هل يكلف الله نفسا فوق طاقتها

حكم تكليف النفس ما لا تطيق من العبادة

أن تكليف النفس بما فوق الطاقة منفي في الشريعة نفيًا تامًا فلا يجب تعذيب النفس بما لا تطيق وذلك لأن الله لطيف رحيم رؤوف بعباده فكيف باللطيف أن يأمر بعذاب ومشقة أحدًا ويأتي ما يدل على ذلك في قول الله تعالى:


  • لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا.

    {البقرة:286}.
  • وقوله تعالى:

    لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا

    {الطلاق:7}.
  • وقوله تعالى:

    رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ.

    {البقرة:286} .[1]

فلا يجب على أحد تكليف نفسه بطاعات كثيرة لا يقوى عليها وهذا ما جاء في تفسير

النيسابوري

و

الثعلبي

للفظ :

ويكلفه الطاعة دون الطاقة.

أي أن الله يكلف بما يقدرون عليه دون أي تعذيب ومشقة للنفس .[1]

قصة لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

نزلت آيه

(

وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله

) على الصحابة فعانوا من العمل المكثف من الطاقة حتى إنهم ذهبوا للرسول يحدثوه عن ذلك وتم ذكره في قول :

  • أخبرنا الإمام أبو منصور : عبد القاهر بن طاهر ، أخبرنا محمد بن عبد الله بن علي بن زياد ، حدثنا

    محمد بن إبراهيم البوشنجي

    ، حدثنا

    أمية بن بسطام

    ، حدثنا

    يزيد بن زريع

    ، حدثنا

    روح بن القاسم

    ، عن العلاء ، عن أبيه ، عن

    أبي هريرة

    قال :

    لما أنزل [ الله ] على رسوله – صلى الله عليه وسلم – : (

    وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله

    ) الآية ، اشتد ذلك على أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ثم أتوا رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقالوا : كلفنا من الأعمال ما نطيق : الصلاة والصيام والجهاد والصدقة ، وقد أنزل الله عليك هذه الآية ولا نطيقها ، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتابين من قبلكم – أراه قال – : سمعنا وعصينا قولوا (

    سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير

    ) فلما اقترأها القوم فذلت بها ألسنتهم ، أنزل الله تعالى في إثرها : (

    آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه

    ) الآية كلها ، ونسخها الله تعالى فأنزل الله : (

    لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

    ) الآية إلى آخرها

    . رواه مسلم عن

    أمية بن بسطام

    .
  • أخبرنا محمد بن إبراهيم بن محمد بن يحيى ، حدثنا والدي ، حدثنا محمد بن إسحاق الثقفي ، حدثنا عبد الله بن عمر ويوسف بن موسى ، قالا : حدثنا

    وكيع

    ، حدثنا سفيان ، عن آدم بن سليمان . قال : سمعت

    سعيد بن جبير

    يحدث عن

    ابن عباس

    قال :

    لما نزلت هذه الآية : (

    وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله

    ) دخل قلوبهم منها شيء لم يدخله من شيء ، فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : قولوا سمعنا وأطعنا وسلمنا . فألقى الله تعالى الإيمان في قلوبهم فقالوا : سمعنا وأطعنا .  فأنزل الله تعالى : (

    لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

    ) حتى بلغ (

    أو أخطأنا

    ) فقال : قد فعلت ، إلى آخر البقرة ، كل ذلك يقول : قد فعلت

    رواه مسلم عن

    أبي بكر بن أبي شيبة

    ، عن

    وكيع

    .
  • قال المفسرون : لما نزلت هذه الآية : (

    وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله

    ) جاء أبو بكر ، وعمر ،

    وعبد الرحمن بن عوف

    ،

    ومعاذ بن جبل

    ، وناس من الأنصار إلى النبي – صلى الله عليه وسلم – فجثوا على الركب ، وقالوا : يا رسول الله ، والله ما نزلت آية أشد علينا من هذه الآية ، إن أحدنا ليحدث نفسه بما لا يحب أن يثبت في قلبه وأن له الدنيا [ 50 ] بما فيها ، وإنا لمأخوذون بما نحدث به أنفسنا ، هلكنا والله . فقال النبي – صلى الله عليه وسلم – : هكذا أنزلت ، فقالوا : هلكنا وكلفنا من العمل ما لا نطيق . قال : فلعلكم تقولون كما قالت بنو إسرائيل لموسى : سمعنا وعصينا ، قولوا : سمعنا وأطعنا ، فقالوا : سمعنا وأطعنا . واشتد ذلك عليهم ، فمكثوا بذلك حولا ، فأنزل الله تعالى الفرج والراحة بقوله : (

    لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

    ) الآية فنسخت هذه الآية ما قبلها . قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : ”

    إن الله قد تجاوز لأمتي ما حدثوا به أنفسهم ما لم يعملوا أو يتكلموا به . [2]

ولأن الله لطيف بعباده أنزل آيه (

لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

) حتى تكون العبادة مناسبة لمقدار تحملهم وبدون مشقة .

معنى لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها

فمعنى قول الله تبارك وتعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا ـ أي: لا يكلف أحدًا فوق طاقته، فالله لم يكلف عباده إلا ما يستطيعون، كما قال الله تعالى:

يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ

{البقرة:185}.

قال

القرطبي

رحمه الله تعالى:

وهذا خَبَرٌ جَزْمٌ، نصّ الله تعالى على أنه لا يكلف العباد من وقت نزول الآية عبادة من أعمال القلب أو الجوارح إلا وهي في وُسع المكلَّف وفي مقتضى إدراكه وبِنْيَته

. اهـ.[3]

حدثني المثنى قال : حدثنا عبد الله قال حدثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله : ”

لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

” قال : هم المؤمنون ، وسع الله عليهم أمر دينهم ، فقال الله – جل ثناؤه – : (

وما جعل عليكم في الدين من حرج

) [ سورة الحج : 78 ] ، وقال : (

يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر

) [ سورة البقرة : 185 ] ، وقال : (

فاتقوا الله ما استطعتم

) [ سورة التغابن : 16 ] .

6503 – حدثنا القاسم قال : حدثنا الحسين قال حدثني حجاج عن

ابن جريج

عن الزهري ، عن

عبد الله بن عباس

قال : لما نزلت ، ضج المؤمنون منها ضجة وقالوا : يا رسول الله ، هذا نتوب من عمل اليد والرجل واللسان ! كيف نتوب من الوسوسة ؟ كيف نمتنع منها ؟ فجاء جبريل – صلى الله عليه وسلم – بهذه الآية ”

لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

” إنكم لا تستطيعون أن تمتنعوا من الوسوسة .

6504 – حدثني موسى قال : حدثنا عمرو قال : حدثنا أسباط عن

السدي

: ”

لا يكلف الله نفسا إلا وسعها

” وسعها طاقتها . وكان حديث النفس مما لم يطيقوا .[4]

أفضل العبادات بعد الطاعات

يجب الإكثار من العبادات التي هي أعظم ثوابًا من غيرها, وقد اختلف العلماء في أفضل العبادات بعد الفرائض، فقيل: العلم، وقيل: الجهاد، وقيل: الصلاة.

ورأي شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ أن هذا يتفاوت بتفاوت الأشخاص والأحوال، حيث قال في منهاج السنة:

وَهَذِهِ الثَّلَاثُ ـ الصلاة، والعلم، والجهاد ـ هِيَ أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ، قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: أَفْضَلُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الْإِنْسَانُ الْجِهَادُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَفْضَلُ مَا تَطَوَّعَ بِهِ الصَّلَاةَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَمَالِكٌ: الْعِلْمُ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ لَا بُدَّ لَهُ مِنَ الْآخَرين، وَقَدْ يَكُونُ هَذَا أَفْضَلَ فِي حَالٍ، وَهَذَا أَفْضَلَ فِي حَالٍ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاؤُهُ يَفْعَلُونَ هَذَا، وَهَذَا، وهذَا، كُلٌّ فِي مَوْضِعِهِ بحسب الحاجة والمصلحة

. [5]