تعريف وشروط المحتسب

وظيفة المحتسب هي من أوائل الوظائف التي ظهرت في الإسلام، والتي كانت تعتمد على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وذلك مصداقًا لقول الله تعالى في الآية الكريمة ” ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون” صدق الله العظيم”.[1]

والمحتسب هو مسلم يسعى للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفقًا للشريعة، وامتثالًا لأمر الله تعالى، ووفقًا للمؤرخ ابن خلدون فإن الحسبة أو الاحتساب هي وظيفة دينية قائمة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.[2]

وقد فرق الفقهاء بين المتطوع بالحسبة وبين والي الحسبة، فالمتطوع هو أي إنسان مسلم يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أما والي الحسبة فهو شخص يختاره الوالي ويعينه ويكلفه بمهام الحسبة، ويجب أن تتوافر فيه مجموعة من الشروط قبل تكليفه بتلك الوظيفة أهمها العلم حيث يجب عليه أن يكون على درجة مرتفعة من العلم للقيام ببعض أمور الحسبة التي لا يمكن للمتطوع بالحسبة أن يقوم بها، مثل أن يقوم بالتعزير في المنكرات الظاهرة، والتعزير لا يجب على المتطوع بالحسبة.

كما أن المتطوع بالحسبة لا يجوز له أن يأخذ أجر من بيت مال المسلمين على القيام بتلك الوظيفة، بل يفعلها تطوعًا، أما والي الحسبة فيتلقى أجر عن عمله.

كما يجوز لوالي الحسبة أن يعين مساعدين ومندوبين له، أما المتطوع فلا يجوز له ذلك، ويجوز لوالي الحسبة أيضًا أن يجتهد في بعض الأمور التي تتعلق بالعرف، بينما لا يجوز له الاجتهاد.

من الذي استحدث منصب المحتسب

أما المحتسب كوظيفة رسمية في الدولة فقد تطورت على مدار عدة مراحل ، وقد تعددت مهام المحتسب أيضًا على مدار الأعوام، فكان المسلمون منذ أن كان النبي عليه الصلاة والسلام بينهم يعملون على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وظلت تلك الوظيفة بجانب وظيفة القاضي معروفة في عهد

الخلفاء الراشدين

والخلفاء الأموي ولكن في تلك الفترة ربما يكون المحتسب أقرب للمتطوع بالحسبة، أما في العصر العباسي، أصبح المحتسب يتم تعيينه من قبل الوالي وتم تكليفه تحديد مهام أكبر للمحتسب وأصبحت من الوظائف المعروفة بين العامة، وكان الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور أول ما قام بتنظيم وظيفة المحتسب في الدولة، وتعيين عدد من المحتسبين وكل محتسب كان مختص بسوق معين.

ويعتقد أن

عمر بن الخطاب

كان أول من كلف والي الحسبة بمتابعة الأسواق، وكان يمشي بنفسه ليعاقب المخالفين، ثم بعد ذلك كان يكلف أشخاص أخرين ليقوموا بتلك الوظيفة.

أول محتسب في الإسلام

كان النبي عليه الصلاة والسلام هو أول محتسب في الإسلام، فوفقًا لتعريف وظيفة المحتسب هو فرد من المسلمين يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام، كان يمر في السوق يومًا، فوجد رجلًا يبيع الطعام، فوضع يده الشريفة في الطعام، فوجده مبللًا، فقال لصاحب الكومة ما هذا يا صاحب الطعام، فقال له: لقد أصابته السماء يا رسول الله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام، أفلا تجعله فوق الطعام حتى يراه الناس.[3]

وأيضًا فإن النبي عليه الصلاة والسلام قد ولى عمر بن الخطاب ليشرف على سوق المدينة، وأيضًا ولى سعد بن سعيد ليراقب سوق مكة.

وبعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام كان الخلفاء الراشدين يقومون بوظيفة المحتسب بأنفسهم، فكانوا يسيرون في الأسواق يتفحصون أمور الناس ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.

كما قامت سيدة بتولي منصب المحتسب في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث كانت الصحابية سمراء بنت نهيك الأسدية بتفقد الأسواق فتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

شروط المحتسب

نظرًا لأهمية منصب المحتسب، فقد ضع الفقهاء عدة شروط يجب أن تتوافر في من يوكل إليه القيام بتلك الوظيفة، وهذه الشروط هي:

الإسلام

فكان المحتسب يجب أن يكون من جماعة المسلمين، لأن الإسلام هو من أهم شروط صحة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما أن الاحتساب فيه انتصارًا لدين الله عز وجل، ولن ينتصر كافر أو مشرك لدين الله، لذلك وجب أن يكون المحتسب مسلمًا.

التكليف

فيجب أن تولى وظيفة المحتسب لمسلم بالغ عاقل، وهذا الشرط يمكن أن يكون من شروط وجود الحسبة، أما من شروط جوازها فمن الممكن أن يكون المحتسب المتطوع بالحسبة من الصبيان غير البالغين بشرط العقل والقدرة على التمييز بين الحق الباطل والإدراك والإلمام بحدود الله عز وجل.

العلم

يجب أن تتوافر لدى والي الحسبة والمتطوع أيضًا المعرفة الكاملة بكل الأحكام المرتبطة بوظيفة الحسبة، فلا يجوز لجاهل أن يقوم بالاحتساب، كما يشترط في المحتسب أن يوافق عمله علمه، وأن يكون مواظب على السنن بجانب الفرائض.

الحرية

هذا الشرط ضروري لوالي الحسبة أما المتطوع بالحسبة فلا يشترط أن يكون حرًا، لأن العبد أيضًا يمكن أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر مادام من المسلمين، لكن العبد لا يجب أن يولى في منصب الحسبة أو القضاء أو جامع العشور أو غيرها من مثل تلك المناصب الهامة.

أن يكون ذكرًا

هذا الشرط فيه خلاف، حيث تذكر بعض الروايات أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد ولى أم سليمان بن أبي حثمة الأنصارية في وظيفة الحسبة، لكن بعض المؤرخون ينفون تلك الرواية.

وبالنسبة للمتطوع بالحسبة فيمكن أن يكون امرأة لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على كل مسلم سواء رجل أو امرأة، حرًا كان أم عبدًا.

وبالنسبة لمنصب والي الحسبة فقد اتفق أغلب الفقهاء على أنه يجب أن يكون ذكرًا.

ومن صفات المحتسب التي يجب أن يتمتع بها الرفق واللين والحزم في نفس الوقت، والورع والترفع عن قبول الهدايا حتى لا يقع في شبهة الرشوة.

اختصاصات المحتسب


  • الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

    في حقوق الله عز وجل وحقوق البشر.
  • الإشراف على المعاملات التجارية، ومنع الغش التجاري والتلاعب بالأسعار، ومنع التعرض للنساء بالأسواق، مراقبة الموازين.
  • الإشراف على نظافة الطعام والشراب الذي يباع بالأسواق.
  • مراقبة التجار وأرباب الحرف مثل الأطباء وغيرهم.
  • منع تناول الكحوليات في الشوارع والطرقات.
  • كما يجب أن يمنع أصحاب الدواب من تحميلها فوق طاقتها، وأيضًا من واجباته منع تحميل السفن بحمولة زائدة خشية أن تغرق.
  • الإشراف على صلاة الجماعة و

    الجمعة

    ، ومراقبة نظافة المساجد.
  • مراقبة العبادات مثل إيتاء الزكاة وصوم رمضان.

وكان من وظيفة المحتسب قديمًا أن يأخذ على الأطباء عهد ويجعله يقسم على ألا يعطي أحد من المرضى أي دواء مضر أو يفشوا أسرار المرضى أو يهتكوا سترهم.

كما كان المحتسب يضع تسعير جبري لبعض السلع في أوقات الغلاء.

وأيضًا كان يقوم بالنداء لى الناس للخروج إلى الجهاد، فكان وقت وقوع النفير ينادي على الناس قائلًا “النفير يا أصحاب الخيل والرجالة”.

كما كان المحتسبين يشرفون على تطبيق العقوبات على الأمراء مثلثهم مثل العامة، حتى يروى أن المحتسب قد قام بجلد القائد علي بن نوشتكين والذي كان من أقرب أصحاب السلطان السلجوقي محمود بن ملكشاه، لأنه سار في وضع النهار وهو شارب للخمر.[4]

وقد أجمع الفقهاء على أن المحتسب لا يجوز له أن يشرف على منازل الناس، كما يجب عليه منع الأئمة من الإطالة في الصلاة حتى لا تشق الصلاة على الضعفاء.