فوائد سورة الشمس الروحانية


متى نزلت سورة الشمس

إن سورة الشمس هي أحد السور القرآنية المكية، والتي قد نزلت على الرسول صلَّى الله عليه وسلم في مكة المكرمة عقب نزول سورة القدر، وهي بالجزء الثلاثين من المصحف الحزب السِّتين، وقد أتى رقمُ سورة الشمس من حيث الترتيب في الواحدة والتسعون، أما عن عددُ آياتِها فهو خمسة عشر آية،وقد عرفت باسم الشمس نسبب أن ألله سبحانه قد أقسَمَ بالشمسِ في أول آياتها، إذ قال جل وعلا (والشَّمسِ وضُحاها) لذا سميت بسورة الشمس لأنها أفتُتحت بالقسم الإلهي بالشمس التي تشع نوراً تُضيء به الكون. [1]، [2]

كما تتناسب سورة الشّمس مع السورة التي قبلها بالترتيب في المصحف الشريف وهي سورة البلد في أمرين مختلفين أولهما أن الله تعالى ختم سورة البلد بذكر كل من أصحاب المَيمنة وأصحاب المشأمة كما عرف بها سبحانه كلّ فريقٍ منهم، تلاها سورة الشّمس التي بين الله جل وعلا المُقصود بكلا الفريقين عبر عمل كلّ منهما؛ حيث ذكر في سورة الشمس: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا )، كما أوضح الله سبحانه وتعالى بأواخر آيات سورة البلد نهاية ومَصير الكفار وما ينتظرهم من جزاء يوم القيامة، في حين ورد في سورة الشمس عقاب هؤلاء الكفّار بالدنيا الذي ينتظرهم، ذلك العقاب هو الهلاك.

فوائد سورة الشمس

مثل العديد من سور القرآن الكريم لم يرد في فضل وفوائد سورة الشمس الروحانية أحاديثُ تتعلق بالسورةِ بشكل خاص قد تحدث بها الرسول صلَّى الله عليه وسلم، بل إنَّ كافة ما قد وردَ عن فضلها ما هو إلا أحاديث موضوعةٍ بمعنى أنه لا حقيقة لها ولا أصلَ ، مثل الحديث الموضوع الذي تم روايته عن سلمان الفارسي أنَّ رسول الله صلَّى الله عليه وسلم قد قال: (مَن صَلَّى يَومَ الفِطرِ بعدَ ما يصلِّي عِيدَه أَربعَ رَكعاتٍ، يقرأ فِي أوَّل رَكعةٍ بفَاتحةِ الكتابِ و سبِّحِ اسمَ ربِّكَ الأَعْلَى، وفي الثانيةِ: بـ والشَّمسِ وضُحَاهَا وفي الثَّالثةِ والضُّحَى وفي الرَّابعةِ قُل هوَ اللهُ أحَدٌ، فكأنَّمَا قرَأ كلَّ كِتابٍ أنزَله اللهُ على أنبيائِه، وكَأنَّما أشبعَ جَميعَ اليَتامَى، ودهَنهم، ونظَّفَهم، وكانَ لهُ من الأجرٍ مثلُ ما طلعَت عَليه الشمسُ، ويُغفَرُ لَه ذنوبُ خَمسينَ سَنةً).

في حين أن فضل سورة الشمس مثلها مثل فضلِ غيرها من سورِ القرآن الكريم، حيث يترتب على قراءتِها مثل قراءةِ القرآن الكريم جميعه فيكون للمسلمِ عن قراءتِه ثواب وأجرٌ عظيم وفضل كبير لا يعلم قدره إلا الله سبحانه، حيث ورد حديث شريفِ رواهُ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى الله عليه وسلَّم قد قالَ: (من قرَأ حَرفًا من كِتابِ اللهِ فلَه به حسَنةٌ، والحَسنةُ بعشْرِ أمثالِها، لا أقولُ “ألم” حرفٌ، ولكن ألفٌ حرفٌ، ولامٌ حرفٌ، وميمٌ حرفٌ). [2]

إلى جانب ذلك فإن فضائل سورة الشمس وفوائدها الروحانية تتجلي فيما قد أتى بها من أوامر وأحكام ذكرها الله سبجانه على عباده المؤمنين في آياته الحكيمة، مثل الحثِّ على عدم اتّباع الهوى وتنزيه النفس والتمسك بما جاء بها من العظة والعبرة في آياتها الكريمة.

قسم سورة الشمس

بدأت آيات سورةُ الشمس بالإشارة نحو آياتِ الله سبحانه الخابة في ذلك الكون العظيم، حيث أقسَم الله جل وعلا بالشمس يليها القمر ثمَّ بالنَّهار ثمَّ بالليلِ ثمَّ بالسماء ثمَّ بالأرض؛ إذ أن جميعها وكل منها يمثل آية عظيمة يعجز العقل البشري عن فهم خلقها وتكوينها أو كشفِ أسرارِها، ثمَّ  ورد في الآية القسن الإلهي بالنفسِ البشرية نفسِها باعتبارها هي ذلك اللغزُ الذي لن يتمكن إنسان على إدراكه مهما قد بلغوا من التطور والعِلم، فقد قال الخالق سبحانه: “والشَّمسِ وَضحَاهَا، وَالقمَرِ إذَا تلَاهَا، والنَّهارِ إذَا جلَّاهَا، واللَّيلِ إذَا يغشَاهَا، والسَّمَاءِ ومَا بنَاهَا، والأَرْضِ ومَا طحَاهَا، ونَفسٍ ومَا سوَّاهَا).

ثمَّ أوضحت الآيات المكونة للسورة الكريمة النصير الذي ينتظر كل من الفريقين من مؤمنون وكفار، الذي يزكِّي النفس البشرية بتجنب الذنوب ومن يدنِّسُها بالمعاصي و الآثام، إذ قال سبحانه (قدْ أفلَحَ منْ زكَّاهَا، وقَد خابَ منْ دسَّاهَا)، وذكرَ في ختام السورة ذكر قصة ثمودَ وهم قوم كفروا بآياتِ الله وكذَّبوا نبيه صالح عليه السلام وقد ذكرت آيات سورة الشمس أنَّ المصير الذي ينتظرهم هو العقاب والهلاك الشديد وشددت على أنَّ الله سبحانه لا يخشى عاقبة تدميرَهم، وهو ما ورد في قوله تعالى (فكذَّبُوهُ فعقَرُوهَا فدمْدَمَ عليهِمْ ربهُمْ بِذنبِهِمْ فسوَّاهَا، ولَا يخافُ عقبَاهَا). [3]


ذكر قوم ثمود في سورة الشمس

ذكر الله سبحانه وتعالى عبر آيات سورة الشمس عن قوم ثمود وهي قبيلة قد تجاوز وتمادى أهلها بطُغيانهم كل الحدود؛ وذلك حينما قام أشقاء ثمود (قدار بن سالف) بالفعل الأثيم وهو عقر الناقة، بعد أن كان النبي صالح عليه السلام قد حذّرهم من عقر تلك الناقة، وحثهم على تركها وشأنه، وهو ما ورد في قول الله سبحانه وتعالى (هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً، فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ، وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ، فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ)

،

ولكنهم على الرغم من ذلك كذّبوا رسول الله لهم صالح عليه السلام، لذلك كان مصيرهم أن أهلكهم الله بالصّيحة التي قضت عليهم جميعاً صَغيرهم وكبيرهم.

وفي ذلك الصدد ذكر المفسِّرونَ أنَّ قوم ثمود كانوا اجتمعوا في يوم بناديهم فأتى إليهم نبي الله صالح عليه السلام يدعوهم إلى عبادة الله سبحانه وتعالى، فكان رد قوم ثمود عليه: (إن أنت أخرجت لنا من تلكَ الصخرةِ ناقةً صفاتُها كذا وكذا -وحددوا له في تلك الناقة بعض الصفات)، فأجابهم النبي صالحُ عليه السلام: (أرأيتُم إن جئتكُم بما طلبتُم، أتؤمنونَ بي وتصدقونَ رسالتي؟، فكان ردهم عليه بالموافقة، فتوجه إلى مُصلَّاه وبدأ في التضرع والدعاء إلى الله سبحانه أن يستجيب لدعوته وأن يلبي ما طلبَه القوم منه.

وبالفعل قد أجاب الله سبحانه ما دعاه به نبيِّهِ ومن ثم تحوَّلت الصخرةُ التي أمامهم إلى ناقةٍ عظيمةٍ بما وضعوه من الصفات ذاتها، وفور أن شاهدوا هذه الآية العظيمة والمشهد الهائل الذي أذهَلهم قام البعض منهم بالإيمان بصالح وربه، في حين ظل منهم الكثير على جحودهم وكفرِهمم، وظلت الناقةُ آيةً باقيةً بينهم، حيث قال الله تعالى: (هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ).

إذ كانت الناقةُ بمثابة اختبارًا لهم وهو ما كان عن طريق أن تحدد لها يوم كاملٌ تشرب كل الماءِ به من البئرِ مما جعل قوم ثمود مضطرون لكي يتزوَّدوا بالماء الانتظار لليوم المحدَّد لهم، وحينما قد ضاقوا بها ذرعًا قاموا بالاجتماع واتفقوا على عقر هذه الناقةَ  فأهلكهم الله سبحانه ولهم عذابٌ أليمٌ يوم القيامة، وفي ذلك ورد قول الله تعالى: (فكَذَّبُوهُ فعقَرُوهَا فدمدَمَ عليْهِمْ ربُّهُمْ بذنْبِهِمْ فسوَّاهَا، ولَا يخَافُ عقبَاهَا)، كما قال الله تعالى: (فنادَوْا صاحبَهُمْ فتعَاطَى فعقَرَ، فكيْفَ كانَ عذابِي ونذُرِ). [4]