ما معنى الإيثار والاستئثار

المقصود بـ الإيثار

لقد أودع الله سبحانه وتعالى في خلق الإنسان الكثير من ملكات الخير مثل ملكة الإيثار، وتعني تفضيل الآخرين علي النفس، وتقديم حاجة الآخرين قبل النفس رغم الحاجة وبذلك يؤثر الانسان على نفسه مكاسب سواء كانت مادية أو معنوية، قال الله تعالى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}   [الحشر : 9]

وعندما يتحلى الإنسان بملكة الإيثار يمتد ذلك على كل الناس من حوله، ويظهر بروح العطاء، وكذلك يغلب علي سلوكه التضحية والبذل الدائم وقد تصل إلي تقديم حياته من أجل تفضيل الناس ونَفعهم وكذلك بذل قصارى جهده من أجل الوطن، تتسم هذه الملكة بكثرة البذل والعطاء فتجعل الانسان أينما حل معطياً، ولا تقف هذه الملكة عند حدود دائرته الاجتماعية من الأهل والأقارب ولكن تمتد لعموم الناس، وتمتد معها الثقة والمحبة وجسور التعامل.[1]

المقصود بـ الاستئثار

الاستئثار عكس الإيثار، فهي صفة اذا اتصف بها الإنسان تكون صفة سيئة فيه، فهي تعبر عن شدة حرص الفرد على اخذ النصيب الاكبر في اي شئ يخضع تحت إرادته،وقد تصل ذلك إلى حد الاستبداد.

وفي الفترة الحالية يُعاني المجتمع في جميع مجالات التعامل من عُقدة الاستئثار أو بمعني أخر من شراهة تملك كل شئ، وذلك يفوق حاجة الإنسان الطبيعية والاعتيادية، فيتحول كل شئ حول الإنسان الى فرصة إما للأخذ أو الاستلاب ،وحينما يكون المُؤثر لديه الاستعداد على بذل وعطاء كل شئ لشعبه، وكذلك التضحية حتى الموت، والحفاظ على كرامته، يكون المُستأثر منشغلاً بنفسه،ويحتكر أي شئ يقع تحت يديه.

الإيثار مطلوب في جميع مجالات التعامل الاجتماعي، وقد أيد التاريخ ملاحم البطولة الأفذاذ الذين اتصفوا بالإيثار، أنقذوا أممهم من المحن، قما أعظمهم الذين باعوا دنياهم من أجل الدين والقيم،وضحوا بأرواحهم في سبيل الله، ونصرة الدين، ومن لم يُكتب له أن يكون معهم في المواجهة فليكن معهم بقلبه ولسانه وماله وما أوتي عنده من إمكانية، وروي عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أنه: (مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بالجِهَاد مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ). [1]

أعظم أنواع الإيثار


إذا كان الانسان محتاج وقد أعطي شئ لأحد فإن ذلك إيثار عظيم، وهذا الايثار شرعي وقد يكون في بعض أنواعه أسباب طبيعة، مثل إيثار الأم أبنائها على نفسها وتؤجر الأم على ذلك إذا أحتسب أجرها عند الله، فالأم تؤثر أبنائها على راحتها.

وفي حالة إذا كان الشخص الذي يؤثر أكثر عبادة وعلما ًوديناً فلا شك أنَّ الأجر يكون في إيثاره يكون ثوابه أكبر، ولذلك فإن إيثار النَّبيِّ (صلي الله عليه وسلم) على النَّفس ليس كإيثار غيره، و من القصص التي حدثت: عن بريدة قال: بينا رسول الله ( صلي الله عليه وسلم  ) يمشي إذ جاء رجلٌ معه حمارٌ فقال: يا رسول الله اركب فتأخَّر الرَّجل، فقال رسول الله (صلي الله عليه وسلم) : لا أنت أحقُّ بصدر دابَّتك منِّي.[2]

ووهذه القواعد الشرعيةٌ: أن يكون صدر الدَّابة أيَّاً كانت الدَّابة فصدرها يكون أحقُّ به صاحبها، وكذلك صدر المجلس يكون أحقُّ به صاحب المجلس، فيجب علي الإنسان عدم الجلوس علي صدر الدَّابة أو صدر المجلس إلَّا بعد أن يقوم باستئذان صاحب المجلس أو صاحب الدَّابة، فذلك الصَّحابي قد تأخَّر إلى الخلف ليركب النَّبيَّ ( صلي الله عليه  وسلم) في الأمام،فقد آثر الصحابي بالموضع الحسن، وذلك نوع من أنواع الإيثارأن تؤثر غيرك بالموضع الأكثر راحةً، فقال حينها النبي عليه أفضل الصلاة والسلام للصحابي : لا أنت أحقُّ بصدر دابَّتك منِّي إلَّا أن تجعله لي قال: فإنِّي قد جعلته لك، فالصَّحابي قد آثر النَّبيَّ (صلي الله عليه وسلم) ، و لكن يؤكد النبي أنَّ الأحقية لا تسقط إلَّا بإذن من صاحب الشأن وحين قال الصحابي: فإنِّي قد جعلته لك، فركب النبي (عليه أفضل الصلاة والسلام) [رواه أبو داود]، وقال الألباني: “حسنٌ صحيحٌ” صحيح صحيح سنن أبي داود].[2]

ونشاهد أو نعرف معنى الإيثار عندما نري أن شخص ما يؤثر حاجته وحاجة نفسه لكي يؤثر على غيره، وقد قال الله تعالى في سورة الحشر ( وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ)، ومن الشَّواهد أيضاً لهذا المعنى: قول الله تعالى في سورة الإنسان :(وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ) ، وكذلك قول النَّبيِّ (صلي الله عليه وسلم) : أفضل الصَّدقة: جهد المقل[رواه أبو داود1451، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود1449].[2]

ويعتبر المال أكثر شئ يحبُّه الإنسان، فإذا قلنا: أيُّ المنزلتين أفضل وأعلي ؟ الصَّدقة جهد المقل أم يطعمون الطعام على حبه أو وآتى المال على حبه، تعتبر الصَّدقة جهد المقل؛وذلك لأنَّ هذا كُلُّ ما يمتلكه الإنسان ،ولا يوجد أحد الا وكان يحب المال، حتي الغني الذي يمتلك الملاييز لو قام بإخرتج مليوناً فهو يحب هذا المال، وسوف يؤجر عليه، وذلك لأنَّه آتى المال على حبِّه وهو بالفغل يحبُّ هذا الشَّيء،و لكن الذي يقوم بإعطاء الشَّيء وهو يحتاج وليس فقط يحبُّه ويحتاجه  فيكون أجره عند الله أكبر، حيث أن الأجور عند الله تتفاوت وذلك بحسب الحاجة إلي الشئ التي تقوم بإيثارها، وكلما كان الشئ الذي تؤثر به أنت في حاجة له فإنك تؤجر عليه أجر كبير، وعلي ذلك فإن هؤلاء الذين يتصدَّقون وهم يحبِّون ما تصدَّقوا به قد لا يكون لهم به حاجة ولا ضرورة مما يعني أنهم يحبِّون المال الذي يتصدَّقون به، فلذلك لهم أجر يؤجرون عليه،ولكت الذي يؤثر المالي او الشئ الذي يتصدق به وهو به خصاصه فذلك أجره أكبر عند الله.[2]

وعلى سبيل المثال سيدنا أبو بكر الصديق يُعتبر من أصحاب المقام الرفيع والمقام الاول لما قام به فقد تصدق بماله كله، وعندها قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) : ما أبقيت لأهلك قال: أبقيت لهم الله ورسوله[رواه أبو داود1680، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود 1678].

مواقف إيثار السلف

قد سار السلف رحمهم الله علي نهج النبي عليه افضل الصلاة والسلام، ومن ذلك: ما جاء في موطأ مالك من بلاغاته عن عائشة زوج النَّبيِّ (صلي الله عليه وسلم) أنَّ مسكيناً سألها وهي صائمةٌ وليس في بيتها إلَّا رغيف، فقالت لموالاةٍ لها: أعطه إيَّاه، فقالت المولاة: ليس لك ما تفطرين عليه، فقالت أعطيه إيَّاه، قالت: ففعلت، قالت: فلمَّا أمسينا أهدى لنا أهلُ بيتٍ أو إنسانٌ ما كان يهدي لنا، يعني: هذه مفاجأة “أهدى شاةً وكفنَّها”،  ما هو كفن الشاة؟ جرت العادة عند العرب أو بعض العرب أنَّهم إذا أتوا إلى  الشَّاة ذبحوها وسلخوها وغطوها كُلَّها بعجين البُرِّ وكفنوها به ثُمَّ علَّقوها في التَّنور، فلا يخرج من دهن الذَّبيحة شيءٌ إلَّا في ذلك الكفن، وذلك من أطيب الطَّعام عندهم، فجاءت مفاجأةٌ إلى عائشة، فقالت المولاة: فدعتني عائشة فقالت: “كلي من هذا فهو خيرٌ من قرصك”[رواه مالك 1810].

االله سبحانه وتعالى يعجل في الدنيا أحيانا لمن تصدق،فمن ترك شيئا لله لم يفقده، بل يخلف الله عليه ويعطيه أفضل وأحسن في الدنيا كما يشاء وقد روى عن الطبري: عن نافع أنَّ ابن عمر اشتكى واشتهى عنباً، اشتكى: مرض، واشتهى عنباً يعني: هو مريضٌ ويشتهي شيئاً، فاشتُري له عنقودُ عنبٍ بدرهم، فجاء مسكينٌ يسأل فقال: أعطوه إيَّاه، فخالف إنسانٌ فاشتراه بدرهمٍ ثُمَّ جاء به إلى ابن عمر فجاء مسكينٌ فسأل فقال: أعطوه إياه، ثُمَّ خالف إنسان فاشتراه بدرهمٍ، نفس العنقود يتبع المسكين فيقول له: خذ درهماً أحسن من العنقود العنب واشتر به ما شئت، فأراد السَّائل أن يرجع يطرق الباب ويطلع بعنقود ثُمَّ يشترى منه بدرهم صارت تجارة، فمنعه بعض آل عمر، فبقي العنقود عند ابن عمر، ولو كان ابن عمر  قد عرف ذلك ما ذاق العنقود”[رواه الطبري].[2]