العلاقة بين ضبط تضارب المصالح والحوكمة
مفاهيم متعلقة بتضارب المصالح والحوكمة
في عالم الإدارة والمنظمات ، تتواجد العديد من الظواهر السلوكية التي تؤثر على أداء المنظمة ، أو المؤسسة بشكل كبير ، وهناك من الظواهر ما يمكن حسمه وتعريفه بشكل دقيق ، مثل تعريف الفساد على سبيل المثال ، فمعروف أن الفساد ظاهرة سلبية لها تأثيرها على أداء المنظمة ، والمتعاملين مع هذه المنظمة.
لكنه ثمة ظواهر ومفاهيم أخرى في علم الإدارة بصفة عامة ، لها أكثر من تعريف ، ولها أكثر من تطبيق ، فعندما يتعلق الأمر مثلا بظاهرة كظاهرة تضارب المصالح ، نجد أنها إما أن تكون صفة طبيعية يتم بها وصف مواقف قائمة الاختلاف في وجهات النظر ، مثل تضارب المصالح بين الموظفين في المنظمة ، أو التنافس والصراع.
أو ظاهرة ترتبط بوجود مصالح خاصة لدى الموظف داخل المنظمة التي يعمل بها ، وكذلك بالنسبة لمفهوم
الحوكمة
، فهي ذات استخدامات متعددة هي الأخرى ، فقد تكون الحوكمة بمثابة عملية تتكون من عدد من القواعد ، والإجراءات من أجل تعزيز الشفافية والنزاهة في المنظمة ، وقد تصبح الحوكمة بمثابة هدف تسعى المنظمات إلى تحقيقه ، ويطلق عليه في هذه الحالة “الحكم الجيد”.
وقد تكون الحوكمة عبارة عن علاقة بين الحكومة والجمهور مثلاً ، ولها عدد من الأبعاد المختلفة التي أقرها البنك الدولي لقياس الحوكمة في الدول حول العالم ، والتي تقوم على قياس جودة الخدمات الحكومية المقدمة ، واستجابة الحكومة ، والجودة التنظيمية ، والوصول للمعلومات ، والرقابة على الفساد ، وسيادة القانون. [1]
ضبط تضارب المصالح لتحقيق الحوكمة في المؤسسات
تنقسم المنظمات والمؤسسات ، وفقاً لنوع القطاع الذي تتواجد فيه هذه المؤسسات ، حيث تضم القطاع العام والقطاع لخاص والقطاع غير الربحي NGOs ، وعلى الرغم من اختلاف القطاعات ، إلا أن الهدف المطلوب تحقيقه يعتبر واحد بالنسبة لكافة المؤسسات في كافة القطاعات.
فحاجة المنظمة العامة إلى تحقيق الحكم الجيد تعزى إلى ، اهمية صيانة حقوق الموطنين كمتعاملين مع هذه الجهات الحكومية ، ومن ثم تحقيق الثقة المتبادلة بين الجمهور ، وبين الحكومة.
وحاجة القطاع الخاص لتعزيز الحكم الجيد تعود إلى ، أهمية صيانة ، وحماية حقوق المساهمين ، والملاك ، ومنع أوجه التلاعب غير القانوني من قبل المديرين التنفيذيين ، كما تعود أهمية تعزيز الحكم الجيد في القطاعات غير الربحية ، للحفاظ على الهدف الأساسي الذي قامت من أجله هذه المنظمات ، وهو الهدف غير الربحي لتحقيق رسالة المنظمة ، ورؤيتها بعيداً عن مواقف تضارب المصالح غير المقبولة.
ومن ثم تسعى غالبية المنظمات ، والمؤسسات إلى ضبط سلوكيات تضارب المصالح لتحقيق جودة القرارات ، ومنع الأزمات التي من شأنها تهديد الاستقرار الداخلي للشركة ، أو المنظمة ، وتحفظ بقاءها.
حيث أن مواقف تضارب المصالح هي مواقف قابلة للحل والضبط تفادياً لتحولها إلى الجانب السلبي الضار بالمنظمة.[2]
ومن شأن عمليات الضبط السلوكي لتضارب لمصالح أن تحقق المنظمات عددا من الأهداف ، التي تتمثل في التوازن بين مصلحة الموظف ، وبين مصلحة المنظمة ، أو حماية حقوق المنتفعين من هذه المنظمة.
وكذلك الحفاظ على سمع المنظمة في المجتمع ، فضلاً عن أهمية عمليات ضبط مواقف التضارب بدافع تحقيق معايير العدالة ، والمساواة ، والجودة في حالات الخدمات التي تقدمها المنظمات المنتجة للخدمات أو المنتجات ، كما تحقق معايير ضبط تضارب المصالح للموظفين ، والحفاظ على قيم النزاهة والشفافية داخل المنظمات.
عمليات ضبط تضارب المصالح لتحقيق الحوكمة
ربما تختلف مواقف تضارب المصالح من منظمة إلى أخرى ، ومن قطاع إلى قطاع آخر ، لكن الأهداف تكاد تكون واحدة والعمليات ، والاجراءات أيضا تكون واحدة في غالبية المنظمات ، فهناك عدد من القواعد ، والإجراءات التي تقوم المنظمات بتفعيلها ، من أجل تحقيق ضبط تضارب المصالح في المنظمات ، والمؤسسات ، وأهمها آلية مدونات قواعد السلوك التي تقوم غالبية المنظمات بصياغتها ، لتحقيق الضبط السلوكي للعاملين في المنظمات.
حيث تتمثل دور هذه المدونات في ضمان امتثال العاملين داخل الشركة ، لأنها تحدد قائمة القيم الأخلاقية ، التي تحقق رؤية ورسالة الشركة وأهدافها.
فالهدف الحقيقي من تفعيل مدونات قواعد السلوك تلك في الشركات الخاصة مثلاً ، هو ضبط سلوكيات المساهمين ، والمديرين التنفيذيين ، والعاملين ، وكذلك الأفراد المعينون في هيئات اخرى ، ولهم مهام استشارية وفنية وغيرها.
كما تتواجد عدد من الاجراءات الأخرى كتلك التي تقوم بتنفيذها الشركات الخاصة على سبيل المثال ، ففي حالات تضارب المصالح لأحد المساهمين في الشركة ، يحتم عليهم الابتعاد عن مواقع ووضعيات صناعة القرار نظراً لأنهم يكونون في هذه الحالة مسيطرين بشكل كبير.
كما يمتنع هؤلاء عن التصويت في حالة تعيين أحد أعضائهم في مجلس الإدارة ، حيث أن ذلك يكون من شأنه أن يحقق التحيز لصالح المساهمين ، وهو ما يضر بمعايير العدالة ، والانصاف ، والحيادية.
كما تأتي عمليات ضبط تضارب المصالح من أجل منع هؤلاء الأفراد في المنظمات من استغلال المعلومات السرية لتحقيق امتيازات خاصة لهم ، غير أن عمليات ضبط تضارب المصالح تضمن توازن مصالح كل من الجمهور ، أو العملاء كمتعاملين مع المؤسسات ، والمساهمين ، وملاك الشركات ، وأصحاب المصالح الخاصة.[3]
اجراءات وقواعد الحوكمة
يؤكد المتخصصون في مجال تنظيم تضارب المصالح ، والحوكمة على أهمية أن يكون هناك منظومة فعالة في كل مؤسسة وكل شركة ، والتي يحتم أن تقوم على الشفافية ، والنزاهة ، والمسائلة للإدارة العليا والعاملين داخل المنظمات.
ويكون ذلك لضمان تحقيق ثقة الجمهور بهذه المؤسسات ، وهي أولى أولويات الدول المتقدمة التي تسعى جاهدة لكسب ثقة الرأي العام في أجهزتها ومنظماتها.
وتعمل منظومة الحوكمة في المؤسسات من خلال جعل الفرد يقوم بممارسة عمله باستقلالية تامة ، وبشكل موضوعي بعيداً عن أي تحيزات مباشرة ، أو غير مباشرة مالية كانت ، أو معنوية من شأنها أن تؤثر على أدائه وتضر بسمة المنظمة.
كما يتم منع الأفراد من استغلال مناصبهم ، أو سلطاتهم داخل المنظمات للحصول على مزايا مالية ، حيث يمكن للموظف أن تكون لديه عدد من المصالح الخاصة ، مثل امتلاكه أسهم ، أو حصص ، أو قرابات مع أحد أفراد عائلته حتى الدرجة الرابعة ، أو أن يمتلك أعمال تجارية ، ومن ثم تكون معظم قراراته التي يقوم باتخاذها بحكم منصبه ، أو سلطته داخل المنظمة على قدر كبير من التحيز لصالح أعماله التجارية.
ولهذا السبب فقد سعت العديد من المنظمات حول العالم في الدول ، التي اهتمت بتعزيز منظومة الحوكمة بترسيخ مبادئ وقواعد الحوكمة من خلال تفعيل آليات ، وخطوات استراتيجية تنظيم تضارب المصالح ، وذلك للفصل بين المصالح الخاصة وبين المصالح الأساسية للمنظمة.
كما كانت الحوكمة بمثابة الشغل الشاغل لهذه الدول ، نظراً لأهميتها في تحقيق تغليب المصلحة العامة للمواطن ، والجمهور ، وتقوية أواصر الثقة بين كلاهما لكسب الحكومة لشرعيتها ، من خلال مايسمى بمبدأ الرضاء العام ، الذي تقوم الجهات الدولية بقياسه كمياً لتصنيف ، وترتيب الدول حول العالم ، وتحديد أكثر الدول وأقلها ، من حيث معيار الرضاء العام الذي يقيس أداء الحكومة ومدى فاعليتها تجاه المواطن وخاصة في مجال الخدمات العامة.
كما اهتمت المنظمات الدولية في مجال مكافحة الفساد بقياس الحوكمة وتصنيف الدول حول العالم من حيث أكثر الدول التي قامت بتفعيل منظومة الحوكمة وبين أقلها ، وقد ظهر مؤخراً تقرير الشفافية الدولية 2020 الذي صنف درجة التقدم والتأخر بين دول العالم لقياس الشفافية والحوكمة في أجهزتها.