيح الرعود
يمضغ الجوع والشقاء ويسمو
حين تعوي به الرياح السود
إن الرياح التي كنت تحجبها
كي لا تلوث روحي وهي تغويني
قد هدهدت كل باب كنت توصده
ومزقت في طريقي كل مكنون
فلا حصونك بعد اليوم تحبسني
ولا سياطك عما رمت تثنيني
لملمت بقايا شراعاتي وأجنحتي
وعدت من رحلة للغيب مغتربا
صحبي على الدرب احلام مشردة
أطعمتها الشك والأشواق والنصبا
أبحرت من أفق داج إلى أفق
معفر، بشعاع الشمس ما خضبا
تنادي بقبته الأقمار يتبعها
ساع تلفع من ثوب الدجى سحبا
وللمشرق صبايات لمحتجب
تكاد توقد في أحشائه لهبا.
تحليل القصيدة
إن الناظر إلى أبيات تلك القصيدة يجد أنه أمام قصيدة تتكون من مشهد رئيسي وهو مشهد يحمل نفس اسم القصيدة وهي المبحرون مع الرياح، وتلك القصيدة بنيت بالأساس على ذلك المشهد ، و القصيدة تستعرض المبحرون ، وحالهم مع الإبحار وصولا للحالة المستقبلية التي يصل لها المبحر ، لا ينظر لذلك إلا من خلال نظرته إلى حاضر وماضي هؤلاء المبحرون ، و
يقترب ويبتعد من عالمهم. [2]
و هو بذلك يرفع عن العيون غشاوة النظر لحال هؤلاء المبحرون ، فهؤلاء لهم ماضي و حاضر ، بل وينتظرهم مستقبل قادم ، ليدعوهم في القصيدة بذلك إلى عدم الخوف من السير عكس الاتجاه وتفضيلهم الإبحار مع الاتجاه ظنا منهم أن فيها السلامة لهم.
لافتاً إلى أن النجاة في الشرق، وذلك إشارة منه إلى حال العرب ، وثقافتهم ، وحياتهم ، وكيف يتجهون مع الغرب أينما كان غير منتبهين للحضارة التي تميزهم، وغلف كل تلك الأفكار بالحب في كلمات، والغضب من أجلهم، وكأنه يحذرهم من الانجذاب الذي يسرقهم ، من الماضي والحاضر إلى مستقبل عديم الهوية.
مضمون القصيدة
يتضح من القصيدة أن الشاعر يوجه حديثه إلى العرب ، و أهل الشرق ، وهو يطالبهم ويدعوهم من أول أبيات القصيدة ، حيث تبدأ القصيدة بنداء ، والنداء هنا كان غرضه الحرص ، والتنبيه ، وهو نداء حب وعاطفة حيث يدعوا العرب واصفا إياهم بالمبحرون.
و إضافة لكلمة المبحرون التي تدل في معناها على أن المعني بها ، وهم هنا العرب في حال الحيرة ، لا هم استقروا على شاطئ، ولا هم على الأرض واليابس ، وهو إشارة لما فيه حالهم من عدم الاستقرار.
و قد أراد الشاعر هنا إظهار حال العرب بالبقاء في البحر مبحرين بين ماضي فيه حضارة تشرفوا بها ، وحاضر من الضياع في البحر ، ومستقبل غير معلوم.
وأضاف الشاعر لكلمة المبحرون ، كلمة عميقة مؤثرة في نفس المتلقي رغم بساطتها في المعنى والحرف وهي كلمة مع ، إن كلمة مع رغم مفهومهم البسيط إلى أنها في إضافتها لكلمة المبحرون عمق فالمبحر في الغالب وحده ، ليس معه شئ ، ويتضح عمق المعنى بإضافة كلمة الرياح ، لتظهر مدى عظم خطر ما هم فيه.
فالرياح ظاهرة قوية في ذاتها وحال وجودها مع المبحرون أي تواجدها بحرا، لهو أمر في العادة لا يعد سبب راحة ، ولا داع للإطمئنان ، بل على العكس ، لذلك فقد كانت الجملة على كامل وجهها، أمر يحتاج فيه كل عربي للنظر بتمعن في حالنا، أننا نبحر مع الرياح. [2]
وعمل الشاعر على عكس
اقتباسات رائعة
، مما اعتاد عليها المتلقي وهي الإبحار أو السير عكس اتجاه الريح ، لكن هنا الأمر يعد محزن أن يكون الإبحار مع الرياح ، والمقصود هنا بالرياح رياح الغرب ، وحضارتهم ، وكل ما تحمله من تفاصيل تغرب العرب عن هويتهم.
يبدأ الشاعر بوصف حال المبحرون و يشير إلى الصراع الذي يعيشه العرب ، على أنهما بحرين ، ويقصد في ذلك بحر الشرق وثقافته وحضارته ، وبحر الغرب وضياع الهوية، ويؤكد ذلك بكلمتين أوردها في قصيدته وهما ضاع ، وغرقى ، ومدلول الكلمتان يظهر مدى حب وعطف الشاعر تجاه أمته التي يرى أنها في بحر الغرب ستكون ضائعة وسوف تغرق ، وهو بهذا يشير بوضوح إلى ما فيه الحال ولكن باللغة التي تمتلئ بالمشاعر وكأنه يحدث حبيبته.
ويتعرض الشاعر في هذين البيتين من قصيدته أوراقكمْ في غصنها يَبستْ ويدُ الشتاءِ تُذِيبُها سحقا ، لمدى التدهور الذي أصاب العرب و شبه حالهم بحال الشجرة المزهرة التي جفت وأصبحت ذابلة بل وجفت حتى سهل سحقها بسهولة ، والتعبير شديد على النفس تجاه هوية الأمة التي ضاعت.
ثم يصف الشاعر اقتلاع العرب من هويتهم كالجذع العارية ، ساجدة للغرب تحرقها كما شاءت ، و يتضح بجلاء في كلمتي غربا و شرقاً ، ما يشير له الشاعر من صراع الهوية لتبقى الكلمتان بكل جلاء ووضوح ، إشارة لمراد الشاعر من قصيدته.
يعرج الشاعر بعد ذلك للسابقون من بناة حضارة العرب ، ومن الأجداد الذين صنعوا التاريخ في أبياته واصف الحنين لهم ، وكأنه يراهم ويرى مجدهم وما تركوه خلفهم لأبنائهم وكيف ضاع. [2]