اسباب ظهور الزهد في العصر العباسي
ما هو الزهد
يعرف الزهد في اللغة على أنه القدر القليل جدا من الشيء ، ويمكن أن يعني أيضا ترك الشيء ، أو عدم الحاجة له أبدا إذا قيل أن الشخص زهد في شيء ، أو زهد عن شيء ، ويكون تركه لعدة أسباب منها خوفا منه ، أو تركه لقلة قيمته ، واحتقاره وغيره من الأسباب ، أما الزهد في الشرع ، هو ابتعاد الشخص عن كل شيء أمرنا الله سبحانه وتعالى باجتنابه ، فيبتعد المرء عن المعاصي خوفا من عذاب الله ، ويمكن أن يكون الزهد أن يأخذ المرء ، ومن الشيء ما يحتاجه فقط ، ويزهد عن الفائض ، ويعرف الزهد في الشرع أيضا أنه البعد عن الدنيا ، وملذاتها ، والتستر عن أعين الناس ، والتقرب من الله وحده . [1]
خصائص شِعر الزُّهْد
يختلف شعر الزهد عن باقي الأغراض الشعرية ، لامتلاك بعض الخصائص التي تميزه عن غيره تتمثل في التالي :
- يتبع شعراء الزهد مذهب إسلامي مستقيم ، يرفضون فيه الدنيا ومتاعها ، وملذاتها .
- يعتبر الطابع الغالي على شعر الزهد هو التعليم ، حيث تأتي معظم كلماتهم بصيغة النصح ، والإرشاد ، ومثال على ذلك قول الخليفة البهلول في عهد الخليفة الرشيد :
دعِ الحِرص على الدّنيا
وفي العيش فلا تطمعْ
ولا تجمعْ مِنَ المال
فلا تدري لِمن تجمعْ
- يكثر شعراء الزهد أيضا من ذكر الموت والذي فهم يؤمنون أنه أخر ما سينتهي إليه الإنسان ، ولا يستطيع أحدا الهروب منه ، ويقول أبو العتاهية في ذلك :
أَنْســاكَ مَحْياكَ المماتا
فَطَلَبْتَ في الدُّنيا الثَّباتا
وَثِقْـتَ بالدُّنيا وأَنْــ تَ
تَرى جَماعَتَها شَتاتَا
هَـلْ فِيهما لكَ عِبْـرةٌ
أَمْ خِلْتَ أنَّ لكَ انْفِلاتا
يا من رأى أبَوَيهِ فيـ
ما قَد رأى كانا فماتا
- تعتبر المفردات المستخدمة في شعر الزهد سهلة ، وبسيطة للغاية ، فيبتعد شعراء الزهد بالبعد عن الألفاظ المعقدة ، لكي تصل نصيحتهم للقارئ بسهولة :
-
يتأثر
شعراء الزهد
بالقُرآن الكريم ، وآياته ومفرداته ، ومِثال ذلك أبيات أبي العتاهية التي تأثّر فيها بالآية الكريمة : (وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ) من سورة المرسلات .
يا عجباً كُلُّنا يَحيد عن الحنين
وكلٌّ لحنينه لاقي كأنّ حيّاً
قد قام نادِبُه والتّفّت السّاق
منها بالسّاق
- أحيانا تكثر أبيات القصيدة عن الحد المعتاد ، وأشهر مثال على ذلك قصيدة ذات الأمثال لأبي العتاهية ، حيث تتكون من 4000 بیتا ، وتلتزم هذه القصيدة بالقافية في بدايتها فقط، ومثال على أبياتها :
حسبُك ما تبتغيه القُوت
ما أكثر القُوت لِمن يموت
الفقر فيما جاوز الكِفافا
من اتّقى الله رَجا وخاف. [2]
أسباب ظهور الزهد في العصر العباسي
يعتبر العصر العباسي من أهم العصور التي يفتخر بها العرب ، وذلك لبلوغه مستويات عالية جدا من الحضارة ، والرقي ، والتطور ، حيث امتزجت فيه العديد من الثقافات المختلفة ، وانتشر انتشارا واسعا عن غيره من العصور ، حيث اهتم بالتدريب والترجمة ، والأدب ، وكان جميع الباحثين في هذا العصر يسلطون أنظارهم على هذا التطور العظيم ، وخاصة الأغراض الشعرية الجديدة التي طهوت في هذا العصر ، ولكنها لم تجد العناية الكافية لها ، حيث قـال مصــطفى هــدراه ” إن خط العصر العباسي من الدراسات الأدبية قليل ” .
أمـا جيرونيـام قـال : ” إن العصـر العباسـي كـان أقـل عصـور الشـعر العـربي حظـا من عناية الدارسين ” ، وسنوضح في السطور التالية
دور الزهد في العصر العباسي
.
أوضاع الدولة العباسية ودورها في ظهور الزهد
وينقسم العصر العباسي تاريخيا إلى ثلاثـة مراحـل
المرحلة الأولى التـي تبـدأ مـن 132ه-232هــ – ويعتبر العصر العباسي امتداد للعصر الأموي ، كمـا قـال أحمـد أمـين ” يخطـئ مـن يقـول أن هنـاك حـدودا فاصـلة بـين الـدولتين الأموية والعباسية ، وخاصة من الناحية الاجتماعية والعقلية” ، لذلك فالفصل بين العصري كان فصلا سياسيا فقط .
الحياة السياسية
كان العباسي ن مقتنعين بأحقيتهم للخلافة فلم يتهاونوا يوما في محاولة الحصول عليها ، ولكن كانت محاولاتهم في الخفاء حتى لا يحدث لهم ما حدث للعلويين من قبلهم من قتل وإراقة للدماء ، لذلك قام العباسيون وأطلقوا من خراسان ، ونجحوا في إشعال الفتنة بين كل من اليمانية والمضرية لمصلحة العباسيين ، وبدأت حواضر خراسان بالسقوط وكثرت الاستنجادات بالأمويين .
ولكن ملكهم مروان بن محمد كان منهمكا في حروب الخوارج حتى لاحقه العباسيون ، وقتلوه في بوصير ، وقيل أنهم دخلوا على أفراد البيت الأموي أيضا وفتكو بهم ، حتى أنهم لم يتركوا قبور الخلفاء على حالها فنبشوها أيضا ، وشوهوا الجثث باستثناء قبر كل من الخليفة عمر بن عبد العزيز ومعاوية ، وكانت هذه الأحداث والصراعات المتتالية لها أثر واضح ، وجلي على نفوس الشعراء فظهرت المذاهب الجديدة ، ومنهم من كان يؤيد العباسيين ومنهم من كان ضدهم ، ويقول شـوقي ضـيف ” ومعنى ذلـك
أن الثورة العباسية لأعجمية لم تكن ثـورة علـى العروبـة مـن ، حيـث هـي وإنمـا كانـت ثـورة من أجل تطبيق نظرية الإسلام في المساواة بين العرب والموالي” ، وأدت هذه الأحداث إلى حث الشعراء على التحدث ، وكل شاعر كان يتحدث على حسب منطقه ، ويختلف الزهد في العصر العباسي عن
الزهد في عصر الضعف
.
الحياة ال
ا
جتماعية
اعتاد العرب في العصر الجاهلي على الحياة الخشونة ، وكانوا يمتلكون نزعة عقلية خاصة ، إلى أن جاءت الإسلام وازدادت الفتوحات واتسعت رقعة الدولة الإسلامية ، فعرف العرب حياة الترف نتيجة اختلاط هم بالشعب الأخرى ، وزيادة الأموال في خزائن الدولة في العصر الأموي ، وبالرغم من ذلك، لم يصل الأمويين إلى الترف الذي وصل إليه العباسيون ، حيث قام العباسيون بنقل الخلافة إلى بغداد ، مما أدى إلى ورث الحضارات الموجودة بها من قبل، وكانت العقول اليونانية تبعث على الإشغال والتصنيف ، والعقل الهندي يبعث على الزهد ، والعقول الفارسية من بواعث الفنون والزخرفة ، مما أدى إلى اختلاط جميع هذه العقول بالعقل العربي فأصبح عقلا شاملا ، وأدت هذه العوامل إلى ظهور أنواع جديدة من الشعر منها الزهد ، وامتلأت الحياة في هذا العصر بالمجون ، وشرب الخمر وارتكاب المحرمات ، وكان هناك بعض الشعراء الذين حافظوا على مبادئهم وتعليمهم الدينية فكانوا يعظون الناس بأشعارهم في كل مكان حتى أنهم كانوا يقتحمون قصر الخليفة ليعظوه .
وكانت هذه أهم أسباب ظهور
تيار الزهد
في العصر العباسي الذي كان يسبقه التصوف، حيث كانت الحياة في العصر العباسي بين نقيضين حياة المجون والتعرف وحياة الزهد والوعظ . [1]