مراحل تطور الدولة المرينية
أصل بني مرين
قبيلة بني مرين الزناتية البربرية تعد نموذج للقبائل البدوية التي تمكنت من خلال الجهد المبذول من قبل قادتها على مدار نحو ستون عاماً من الكفاح والجهاد أن تفرض واقعاً قبلياً وسياسياً جديداً ببلاد المغرب الأقصى على حساب
دولة الموحدين
وما لهم من نفوذ بالفترة التي تتراوح ما بين (524هـ/668هـ)، (1130م/ 1269م)، وهو ما بدأ يتلاشى بالتدريج منذ أن تمت هزيمتها بمعركة العقاب في الأندلس عام 609هـ/ 1212م وكانت تلك المعركة أمام الممالك الإسبانية النصرانية. [1]
وقد أرجع المؤرخين جميعهم أصل ونسب وجذور بني مرين إلى تلك القبائل البربرية الزناتية وهم أعلى قبائل زناتة من حيث النسب والشرف حيث ترجع جذورهم إلى أصول عربية، كما أن البعض قد رفع نسبهم حتى رابع
الخلفاء الراشدين
الإمام علي ابن أبي طالب مما يوضح إدراك مدى أهمية نسبهم وأصلهم من مختلف النواحي السياسية والاجتماعية والقبلية. [1]
الصراع بين المرينين والموحدين
انقسم المرينيون إلى العديد من القبائل التي كان لها دور بالغ الأثر بالتاريخ العربي ومنها قبائل جراوة، عبد الواد، مغراوة، مديونة، ومغيلة وغيرهم، وكانوا بادئ الأمر من البدور الرحل، وفي عام ستمائة وواحد هجرية نشبت حرب بينهم وبين بني واسين وبني عبد الواد مما جعلهم يرحلون متوغلين بهضاب
بلاد المغرب
، لينزلوا بوادي ملوية الذي يقع فيما بين المغرب والصحراء واستقروا به عام ستمائة وعشرة ميلادية وهو العام الذي مات به (محمد الناصر الموحدي) بعد موقعة (العقاب). [2]
ومن بعد موت الموحدي تولى ابنه المستنصر الحكم وكان آنذاك لا زال صبياً لا يتمكن من تدبير أمر المُلك لذا انشغل بالعبث واللهو تاركاً تدبير الحكم لأعمامه ورجال الموحدين الكبار اللذين أساءوا في القيام بذلك خاصة بعدما أضعفت معركة العقاب ما لهم من قوة قاضية على الكثير من شبابهم ورجالهم، يليه ما انتشر بينهم من وباء شديد قضى على إناس كثيرون من أهل هذه المنطقة. [2]
وحينما أتى المرينيون خلال ارتحالهم إلى بلاد الموحدين ووجدوها على ذلك الحال من حيث تدني أحوال الحكم، وانتشار الوباء ذلك هو الجانب السيء من الأمر، بينما الإبجابي فكان ما بها من أرض خصية وطيبة المنبت، وغزيرة المياه، قرروا ترك الصحراء والاستقرار بها.
مراحل تطور الدولة المرينية
بدأ يمس الضعف دولة الموحدين عقب وقوعهم بالهزيمة في الأندلس بمعركة العقاب، إذ عجز خلفاء الناصر المحمدي في المحافظة على وحدة الإمبراطورية التي أصابها التجزؤ، وهنا ظهر المرينيون في منطقة المغرب الأقصى، حيث حكم بنو عبد الواد (الجزائر) المعروفة بالمغرب الأوسط، واستقل الحفصيون في تونس بإفريقية، إلى جانب أن الأندلس كانت قد توزعت فيما بين ملوك الطوائف العربية والممالك الإيبيرية، وقد تأسست الدولة المرينية عقب القضاء على الدولة الموحدية، وظل حكمها مستمراً حوالي ثلاثمائة وسبعة عشر عاماً، إذ أن تطورها قد مر بمراحل ثلاث أساسية:
-
مرحلة التأسيس:
كان في تلك الفترة يترأس أبي بكر بن عمر ويعقوب بن عبد الحق المرينين عقب مقتل السلطان أبي دبوس، ومن ثم الاستيلاء على مراكش عاصمة الموحدين عام 1269ميلادية، حيث استغلوا آنذاك تفكك السلطة المركزية وكانت تلك المرحلة تراوح ما بين عامي (1239 / 1258م). -
مرحلة القوة:
كان ملوكها وحكام تلك المرحلة هم أبو الحسن وأبو عنان، وبها بلغت الدولة المرينية أوج ازدهارها بالفترة ما بين عامي (1258/ 1348ميلادية). -
مرحلة الضعف:
امتدت تلك المرحلة حيث استمرت حوالي مائة ثمانية وسبعون عاماً تولى بها الحكم عدة ملوك، كما سيطر في ظلها على الحكم الوطاسيون، ثم انتهت هذه الفترة في عهد السلطان أبي حسون الوطاسي بانهيار الدولة ما بين عامي (1348/ 1526ميلادية).
الجهاد في العهد المريني
عقب ما تم توحيد المغرب الأقصى، حاول بنو مرين وضع بلاد الأندلس تحت حكم دولتهم وذلك بمساعدةً من أمراء بني الأحمر أثناء ما خاضوه من حروب ضد المسيحيين، إذ عبر يعقوب المريني إلى الأندلس العديد من مرات، وهاجم ما يحيط بمدينة إشبيلية من مناطق عام 1275ميلادية، يليها الجزيرة الخضراء، ولكن المسيحيين تمكنوا من السيطرة على جبل طارق الأمر الذي كانت نتيجته انقطاع العبور إلى الأندلس.
بينما ما يتعلق بالمظاهر الحضارية لدى الدولة المرينية فقد ازدهر العمران والبناء بعهدهم، فقد تنوعت المآثر العمرانية والمنشآت، إذ خلف المرينيون الحصون والقصور، كما قاموا ببناء المدارس مثل (مدرسة العطارين)، والمساجد مثل (مسجد الشرابليين)، بالإضافة إلى ما قاموا بتأسيسه من الزوايا والمستشفيات، كذلك فقد بنى المرينيين السلاطين بعض المدن الجديدة ومنها (بلدة المنصورة، وفاس الجديد)، إلى جانب ما قاموا بتجديده من مدن قديمة مثل وجدة وشالة، كما حاولوا إعادة بناء إمبراطورية قوية في الغرب الإسلامي.
أسباب سقوط دولة بني مرين
بوفاة أحد أهم حكام المرينين وهو أبي عنان انتهت المحاولة المرينية في سبيل توحيد الشمال الإفريقي، وضعفت نفوذهم بالمغربيين الأدنى والأوسط، ثم انتهى النفوذ المريني بجهة الشرق، حيث لم يحاول السلاطين من بعده القيام بأي غزوات بالأقاليم، وقد استولى البرتغاليون أيضاً على مدينة سبتة عام 818هجرية الموافق 1415 ميلادية، حيث مثل ذلك بدء انهيار دولة بني مرين، يليها استيلاء البرتغاليون على جزء شاسع من ساحل المغرب كما قاموا باحتلال طنجة عام 869 هجرية /1464ميلادية حيث لم يتبقى لدى الدولة المرينية سوى فاس.
ثم اضطربت أحوال الدولة المرينية وتدهورت الأمور بفاس نتيجة تعدد الثورات، وبعهد آخر سلاطين بن مرين وهو (عبد الحق بن أبي سعيد بن أبي العباس) بالفترة ما بين (823 / 869هجرية، 1320/ 1465ميلادية) اقترب اليهود من مقاليد الحكم ومن ثم تمكنوا من السيطرة على رقاب الأهالي، إذ انفجرت الثورة التي اشتملت مختلف أرجاء فاس، مما اضطرهم إلى مبايعة سلطان آخر وهو (الشريف أبي عبد الله محمد بن علي الإدريسي نقيب الأشراف بفاس) وكانذ لك بشهر رمضان عام (869هجرية / 1465ميلادية) وبذلك انتهت دولة بني مرين، ومن هنا يُذكر أن أبرز أسباب سقوطها هي: [2]
-
ما تم شنه ضدها من دسائس من قبل ملوك الأسبان، إلى جانب من تحالف معهم من زعماء
غرناطة
وهو ما كان له دور بالغ الأثر في إضعاف دولتهم. - دخول حكام غرناطة بتحالفات فيما بينهم وبين الحفصيين وبني عبد الواد ضد بني مرين مما ضيق الخناق على المرينين.
- دخول المرينين بصراع قوي مع دولتي المغرب الأدنى والأوسط، الأمر الذي كلفها العتاد، والرجال والأوقات والأموال.
- ضعف السلاطين والأمراء بآخر عهد الدولة، مما ترتب عليه إضعافها وتسلط زعماء ووزراء العرب بشؤونها، وتنازعت المصالح والأهواء، لذا تولدت العديد من الانفجارات الداخلية ونشب نزاع فيما بين الآباء والأبناء والأعمام مما عجل بسقوط دولة المرينيين.