أسباب نشأة المذاهب الفقهية
تعريف الفقه
الفِقْهُ في اللغةِ هُوَ
الفَهْمُ، ويأتي في هذا المعنى قول مثل أُوتِي عمر فِقْها فِي الدين، أَي أوتي في الدين فهم ومن ذلك دعاء النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لابن عباس: (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ) رواه البخاري، ومسلم.
الفقه في الاصطلاح هُوَ العلم بِالأحكام الشَّرْعِيَّة الْفَرْعِيَّة الْعَمَلِيَّةِ، الْمُسْتَمَدَّةِ مِنْ الأْدِلَّةِ التَّفْصِيلِيَّةِ. [1]
تعريف المذاهب الفقهية
المَذْهَبُ في اللغة تعني الطريقة، و المَذْهَبُ المعتقد الذي يُذْهبُ إليه ،يقال: ذهب مذهبًا حسنًا، ويقال: ما يُدْرَى له مَذْهَبٌ: أصل ،و المَذْهَبُ (عند العلماء) : مجموعة من الآراء والنظريات العلمية ، والفلسفية ارتبط بعضها ببعض ارتباطًا يجعلها وحدة منسقة ، والجمع : مَذَاهِبُ.
المذهب في الاصطلاح يشير إلى مجموعة الأحكام، والمسائل الفقهية التي تصدر عن فقيه أو مجتهد، مضاف لها المسائل التي يتوصل إليها أتباع هذا المذهب من تلاميذ و فقهاء عن طريق الرجوع إلى قواعد الفقه، و الأصول التي وضعها. [2]
أهم أسباب نشأة المذاهب الفقهية
بناء على التعريفات السابقة، فإن المذاهب الفقهية في الإسلام تعني بفهم المجتهد، أو العالم للمسائل الشرعية، و تقديم أحكام و قواعد، وكان من أسباب نشأة المذاهب في الإسلام الأسباب الآتية:
-
(ظنية الدلالة لبعض النصوص ) يوجد في النصوص الشرعية ما هو قطعي الدلالة ، وما هو ظني الدلالة، و النصوص ظنية الدلالة ، هي نص شرعي يحتمل أن يكون فيه أكثر من وجه، أو ما كان يحتمل التأويل، وذلك في قول الله سبحانه تعالى {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، القرء في اللغة هو الطهر ويحتمل معنى الحيض. وقوله: {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} [النساء: 43]، الصعيد الطيب هو الطاهر، ويحتمل معنى المنبت، ومثلها أيضًا آيات تحتمل معاني كثيرة، وغير ذلك كثير من الأمثلة المتعددة، إذا النص الظني هو الذي يحتمل أكثر من معنى ، وذلك سبب لاختلاف الفقهاء وسبب في نشأة المذاهب، حيث يتبنى كل أصحاب مذهب رأي يتفق أو يختلف مع غيره. [3]
-
وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، وانقطاع الوحي من السماء، أحد أسباب ظهور المذاهب في الإسلام، حيث أحتاج المسلمين لمرجع يعودون إليه، فيما يجد من مسائل وما يلتبس عليهم وما يختلفون فيه، في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعودون إليه، أما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بدأ الصحابة رضي الله عنهم ، ينقلون علمهم للناس وكل منهم ينقله بالأدلة التي علمها عن النبي صلى الله عليه وسلم، وظهرت المدارس المختلفة في المدينة والعراق، واختلفوا بينهم بين مدارس الرأي والآثار، وبعدهم التابعين وتابعي التابعين، و كانت مدرسة الإمام أبو حنيفة والتي خلفت التابعين وقيل أنها لحقت بزمانهم هي بداية تشكيل واضح للمذاهب وإن كان هناك مذاهب كثيرة ومتعددة إلا أنها لم تحظى من تلاميذها ومناصريها بالتدوين والاهتمام الذي حظيت به المذاهب الفقهية الأربعة.
-
اختلاف اجتهاد الصحابة رضي الله عنهم ، كان الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، يختلفون في اجتهادهم ويعرضون على النبي صلى الله عليه وسلم، المسائل التي تقابلهم فيوافق هذا ويرفض ذلك ، ولما مات النبي صلى الله عليه وسلم، أصبح كل منهم يأخذ بالدليل الذي عرفه عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ويعمل به وكانت اختلافات اجتهاداتهم هي بداية نواة المذاهب.
-
انتقال الصحابة رضي الله عنهم والتابعين بين الأمصار، كان لانتقال الصحابة والتابعين بين الأمصار، يعلمون الناس ويجاهدون ويفتحون بلاد بعيدة، و يولون حكم أو يقيمون بها سبب في نقل ما عندهم من علم لأهل تلك البلاد فاتخذت كل بلد من أراء، واجتهادات الصحابة الذين أقاموا بها مدرسة يتخذها أهل البلد.
-
الابتعاد عن زمن النبي صلى الله عليه و سلم ، والصحابة رضي الله عنهم، كلما بعد زمن الرسالة عن الأزمان التالية كان الناس في حاجة لمن يرشدهم ويهديهم، ويوضح لهم مسائل وأحكام الفقه.
-
كثرة المسائل الحديثة والجديدة على الناس، مع اختلاف الوقت واستحداث مسائل وأمور جديدة، وجدت حاجة لعلماء وفقهاء باستطاعتهم الرد على اسئلة الناس وفتواهم ، مادامت نفس مصادر التشريع الإسلامي لا تتغير، لكن ما يتغير هي الأحداث وإسقاط الأحكام عليها.
-
اختلاف ترتيب ما يعتمد عليه في مصادر الشريعة، مصادر الشريعة هي الكتاب وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم و الاستنباط والإجماع والقياس، والعرف وغيرها من المصادر ، التي يعتمد عليها الفقهاء وقد يرى البعض أن مصدر يسبق مصدر وهو أقوى منه في الاستدلال، على خلاف عالم آخر من هنا كانت طريقة المذاهب وأسباب نشأتها.
نشأة المدارس الفقهية
السنة النبوية
كما اتضح سابقاً فإن الفقه يعني العلم بالأحكام الشرعية ، وهذا العلم مبتغاه العمل به ، وقد وجدت تلك الأحكام في كتاب الله المنزل على نبيه صلى الله عليه وسلم، ليوجه الأمة، و يوضح لها ويقر الصحابة على قول أو فعل يتوافق مع تلك الأحكام وتلك كانت السنة النبوية، ولما كان مصدر هذه الأحكام هو الوحي سواء باللفظ المنزل في القرآن الكريم، أو في المعنى وهي السنة النبوية.
الفقه في عصر الصحابة
كان الصحابة رضي الله عنهم، يعودون للنبي في القضايا والنزاعات، وبعد وفاة النبي عمل الصحابة، رضي الله عنهم على تبليغ ما عندهم من علم إلى الدنيا ، وقاموا بالحكم والقضاء، وكل ما يتعلق بحياة المسلمين، واجتهدوا معتمدين على الأحكام الشرعية، وكان الصحابي منهم يرجع للقرآن الكريم فإذا وجد ما يعينه فيه أكتفى به وإن غاب عنه الوصول للحكم توجه للسنة ، وإلا بذلوا جهدهم في استخدام كل وسائل الاجتهاد من قياس، و مقاصد الشريعة واستنباط وقواعد كلية، ولو استقرت جماعة الصحابة رضي الله عنهم على رأي اتخذوه، وإن اختلفوا كل يجتهد بما تقدم.
الفقه في عصر التابعين
وجاء بعد عصر الصحابة عصر التابعين، فهم الذين تلقوا العلم عن الصحابة مباشرة ، وكانوا يتعاملون مع الأحكام الشرعية مثل أسلافهم الكتاب ومن بعده السنة، فإن لم يجدوا حكم ما يبحثون عنه عادوا لفتاوى الصحابة، وأحكامهم و اجتهدوا هم أيضا وفقا لما تعلموه، من المبادئ التي سار عليها الصحابة، وهنا ظهرت مدرستان ، هما مدرسة الحديث د، ومدرسة الرأي، وتعلم فيهم علامات من الفقهاء ، وأصبح لهم طريقة في استخراج الأحكام وتلاميذ تسير على نهجهم، لكنها كلها مدارس انقرضت ولم يبقى منها سوى أربعة وهم الأربعة مذاهب.
المذاهب الأربعة
لم يتبقى من المذاهب والمدارس الاسلامية، إلى يومنا هذا سوى المذاهب الأربعة،
والتي كان الخلاف بينها في الأحكام الشرعية مبني على عدة أسباب، وإن كانت كلها اختلافات علمية في طريقة استنباط الحكم فقط وهي:
-
عدم بلوغ المجتهد للحديث، وبلوغه للآخر.
-
بلوغ الحديث للجميع، مع الاختلاف حول صحته.
-
بلوغ الحديث للجميع والاتفاق على صحته، والاختلاف في أي من أمور الاجتهاد سواء فهمه، وضبطه وعمومية وخصوصية الدليل وغيرها من الأمور.
وقد كانت المذاهب الأربعة وبقيت حتى الآن لتكون هي المرجع بعد كتاب الله ، وسنة نبيه صلى الله عليه هي مرجع للمسلمين و طلاب العلم والمجتهدين من بعدهم وهم:
-
المذهب الحنفي
وهو مذهب الإمام أبي حنيفة.
-
المذهب المالكي
وهو مذهب الإمام مالك.
-
المذهب الشافعي
وهو مذهب الإمام الشافعي.
-
المذهب الحنبلي
وهو مذهب الإمام أحمد بن حنبل. [4]