فوائد سورة المرسلات الروحانية


فضل سورة المرسلات


سورة المرسلات من أواخر سور القرآن الكريم في ترتيب المصحف الشريف ، وهي من السور المكية ، وقد  سميت سورة المرسلات بهذا الاسم ، المرسلات ، نظرا لبدأ السورة بها بكلمة المرسلات مع القسم بها ، وسميت أيضا والمرسلات ، وسميت كذلك والمرسلات عرفا  واسم المرسلات هو اسمها التوقيفي ، أما اسم والمرسلات و  والمرسلات عرفا هي اسماء اجتهادية ، عدد آياتها خمسين أية ، ومثل كل أيات القرآن الكريم كله تعد سوره، وأياته مليئة بالفوائد والعظات ، والعبر العظيمة ، وجاء من ذكر سورة المرسلات في الأثر هذا الحديث أن أم الفضل بنت الحارث سمعت ابنها وكان يقرأ المرسلات فقالت له ذكرتني بأخر ما سمعته من النبي وكان في صلاة المغرب [1] ، والحديث الثاني هو حديث النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله أبو بكر الصديق ، عن الشيب في رأسه صلى الله عليه وسلم، فقال له شيبتني هود وأخواتها ، الواقعة ، والمرسلات ، وعم يتساءلونَ ، وإذا الشمس كورت ، وهو دليل على شدة آيات تلك السورة والتي جعلت رأس النبي تشيب من هول ما فيها ، ومن فوائد السورة في الناحية الروحانية والروحية للفرد المسلم ما يلي:

  • من أهم فوائد سورة المرسلات ، هو أن النبي صلى الله عليه وسلم ، كان يصلي بها صلاة المغرب ، كما سبق في حديث أم الفضل لأبنها ، وبكائها.
  • كما أن للسورة مثل باقي سور القرآن الكريم، وأيات الله في كتابه الكريم، فوائد لمن تدبر و قرأ ، وإن كانت السورة لم يرد فيها فائدة روحانية خاصة ، ثابتة بحديث صحيح عن النبي، غير أن النبي عدها من السور الشديدة في ذكر الأهوال التي تنتظر المكذبين.


ما تضمنته سورة المرسلات

القسم بأن يوم القيامة حق واقع وهو ما يقذف في الروح ، والقلب ، خشية من العرض ذلك اليوم، والعمل على النجاة من هذا اليوم وما فيه ، من أمور لا يعلمها المسلم ولا يدري بها إنسان ، إلا ما أخبرنا به الله سبحانه وتعالى في كتابه، ويعجز العقل عن تصور حقيقته كاملة.

الوعيد الشديد، والحذر والتحذير لكل مكذب ، والتكذيب المقصود هنا تكذيب الإنسان بيوم القيامة ، والبعث ، والنشور ، وأنه بعد الموت ، حياة و حساب ، ووقوف بين يدي الله ، وحساب على ما فات في الدنيا ، وجزاء وجنة ونار.


الخوف من مصير السابقين من الأمم والقرون الخالية التي لاقت من العذاب ، والتي أهلكها الله سبحانه وتعالى، وجعل مصيرها شديد ، يجعل بهذا المصير لمن يأتي بعدهم عبرة وعظة، وخشية من تكرار مصيرهم.


التفكر والتدبر في خلق الإنسان الذي خلقه الله من نطفة ضعيفة ، و استقرار تلك النطفة في مكانها الذي جعله الله لها مسكن حتى يصير جنين ، وإنسان، وقدرة الله سبحانه على كل هذا ، وملكه للكون والخلق وتدبيره ، يعرف بهم الفرد كم هو ضعيف ، ومما خلق.


تكرار الآيات معجزات الله في الخلق وفي الكون والتي تبعث في النفس التواضع ، وعدم التكبر ، فالإنسان صغير أمام هذا الكون ، فما باله أمام خالقه ، و يقدم الله سبحانه وتعالى للبشر مثال على تنظيمه وتدبيره للكون في الجبال التي تعمل على استقرار الأرض.


وتتحدث آيات سورة المرسلات عن يوم العذاب للمكذبين بيوم الدين ويصف اليوم خاصة عن ما بعده من عذاب ، وكيف هي وقفة الإنسان في يوم شديد الحر واللهب لا ظل يواري، ولا واقي منه.


تحدي الله لعجز الإنسان وعدم قدرته النهائية على مجابهة الله بأعماله ، وعلى الأخص هذا المكذب بحقيقة يوم القيامة،


إظهار النعيم والسعادة لأهل الجنة ، مما يدفع النفس على الحرص أن لا تكون من اولئك أهل النار بعذابهم ، والانضمام إلى صف أهل الجنة ، بالأعمال والأقوال، وهو من إعجاز القرآن أن يلقي بالنفس في مشهدين متضادين ، أمام العين حتى يترك مشهد السوء أثر في النفس ، ومشهد السعادة يلجأ له بالروح والسعي.

ضرورة الإيمان بيوم القيامة هو من مقاصد السورة ، وأن إنكار البعث ويوم القيامة ، ليس إيمان حقيقي، وكذلك الإيمان بالجزاء والحساب والجنة والنار، كلها من مقاصد السورة. [2]


إن سورة المرسلات تدور حول فكرة رئيسية هامة ، ومحورية ، تشمل أغلب أياتها ، وهي إنكار البعث والحساب والنشور وإنكار الجنة والنار ، حيث أن كل أية تحكي وتؤكد سابقتها ، وتستشهد الأيات بخلق الله للإنسان المتكبر بما خلق ، وتشهده لنفسه على الكون وخلقه وتنظيمه وتدبيره بهذه الدقة وذلك الإعجاز، لذا فإن السورة تعتبر فكرتها المحورية هو يوم البعث ، و المكذبين بهذا اليوم ، وعذاب ما سيلاقونه، ونعيم المؤمنين.


أسباب نزول سورة المرسلات


قول أنها نزلت السورة في مكة، وذلك ما ذكره البخاري ، في حديث رواه عن ابن مسعود رضي الله عنه ، حيث قال أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة و دخلنا غار في منى ، ووقتها نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم سورة المرسلات، وكان الغار قريب من مسجد الخيف، أما الأيات رقم 48 [ وَإِذَا قِیلَ لَهُمُ ٱرۡكَعُوا۟ لَا یَرۡكَعُونَ ] ، وهي لتبين حال النفاق ، وأهله ، للمسلمين. [3]


دروس مستفادة من سورة المرسلات


يستفاد في الحياة العملية من سورة المرسلات ، وكذلك في الجانب الشرعي الكثير من الأمور ، منها مثلاً بعض الدروس التي تؤثر في النفس والعقيدة والحياة، ومن تلك الدروس أن التكذيب بيوم الدين و الحساب والبعث ، أمر شديد وعذابه ليس هين ، وأن التكذيب ليس شرطا أن يكون باللسان والقول ، فهناك تكذيب القلوب، والتي تغفل عن العمل وذكر الله.


يستفاد كذلك من سورة المرسلات، توحيد الله سبحانه وتعالى، وأنه لا شريك له، لا من ولد ولا من صاحبة له ، وأن الاستعانة به في الطاعة والعقيدة والتوحيد، ولن يزيد المكذبين بيوم الظين إلا زيادة في الضلال والعذاب في الاخرة ، و أن على الإنسان أن يعترف بضعفه وقلة خيلته ، المخلوق من ماء ضعيف، ولولا فضل الله عليه ما كان ، وأن يعترف بقدراته الضعيفة ، وأنه لا يملك لنفسه من الله شئ ، وهو ما يعطي البشر درسا هام وهو أن القادر هو الله وان لا استعانة إلا بالله، وأن غير الله زائل ضعيف.


التكذيب بيوم الدين يورث صاحبه عذاب شديد ، في يوم لا ظل فيه ، واللهب من كل جانب يحيط بمنكري البعث، وأن الجنة مستقر لمن أمن بالله ، وبالحساب ، وذلك لأن الإيمان باليوم الآخر من الاصول الخمسة للإيمان ، والتي بدونها لا يصح إيمان.


من الدروس المستفادة من سورة المرسلات التدبر في خلق الكون والناس ، والعمل على إعمال التفكير في خلق الله ، وتلك الجبال التي عرف العلم الأن بعد ألاف السنين حقيقة سبب وجودها ولو أنها مذكورة في القرآن الكريم منذ ألاف السنين، وهي تحعل الارض راسية لا تميد بأهلها يمينا وشمال، وكذلك معجزة خلق الإنسان وقد ذكر الله سبحانه وتعالى أنه خلق الإنسان من ماء ضعيف ، ليأتي العلم بعد كل هذا الزمن البعيد ليؤكد أن الإنسان خلق من ماء الرجل والمرأة.


من جميل الدروس المستفادة من تلك السورة المباركة ، أن يتعلم الإنسان أسلوب طرح الأفكار ، فكيف أن السورة ذكرت الأدلة العقلية والحجج والبراهين على أن الله خالق للكون ثم عرجت على جزاء المخالف، وهو ما يجب على كل منذر أو معلم أو مربي أن يعرض أفكاره وأدلته وحججه ، ثم يوضح عقاب من خالف، حتى يكون المرء بدراية بحقيقة ما هو مطلوب منه ، وعلى يقين بعقاب مخالفته،وهو أسلوب أكثر تأثير من مجرد عرض العقوبة والتشديد مباشرة. [2]