تضارب المصالح من منظورات متعددة
تضارب المصالح في الأدبيات المتعددة
تمثل ظاهرة تضارب المصالح ، أحد أهم الظواهر السلوكية ، و الأخلاقية ، التي أثير بشأنها ، و حولها العديد من النقاشات الأكاديمية ، و الإجرائية ، على الصعيد العلمي ، نظراً لخطورة ، و أهمية هذه الظاهرة ، التي عكفت الخبرات الدولية حول العالم ، على تنظيمها ، و تجنب آثارها ، و تبعات بعض حالاتها السلبية ، على مجال المسئولية ، و الوظيفة العامة .
وقد تم تعريفها ، في العديد من الأدبيات ، التي تخص علم الإدارة ، سواء علم الإدارة العامة ، أو علم إدارة الأعمال ، و الاقتصاد ، كما تم تعريفها ، في مجالات أخرى متعددة ، مثل مجال السياسة ، و علم الاجتماع ، و المجال السلوكي ، و مجال العلاقات الدولية ، و مجال القانون ، و مجال علم الأخلاقيات ، و غيرها.
أضف إلى ذلك ، ظهور هذه الظاهرة ، في المواقف المتعددة بين البشر بصفة عامة ، وبالتالي ، يمكن تصنيف هذه الظاهرة ، على أنها ظاهرة غير مستقرة ، قابلة للظهور في كل المجالات بين البشر.
تضارب المصالح من منظور الإدارة العامة
عرفت أغلب الدراسات ، مفهوم تضارب المصالح ، بأنه : التعارض الذي يحدث ، بين المصلحة العامة ، و المصلحة الخاصة ، وأن تضـارب المصالح ، يؤثر على موضوعية ، و اسـتقلالية ، القرار الإداري ، وذلك نتيجة تأثره ، بمصلحة شخصية ، أو نتيجة معرفته بالمعلومات السرية ، التي تتعلق بالقرار ، و تؤثر على موضوعية ، أداؤه الوظيفي ، وهو ما يعكس ، تشابه إلى حد كبير بينه ، و بين مفهوم الفساد.
كما عرفته العديد من التقارير الدولية ، على أنه الحالة ، التي قد يتأثر بها الشخص ، نتيجة وجود مصالح خاصة ، مالية ، أو معنوية .
كما عرفت ظاهرة تضارب المصالح ، على المستويات المؤسسية ، و التنظيمية ، و المعيارية ، بهدف تحليل المهام ، و المسئوليات الحكومية للحكومة في أي مجتمع ، و ذلك في ظل الاهتمام المتنامي ، للإدارة العامة ، بقضايا الكفاءة ، و الفعالية ، و الإنتاجية ، للعمل الحكومي.
وايضا سعت الدراسات ، إلى مناقشة ظاهرة تضارب المصالح ، على الجانبين الأخلاقي ، و التقييمي ، لعمل البيروقراطيين ، و السياسيين ، و علاقاتهم مع الجماعات والأفراد، حيث هدفت الدراسة إلى تفسير ، دور الأخلاقيات في منع تضارب المصالح للموظفين العموميين.[1]
تضارب المصالح من منظور إدارة الأعمال
يعرف مفهوم تضارب المصالح ، في مجال إدارة الأعمال ، على أنه الحالة التي تتضارب بها المصالح المالية ، و الشخصية ، لعضو مجلس الإدارة ، أو المدير التنفيذي ، في مؤسسة ، أو ، شركة ، و تتعارض مع المصلحة الرئيسية للمجلس .
كما أشير إلى مفهوم تضارب المصالح ، في سياسة الخدمة العامة بولاية كاليفورنيا، على سبيل المثال ، بأنه الفعل ، أو القرار ، الذي يصدر عن عضو مجلس ، أو عضو ، في هيئة عامة ، و يكون نتيجة تأثره بالمصالح الخاصة المباشرة ، أو غير المباشرة ، و العلاقات المالية ، و تؤثر على الأداء المهني.
وكذلك يصنف متخصصو علم إدارة الأعمال ، هذا المفهوم على أنه العلاقة ، التي تكون بين المستثمرين ، وبين المساهمين والملاك ، في الشركات ، و بين أصحاب المصالح ، و المديرين التنفيذيين.
حيث أن مجالات عمل الشركات الخاصة ، تختلف بشكل كبير ، عن تلك في القطاعات الحكومية ، لكنه بصفة عامة ، يظهر التناقض ، أو التعارض ، بين المصالح بناء على قيام أحدهم ، بتغليب مصلحته الخاصة ، على المصلحة الأساسية للمنظمة أو الشركة.
تضارب المصالح من المنظور القانوني
يعرف تضارب المصالح من المنظور القانوني ، على أنه جريمة ، ترتبط بوجود مصلحة خاصة يقوم بها الأشخاص ، داخل المنظمات ، وتؤدي إلى تحقيق نفع خاص ، له ومن ثم يتحقق الضرر.
وبالتالي ، يتحول الشخص ، إلى المسائلة القانونية ، لأنه ارتكب جريمة ، تستحق العقاب ، مثل قيام الأشخاص ، بتلقي رشوة ، أو اهدار المال العام ، و هي تصنف ، تحت بند جريمة الفساد الإداري ، التي قام بها الشخص ، في المنظمة ، و يصبح في نظرالقانون ، مجرماً ، أضر بالصالح العام.
وقد عرف هذا المفهوم ، في العديد من القوانين ، حول العالم مثل القانون المصري ، و الكندي ، حيث عرفها القانون الكندي ، على أنها الحالة ، التي يكون بها الفرد ، في موقف تعارض ، بين المصالح الاقتصادية الخمس ، و بين أدائه الرسمي ، في الوظيفة أو المنصب العام.
تضارب المصالح من المنظور السياسي
يرتبط مفهوم تضارب المصالح ، في المجال السياسي ، ببعد المصالح السياسية ، حيث يقوم هذا المفهوم ، على فكرة تحقيق الحياد السياسي ، و التي ترتبط بفكرة ، تحقيق النزاهة في الوظيفة العامة . حيث يحتم على الموظف ، ضرورة الابتعاد عن تحقيق أي تحيز سياسي .
من شأن التحيز ، لصالح حزب سياسي ، أو جماعة ينتمي إليها ، أن يضعف أداء الموظف العام ، حيث يدخل ضمن وجود اتفاق ، او معاهدة ، بين الموظف العام ، و المنظمة التي يعمل بها.
حيث يتطلب منه ، ضرورة أداء مهمته الوظيفية ، مبتعدا عن الخلافات السياسية ، و الولاءات الحزبية ، و الالتزام ، بعدم مشاركته في حالات ، من شأنها اضعاف قدرته على تنفيذ واجباته تجاه المنظمة العامة بها .[2]
تضارب المصالح من المنظور الأخلاقي
يصنف الباحثون في مجال علم الأخلاقيات ، قضية تضارب المصالح ، على أنها قضية أخلاقية ، تقوم على قيام الفرد ، باتخاذ قرار غير أخلاقي ، بدافع تحقيق منفعة ، على حساب منفعة الجماعة ، التي ينتمي إليها ، أو المنظمة التي يعمل بها ، أو الشركة ، و غيرها.
وقد يتخذ الفرد قرار غير أخلاقي ، بدافع تحقيق منفعة غير قانونية ، على حساب مصلحة الطرف ، الذي يقوم بخدمته ، مثل المحامي ، و موكله ، على سبيل لامثال. و في هذه الحالة ، يكون تضارب المصالح متعارضاً تعارضاً تاماً مع القيم الأخلاقية.
تضارب المصالح من المنظور الاجتماعي
يحدث تضارب المصالح بين الأفراد بصفة عامة ، في مواقف متعددة على المستوى الاجتماعي ، في سياق تفاعل الأفراد ، بين بعضهم البعض ، ففي المواقف التنافسية قد يحدث تضارب المصالح ، لأن المفاضلة ، تصبح شرطاً اسياسياً ، للاختيار بين أفضل المتنافسين ، وبالتالي يكون تضارب المصالح ، في هذه الحالة مطلب حيوي ، و ضروري ، لتحقيق المفاضلة .
في حين يظهر تضارب المصالح ، في سياق التفاعل بين الأفراد ، في أوقات الحوار والخلاف بين وجهات النظر الاجتماعية ، حينها يكون تضارب المصالح ، مطلب اساسي ، لأن الحوار مكسب من مكاسب الديمقراطية ، و الحوار الديمقراطي ، و عليه ، يكون الاختلاف في وجهات النظر ، أمر ضروري ، لتحقيق تعددية وجهات النظر ، و الاستفادة بين الأفراد من بعضهم.
تضارب المصالح من المنظور المهني
يمتهن غالبية الأفراد مهن متعددة ، ويكون كل شخص في كل مهنة ، في موضع خدمة ، يجب أن يحققها تجاه الفرد الآخر ، الذي يقوم بالدفع له ، مقابل الحصول على خدمة.
فسائق التاكسي على سبيل المثال ، يقوم بتوصيل الأشخاص ، إلى وجهتهم ، التي يبتغون الوصول إليها ، وبالتالي يكون السائق ، في موضع تقديم خدمة ، للراكب ، أو الزبون ، حيث أن الأخير ، يدفع له ، مقابل الحصول على خدمة ما ، والأول يقوم بتأدية مهمة التوصيل ، دون أن يكون هناك تعارض ، مع أي من القيم الأخلاقية ، التي تحكم التفاعل بينهما.
أو أن يحقق مكسب مادي ، اضافي ، أو أن يكون الزبون ، غير راضي عنه ، و في هذا الموقف يحدث تضارب المصالح ، بسبب وجود عدم الرضا ، من جانب الطرف الذي يتلقى الخدمة.
تماماً مثل الشركة ، التي تقوم بانتاج منتج معين ، لبيعه للعملاء ، فإذا كان العميل ، راض عن الخدمة المقدمة إليه ، تصبح العلاقة مستمرة ، بين الشركة وبين العملاء ، و تضمن استقراريتها ودوام التعامل معها ، لتحقيق الربح للشركة ، دون وجود تضارب في المصالح يذكر بين الطرفين .
وفي هذا الإطار تتحكم العلاقات المتخصصة ، والمهنية ، والمحددة ، في اظهار درجة تضارب المصالح بين الأطراف ، ويصبح هذا المفهوم قابل للنقاش من اكثر من منظور.[3]