قضية الانتحال في الأدب العربي
الانتحال في الادب العربي
يقصد بالانتحال باختصار سرقة عمل شخص آخر، ونسبه إليك على أنّه عملك الخاص، وهذا هو المصطلح الشائع لهذا المفهوم، ويستخدم مصطلح آخر لنفس المعنى والمفهوم وهو السرقة الأدبية والذي يتعلق بالأعمال المكتوبة؛ ولكن غالبًا ما يستعير الكتاب كلمات من بعضهم البعض دون ذكر مصدرها، لذلك يصبح مصطلح الانتحال أقل وضوحًا، ويحتاج إلى بعض الانتقاء.
كلمة السرقة الأدبية أصلها لاتيني والتي تعني “الخاطف”، مما يمنحك فكرة عن ما مدى جدية الرومان في التعامل مع السرقة الأدبية.
ربما لم يكن لديهم قوانين حقوق طبع ونشر متقدمة في روما القديمة؛ لكنّهم كانوا يعلمون أنّ سرقة عمل شخص آخر، وتمريره على أنّه عمل خاص بك كان خطأً واضحًا.
الحالات البارزة للانتحال الأدبي في العالم الأدبي قليلة نسبيًا، بحيث سرقت إحدى قصائد ديلان توماس المنشورة الأولى من The Boy’s Own Paper، ولم يتم اكتشاف هذا لأكثر من أربعين عامًا.
وفي مجال المعاجم، اخترع أحد المحررين كلمة “esquivalience”، التي تظهر في قاموس New Oxford American Dictionary، للقبض على منتحلي الحقوق، وكانت الفكرة هي أنّه إذا ظهرت الكلمة والتعريف في القواميس اللاحقة قد يشير إلى أنّ مؤلفي المعاجم اللاحقين قد نقلوا تعريفاتهم من القاموس السابق.
بشكل عام يعتمد جميع الكتاب على أسلافهم، وصيغة الجمع هي المفتاح هنا، فإذا كان الكاتب يحب إليوت ويقرأ فقط عمل إليوت، فمن المحتمل ألّا ينتج شيئًا سوى تقليد أعمى له في شعره.
ولكن إذا قرأ شاعر، على سبيل المثال، الرموز الفرنسية، والدراميون الإليزابيثيون، وشعر القرون الوسطى للشاعر الإيطالي دانتي، فقد ينتج شيئًا “أصليًا” بمعنى أنّه لم يفكر أحد في تجميع هذه التأثيرات الخاصة من قبل.
وهنا يجدر التمييز بين نوع السرقة الذي هو سرقة أدبية شاملة ونوع “السرقة” الذي يشكل إشارة أدبية. يعني التلميح استدعاء شيء ما والاستعانة به؛ فهذا أمر يختلف عن السرقة الأدبية، وهو مسموح في كتابة الشعر. [2]
قضية الشك في الشعر الجاهلي
كان ابن سلّام الجمحي واحدًا من الشعراء الذين ناقشوا قضية الانتحال والشك في الشعر الجاهلي؛ إذ تناول القضية باسهاب كبير، من خلال الكتاب الخاص به وهو كتاب طبقات فحول الشعراء.
وقد أردف أسباب الإنتحال إلى التزايد المستمر عند العرب الذين يتعمدون أنْ يعيتبروا بعض الخصال الحميدة، والمآثر هي خاصة بهم، فينسبوها لهم، إضافة إلى مجموعة من النقائب.
والسبب التاني لانتحال الشعر قبل الاسلام يرجع إلى الأشخاص الذين قاموا برواية هذه الأشعار.
وقد لاقت قضية الانتحال اهتمامًا كبيرا من قبله، مع العرب والمستشرقين الآخرين على حد سواء.
وكان نولدكه من أوائل المستشرقين الذين بدأوا في النظر في الأمر سنة 1864م، وتبعه ألوّرْدْ، عندما قام بنشر مجموعة من الدواوين لامرئ القيس، والذبياني، وطرفة بن العبد، وعنترة بن شداد، وعلقمة.
فقام بالتشكيك في الشعر الجاهلي، وكان رأيه الأخير أنّ عدد قليل جدًا من القصائد يُنسب إلى شعراء العصر الجاهلي نفسه، وأمر نسب هذه الأشعار لهم ليس له مكان من الصحة في غالبية الشعر الموروث.
وفي عام 1925 ميلادي، وفي مقال كتبه مرجليوت، وتم نشره في مجلة الملكية الاسوية، عدد شهر يوليو، ذكر فيه قضية انتحال الشعر الجاهلي بعنوان The Origins of Arabic Poetry، بمعنى اصول الشعر العربي، وقال فيه أنّ الشعر الجاهلي لم يكن صحيحًا، فلو كان كذلك؛ لكتب كل شاعر هذا الشعر باللهجة التي يتحدث بها قبيلته.
وما دعًم من رأيه رأي للدكتور شوقي شيف، فقد كان رأيه أنّ اللغة السائدة في الجاهلية، هي اللغة العربية الفصحى وهي لغة القرآن،وكانت لهجة قبيلة قريش، وسبب سيادتها هو الدين والسياسة والاقتصاد.
وقد كان شعراء الجاهلية كل منهم ينظم شعره الخاص بها ويتخلون عن لهجاتهم الخاصة، مثلما يفعل شعراء عصرنا اليوم. [1]
قضية الانتحال عند ابن سلام الجمحي
ابن سلام
اسمه أبو عبد الله البصري، وهو محمد بن سلام بن عبد الله بن سالم الجمحي ولد عام 140هـ، وتوفي عام 232 هـ، له كتابه المشهور طبقات فحول الشعراء، يعتبر واحدًا من أهل الأدب، والفضل.
أصابه الشيب في سن 27 عامًا، وكان من المهتمن في قضية الانتحال في الشعر القديم، وسلط الضوء على هذه القضية في كتابه طبقات فحول الشعراء.
قضية الانتحال
جاء في كتابه نقدًا للشعر الجاهلي، وفي أجزاء الكتاب ورد هذا جليًا، بالإضافة إلى حديثه عن الانتحال في الشعر والأدب العربي القديم، وقام بتوجيه تنبيه لبعض من الرواة على وجود شعر مصنوع مثل خلف الأحمر، والمفضل الصبي.
وتعود الأسباب التي جعلته يتمسك بهذا الرأي كالتالي:
- القول الذي أشيع وكان منقولًا في أنّ حمادًا الراوية كاذبًا، وهذا الاتهام وجه اليه من يونس بن حبيب، فيقول الجمحي، كيف لنا أن نثق بشعره، وبما روي عنه، وهو من أوائل من جمعوا أشعار العربي.
- كذلك ما أخبر به كل من أبو عبيدة، وابن نوح؛ في ما زاد به دوواد بن متمم بن نويرة عندما طلبا منه شعر أبيه، وما زاده عليه من صنعه.
-
ما أورده محمد بن اسحاق في كتابه من أشعار لأشخاص لم يسبق لهم بأنْ يقولوا شعرًا؛ وكذلك لعاد وثمود؛ وكانت من بين الدلائل على رأي بن سلام هو الدليل النقلي، وهو كتاب القرآن الكريم، فيقول الله تعالى في كتابه: “وأنّه أهلك عادًا الأولى، وثمود فما أبقى” (سورة النجم)؛ وكذلك قال في عاد: “فهل ترى لهم من باقية” (الحاقة)
فمن المعروف والمؤكد أنّ لغة عاد لم تكن اللغة العربية، فلم تكن اللغة موجودة بعد. - الكثير من الحروب والتي ذهب فيها الكثيرون ممن يحملون الشعر.
وبالرغم مما كان يؤمن به في وجود الانتحال في الشعر؛ فقد تناول في كتابه أيضًا قضية تصنيف شعراء الجاهلية، وأخذ بن سلام الطبقة الأولى، ثم تلاه امرؤ القيس، ومن بعده الذبياني، وزهير بن ابي سلمة، والأعشى؛ معتمدًا على رأي النقاد القدامى. [3]
قضية الانتحال عند طه حسين
جاء تأكيد طه حسين في كتاب الأدب الجاهلي على أنّه لم يتبقى للعرب أي من الأدب النثري على الاطلاق؛ سواء كان ذلك خطبًا، أو غيرها.
ويرى أنّ الأسباب تكمن في التالي:
- أنّ الكتابة النثرية تتطلب وجود بيئة وثقافة متقدمة، والتي لا وجود لها في العصر الجاهلي.
- ومن منظورٍ آخر فهو يقول أنّه لا يمكننا التسليم بالرأي بأنّه موروث عن العرب؛ وذلك لأنّ كل ما وصلنا منهم لم يكن مكتوبًا.
ولكنّه يرى أنّ هناك بعضًا من هذا الأدب النثري يستثنى من قضية الانتحال، أو الشك فيه، ومثال على ما يستثنى هنا هو الأمثال؛ ولكن في نفس الوقت يرى أنّها تعتبر قريبة أكثر إلى كونها من قسم الأدب الشعبي، من الأدب النثري الفني.
- أمّا بالنسبة للخطابة فيلزمها حياة غنية وخصبة، ولم تكن حياة العرب حياة قوية فعلًا، ولا بها أي من أشكال النشاطات الدينية العملية؛ ولكنّها كانت تقوم على أمور التجارة؛ ولا داعي فيها للخطابة؛ وهي فقط بحاجة إلى أساليب الحوار والجدل؛ وهذا ما يجعله يرى أنّها لا تنسب للعرب في العصر الجاهلي.
بكل الأحوال كان طه حسين له رأيه في هذه القضية مثله مثل من كان يمشي على نفس الطريق من قبله الكثير من النقاد.