فوائد سورة الشعراء الروحانية
سورة الشعراء و فضلها
الروحاني
لقد فضل الله تعالى البعض من كلامه على البعض الآخر، حيث ذُكرت أحاديث متعددة في فضل مجموعة من السور والآيات على غيرها، ومن تلك الأحاديث الصحيح والضعيف [1]، كما أن سورة الشعراء من حيث موقعها في المصحف الشريف هي السورة 47 وفقًا لترتيب نزول السور، بالإضافة إلى أنها السورة 26 تبعًا لترتيب المصحف العثماني، وقد نزلت بعد نزول سورة الواقعة، وكذلك قبل سورة النمل، إلى جانب أن عدد آياتها هو 227 آية، وهي من السور المكية بحسب ما قاله غالبية أهل العلم. [2]
وقد قام الإمام
أحمد
و
أبو يعلى
في (مسنديهما) بالرواية عن
معقل ابن يسار
رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [
ألا إني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول، وأعطيت طه، والطواسين، والحواميم من ألواح موسى]،
والشاهد في الحديث قوله: (
والطواسين
)، والمقصود منها سور الشعراء، القصص، والنمل، إذ أن سورتا الشعراء والقصص بدأتا بقول الله سبحانه وتعالى: “
طسم”
، وأيضًا بدأت سورة النمل بقول الله عز وجل: “
طس”،
وقد روى
القرطبي
عن
البراء بن عازب
رضي الله عنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: [
إن الله أعطاني السبع الطوال مكان التوراة، وأعطاني المبين مكان الإنجيل، وأعطاني الطواسين مكان الزبور، وفضلني بالحواميم والمفصل ما قرأهن نبي قبلي]
. [2]
ما الحكمة في
سورة الشعراء
الاسم الأشهر الذي تُعرف به السورة هو (الشعراء)، حيث قال
المهايمي
:(سميت هذه السورة بها؛ لاختصاصها بتمييز الرسل عن الشعراء؛ لأن الشاعر إن كان كاذباً، فهو رئيس الغواة، لا يتصور منه الهداية، وإن كان صادقاً، لا يتصور منه الافتراء على الله تعالى)، ومما تم ذكره أن ورود الشعراء فيها، لتوضيح أنهم لا علاقة لهم بالرسالة النبوية، وحتى يتم تبرئة مقام الرسول صلى الله عليه وسلم، ولقد قال
الفيروزآبادي
: (سميت سورة الشعراء؛ لاختتامها بذكرهم في قوله: “
والشعراء يتبعهم الغاوون” [
الشعراء: 224])، كما أنها تُعرف كذلك باسم (الظلة)، وذلك بسبب قوله تعالى فيها: “
فأخذهم عذاب يوم الظلة”
[الشعراء: 189]، وأيضًا قال
ابن كثير
أنه ورد في تفسير
مالك
المروي عنه أنها سُميت (الجامعة). [2]
والحكمة النهائية من سورة الشعراء تكمن في تأكيد توحيد الله عز وجل، بالإضافة إلى الخشية من الآخرة والتصديق بوجود الوحي الذي أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله عليه الصلاة والسلام، إلى جانب تخويف العباد من عاقبة الكذب، سواءً كان من خلال عذاب الدنيا أو عن طريق عذاب الآخرة الذي يتعرض له الكافرين نتيجة الكذب، وكذلك الحكمة من سورة الشعراء بالإجمال يمكن بيانها في الآتي: [2]
- تحارب السورة التكذيب الوارد من قبل مشركي قريش للنبي عليه الصلاة والسلام، كما تحذرهم من استهزاءهم بالرسالة، وإعراضهم عن الآيات المُنزلة من الله تعالى، واستخفافهم بالعذاب الذي تُوعدوا به لدرجة استعجاله، بالإضافة إلى أنهم قالوا على القرآن والوحي أنه عبارة عن شعر أو سحر نزل عليهم بواسطة الشياطين.
- بيان مكانة القرآن الكريم، وتوضيح أن المشركين عاجزين عن معارضته، كما ترد السورة على ما طعنوا به في القرآن، وأنه ذو قدر أكبر من أن يكون شعراً، أو أن يكون جاء من أقوال الشياطين.
- توعد المشركين أنه نتيجة موقفهم من دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم سوف يتعرضون لغضب كبير من الله عز وجل، وقد ذكر لهم مثل ما وقع بالأمم التي كذبت ما أرسل الله لهم من رُسل، والتي أعرضت عن آياته سبحانه وتعالى.
- تثبيت نبي الله صلى الله عليه وسلم على الرسالة، وألا يضعف أمام ما يقابله من إعراض قومه عن التصديق بالذي جاء به في القرآن الكريم.
-
احتوت سورة الشعراء على المناظرة التي حدثت بين النبي
موسى
عليه السلام مع فرعون، والذي عُرف بأنه زعيم الطغاة، والتي تضمت ذكر السحرة، وما يقومون به من خداع ومكر، ولكن وصل الأمر في النهاية إلى إيمانهم بالله سبحانه وتعالى. - كانت الحكمة كذلك من سورة الشعراء هي جعل المؤمنين يطمئنوا ويصبروا على ما يواجهون من قساوة المشركين، مما جعلهم يثبتوا على العقيدة مهما تعرضوا لأذى.
- من الحكم أيضًا تأكيد أنه يوجد آيات وحدانية، ورسل صادقين بكثرة لمن يبحث عن الحق، وأن غالبية المشركين لا يؤمنون لها، وكذلك تأكيد قدرة الله على إنزال العذاب بهم، وأنه ينصر رسله على الأعداء في جميع الأحوال.
هدف
سورة الشعراء
سورة الشعراء هي سورة مكية وقد تناولت واحدًا من الأمور الهامة التي يحتاجها الناس كثيرًا في الوقت الحالي، حيث إن آياتها تتحدث عن أفضل الأساليب المستخدمة في توصيل الرسالة، وذلك من خلال الإجتهاد في العثور على الوسيلة الممكنة لهذا بناءً على المكان والزمان، بالإضافة إلى أنها ركزت على الحوار الذي دار بين الرسل وأقوامهم، إذ أنه كان يوجد لكل نبي أسلوب خاص به يميزه عن غيره في الحوار مع القوم، وذلك من الدلائل على أنه لكل زمن أسلوب خاص به في الدعوى، وهو قائم على القوم ذاتهم وعلى الوسائل المتوفرة للدعوة في أي وقت من الزمن.
والسورة تشير إلى الإعلام والشعراء، والذين يعتبرون رمزًا للإعلام، وبالأخص في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان شعراء الإسلام هم الوسيلة الهامة التي تؤثر في المجتمع في هذا الوقت، وخاصةً أن الشعر والفصاحة كانا وسيلة تخاطب العرب، والطريقة التي تُفكر بها عقولهم، بينما في عصر النبي موسى عليه السلام كان السحر هو المعروف، لهذا كانت حجة موسى هي السحر، لذلك كان هدف السورة هو توضيح أنه في كل الأزمان تعتبر وسيلة الإعلام هي سلاح ذو حدين، فقد يتم استعمالها بغرض الهداية أو الضلال عن طريق الله عز وجل.
سبب نزول سورة الشعراء
اختلفت أسباب نزول السور في القرآن وتعددت، وعند الحديث عن سورة الشعراء يتم ملاحظة أنها تتكون من 227 آية، كما أنها نزلت في بعض المواضع المتنوعة، حيث إن منها ما نزل في المدينة المنورة والبعض الآخر في مكة، بالإضافة إلى أنها من السور التي يصعب تحديد أسباب نزولها.
إذ أن الأسباب عديدة وليس من السهل جمعها واحد أو اثنين، ولكن من الواضح من اسمها أنها تشير إلى أن سبب النزول هو الرد على مزاعم المشركين عندما افتروا على الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث قالوا عنه: (إنه شاعر يبتدع الكلام من عنده ولا يُوحى إليه)، أو أنه من أسباب النزول هو الرد على الهجوم الذي قام به شعراء المشركين.
إذ أن الله سبحانه وتعالى رد عليهم بواسطة أداة استثناء وكان هذا في قوله تعالى: “وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا ۗ وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ” [الشعراء: 224- 227]، كما ذُكر
عن أبي الحسن مولى بني نوفل أنَّ عبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت ذهبا لنبي الله عندما نزلت الشعراء وهما يبكيان وهو كان يقرأ: “والشعراء يتبعهم الغاوون ” [الشعراء: 224]، حتى وصل إلى الآية “إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات” [الشعراء: 227].