أسلوب ابن قتيبة ومنهجة

ابن قتيبة هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري ، وولد بمدينة بغداد وقال آخرون أنه ولد بالكوفة عام ٢١٣ هجريا ، وبالرغم من نشأته العربية إلا أنه من أصل تركي ، وقضى بن قتيبة فترة الصبا في الكتاب كان يحفظ القرآن والحديث ، والعلوم الشرعية الفقه والحديث ، وكان يدرس أيضا الشعر والحساب والنحو ، وظل يتنقل في المساجد ببغداد ليتلقى العلوم المختلفة من علمائها وشيوخها ، كما اهتم أيضا بقراءة الترجمات واستيعابها ، وتخصص الترجمات الفارسية تحديدا ، واشتهر بفقهه ولمع اسمه بين فقهاء بغداد والعرب ، وأكمل حياته بالتدريس والتأليف بمدينة بغداد حتى وفاته سنة 276 للهجرة ، وأحب كثيرا كل ما كتبه الجاحظ وانكب عليها ، بالرغم من أنه كان بتيار معاكس له ، فكان ابن قتيبة سنيا .

كان لابن قتيبة عدة مؤلفات منها(مشكل القرآن ، تأويل مختلف الحديث الفقه، ودلائل النبوة ، غريب القرآن، الاشربة، القداح ، كتاب الميسر ، الاختلاف في اللفظ، الرد على الجهمية ) ، ويعتبر من أشهر الكتب التي نشرت له المعارف ، وكان يتحدث به عن بداية الخليقة  ،  طوفان نوح وكان مصدره ترجمة التوراة ، وكتب أيضا في التاريخ  ،  والسيرة العديد من الكتب .

أسلوب ابن قتيبة ومنهجة

اعتمد ابن قتيبة في تأليف لكتاب الشعر  ،  والشعراء الذي يعتبر من أشهر


مؤلفات ابن قتيبة


ثلاث محاور رئيسية  ،  تتمثل في :


  • هدفٌ فِني

    : وهذا هو الذي أشار إليه وقام بتفصيل في مقدمة الكتاب ، فقام بقطع قصيدته على أساس زمني وذلك  ،  لأنه كان يظن أن لا يوجد زمن قديم مطلق  ،  أو حديث مطلق ، حيث أن القديم كان حديثا يوما ما قبل حدوثه ، والحديث سوف يصبح قديما بعد حدوثه ، فالجودة الفنية هي المقياس الوحيد لنجاح أي عمل أدبي من عدم نجاحه ، حيث يبني تصوره على قاعدة أنه لا يوجد ما يسمى بالشيء المقدس في الأدب ، كما أن العبقري لم تقتصر على القدماء من الشعراء فقط دون غيرهم ، بل هي سجية في خلق الله في كل زمان ومكان ، فالعقل الراجح والعبقري لا يقتصر على زمن معين  ،  حيث أن الشعر فن ممتد بين الحاضر والمستقبل .[1]

وقسم ابن قتيبة الشعراء إلى أربعة أقسام :


قسم حسن لفظه وجاد معناه

: ويميل هذا النوع من الشعر إلى بساطة الألفاظ وسهولتها ، وتقاربها في المخرج والنطق ، أما فيما يخص المعنى الجيد فمن وجهة نظره هو ما يحتوي على مدح ،  أو رثاء  ، أو زهد أو حكمة ، وبهذا المعنى يكون الذوق هو العامل الأساسي والمهم في أسلوبه النقدي ، ثم يأتي بعد ذلك تكوين اللغة والثقافة التي تنعكس على الإحساس  ،  وتعطي شعور الجمال والعظمة ، مثل قول أوس بن حجر :

أيَّتها النفسُ أَجْمِلي جزَعَا.             إن الذي تَحْذرين قد وقعَا

*ومثال آخر قول قائل في بعض بني أمية :

في كفة خير ان ريحه عبق.          من كف أروع في عرنينه شمم

يغضي حياء ويغضي من.            مهابته فلا يكلم حين يبتسم


قسم حسن لفظه

: فإذا بحثت في شعر هذا القسم لن تجد للمعنى قيمة فكان ابن قتيبة يبحث عن الفائدة الفكرية في الأغراض الشعرية ، فكان يود أن يجد مدلول تربوي  ،  أو معنى أخلاقي ، أو حكمة ، لذلك لم يكن يضع الغزل الرقيق ضمن الشعر الجيد فكان يرفضه  ،  بسبب انعدام فائدته الفكرية ، وكان قد همش العديد من القصائد المفيدة  ،  بسبب أنه لم يراها مناسبة لذوقه الفني ومن أمثلة ذلك قول جرير :

إن العيون التي في طَرفِها حَـوَر *** قتَـلْنَنَا ثـم لـم يحيينَ قتلانا

يَصرَعْنَ ذا اللُّبِّ حتى لا حراك *** له وهنَّ أضعفُ خلقِ اللهِ أركانا

و كقول القائل :

ولما قضينا من منى كل حاجة.       ومسح بالأركان من هو ماسح

وشدت على حدب المهارى رحالنا.    ولا ينظر الغادي الذي هو رائح

أخذنا بأطراف الحديث بيننا.          وسألت بأعناق المطي الأباطح


قسم منه جاد معناه وقصرت ألفاظه عنه

: وفي هذا القسم نتعرض لمشكلة التعبير الفني ،  فأحيانا لا يتمكن الشاعر من إخراج جميع ما يشعر به بداخله من شحنات  ،  وأحاسيس شعرية ، لذلك عند قراءتك لقصيدته تشعر أن ثمة شيء ما مفقود في البناء الكلي للقصيدة ، ولم يقم ابن قتيبة بتثبيت ذلك كمعيار للقيمة الفنية .


قسم من تأخر معناه وتأخر اللفظ عنده

: ويصنف ابن قتيبة هذا القسم على أنه أقل منزلة من الأقسام السابقة ، حيث يفتقر هذا القسم للفظ الحسن والمعنى ذات القيمة ، الذي يحمل ابتكار وفائدة ، مثل قول الأعشى يصف امرأة :

وفوها كأقـاحيٍّ *** غِـذاه دائـم الهطلِ

كما شيب براح با *** رد من عسل النحلِ


  • هدفٌ تاريخيٌّ

    : يقول ابن قتيبة : “ولا أحسَبُ أحدًا من علمائنا استغرق شعرَ قبيلةٍ حتى لم يَفُتْه في شعر تلك القبيلة شاعرٌ إلا عرَفَه ، ولا قصيدةٌ إلا رواها ” ويقصد بهذا أن يعطي صورة تاريخية لما يقوم به الشاعر من رواية علاقاته مع مجتمعه ،  وعصره والسلطة الموجودة بعصره ، فلا يقتصر الشاعر على إلقاء بيتين على سبيل المثال حتى محاسبه من الشعراء المتفوقين في عصره ، كما أنه أيضا لا يفضل الرواية عن أشخاص ليسوا شعراء من الأساس بل إنهم لزم الأمر أن يتفهوا ببعض الشعر في مناسبة ما .

  • هدف علمي

    : ويتعلق هذا الهدف بأخطاء اللفظ والمعنى في الشعر ، وتداولها بين شاعر وأخر وبين جيل وآخر ، مستغلا ذلك في التنبيه على الأثر التي تحدثه السرقة الأدبية في شعر المتأخرين .[2]

مكانة ابن قتيبة في نظم الشعر

لم يعرف عن الناقد الأدبي ابن قتيبة أنه نظم أبيات من الشعر  ،  خاصة به إلا أن هذه الأبيات نسبت إليه :

يا من مودته بالعيان.                   فإن غاب كانت مع الغائب

يا من رضى لي من موده             بفعل امرئ قاطع غاضب

بأي جرم قد أقعيتني.                  وألقيت حبلى على غاربه

ولقد ذكر في كتابه ” عيون الأخبار”  ،  أيضا أنه ارتجل هذا البيت فوصل به قوله :

لا الحق أن تعتب علي لأنني           جفوت وأنا تغتفر فلك الفضل.

وهذا بيت الشهر الذي اتفق الجميع على ملكيته لابن قتيبة  ،  وهو في مدح زين العابدين بن الحسين بن سيدنا علي بن أبي طالب .[3]