ادوات الاستفهام في القران

الخطاب القرآني، وكلام العرب إمّا أن يساق مساق التقرير؛ ليقرر أمراً ما، كقوله تعالى: “الله خالق كل شيء” (الرعد:16)؛ وإما أن يساق مساق النفي؛ لينفي أمراً ما، كقوله سبحانه: “ليس كمثله شيء” (الشورى:11)؛ وإما أن يساق مساق التعجب، تعجباً من أمر ما، كقوله عز وجل: “فما أصبرهم على النار”(البقرة:175)؛ وإما أن يساق مساق الاستفهام لمعنى ما، نحو قوله تعالى: “هل من خالق غير الله”(فاطر:3).

اسلوب الاستفهام في القرآن الكريم

إنّ

الغرض من ادوات الاستفهام

في كلام العرب، يستعمل للاستفهام عن أمر يجهله السائل.

ويمكن تعريفه بأنّه: طلب خبر ما ليس عندك، أو هو طلب الفهم؛ وهذا من حيث الأصل.

وقد يستعمل الاستفهام على سبيل المجاز لا على سبيل الحقيقة لمعنى يقصده السائل، كقول الوالد لولده: كم مرة قلت لك: لا تفعل هذا الفعل؟ فالسؤال هنا لا يراد منه حقيقة الاستفهام، بل المراد منه تقريع الولد، وتوبيخه على معاودته الفعل المنهي عنه.

وإذا انتقلنا إلى القرآن، فإنّ الذي ينبغي أن يقال في هذا الصدد: إنّه سبحانه لا يستفهم خلقه عن شيء، وإنما يستفهمهم ليقررهم، ويذكرهم أنّهم قد علموا حق ذلك الشيء، وهذا أسلوب بديع انفرد به الخطاب القرآني.

والمهم أن نعلم هنا، أنّ السؤال إنما يكون لطلب العلم، وهو على الله تعالى محال، وأسلوب الاستفهام الوارد في القرآن الكريم، ليس هو استفهام على سبيل الحقيقة، وإنما هو وارد لمعان أخرى، وفق الآتي:

  • استفهام يراد به الإنكار.

كقوله تعالى: “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” (يونس:99).

  • استفهام يراد به التقرير.

كقوله تعالى: “ألست بربكم”(الأعراف:172).

  • استفهام يراد به التوبيخ.

كقوله تعالى: “أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين” (الصافات:125).

  • استفهام يراد به التعجب.

كقوله سبحانه: “ما لي لا أرى الهدهد” (النمل:20).

  • استفهام يراد به العتاب.

كقوله تعالى: “ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله” (الحديد:16)

  • استفهام يراد به التذكير.

نحو قوله سبحانه: “هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه” (يوسف:89).

  • استفهام يراد به الافتخار.

كقوله تعالى: “أليس لي ملك مصر” (الزخرف:51).

  • استفهام يراد به التهويل والتخويف.

كقوله تعالى: “الحاقة * ما الحاقة * وما أدراك ما الحاقة” (الحاقة:1-3).

  • استفهام يراد به التفخيم.

كقوله سبحانه: “وما أدراك ما عليون” (المطففين:19).

  • استفهام يراد به التكثير.

كقوله تعالى: “وكم أرسلنا من نبي في الأولين” (الزخرف:6)،

  • استفهام يراد به التسوية بين أمرين.

كقوله تعالى: “سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون” (البقرة:6).

  • استفهام يراد به الأمر والطلب.

كقوله تعالى: “فهل أنتم منتهون” (المائدة:91).

  • استفهام يراد به التنبيه والتفكر.

كقوله تعالى: “ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم” (البقرة:243).

  • استفهام يراد به النهي عن أمر ما.

كقوله تعالى: “أتخشونهم” (التوبة:13).

  • استفهام يراد به الدعاء.

كقوله تعالى: “أتهلكنا بما فعل السفهاء منا” (الأعراف:155).

  • استفهام يراد به التمني.

كقوله تعالى: “فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا” (الأعراف:53).

  • استفهام يراد به الاستبطاء.

كقوله تعالى: “ويقولون متى هذا الوعد إن كنتم صادقين” (يونس:48).

  • استفهام يراد به التحضيض.

كقوله تعالى: “ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات” (التوبة:104).

  • استفهام يراد به التجاهل.

كقوله تعالى: “قالوا وما الرحمن” (الفرقان:60).

  • استفهام يراد به التحقير.

كقوله تعالى: “أم اتخذوا آلهة من الأرض هم ينشرون” (الأنبياء:21)،

  • استفهام يراد به الاستبعاد.

كقوله سبحانه: “أو آباؤنا الأولون” (الصافات:17).

  • استفهام يراد به التهكم والاستهزاء.

كقوله تعالى: “قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك” (هود:87).

  • استفهام يراد به الإخبار.

كقوله تعالى: “أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله” (النور:50). [1]

همزة الاستفهام في القرآن الكريم


ادوات الاستفهام

كثيرة؛ منها:


الهمزة

الهمزة يطلب بها أحد الأمرين:

  1. التصور: وهو إدراك المفرد؛ أي: تعيينه، وفي هذه الحالة تأتي الهمزة متلوة بالمسؤول عنه، ويُذكَر له في الغالب معادلٌ بعد (أم).
  2. التصديق: وهو إدراك النسبة أو تعيينها، وفي هذه الحال يَمتنع ذكرُ المعادل.


هل

هل: يُطلَب بها التصديقُ ليس غيره؛ أي: إدراك النسبة ويُمنَعُ معها ذكرُ المعادل.

وإتمامًا للكلام عن “الهمزة وهل”، تجدر الإشارة إلى بعض نقاط تتصل بهما أو بأحدهما:


النقطة الأولى: أنّ “أم” إن جاءت بعد همزة التصور؛

نحو: أتفاحًا اشتريتَ أم برتقالًا؟ فإنها تكون متصلة، بمعنى أن ما بعدها يكون داخلًا في حيز الاستفهام السابق عليها، وقد يُستغنى عن ذكر المعادل؛ نحو قوله تعالى:  “أَأَنْتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ” [الأنبياء: 62]، ويقدر المعادل في الآية أم غيرك.

أما إذا جاءت “أم” بعد همزة التصديق؛ نحو قول جرير:

أتَصحو أم فؤادُك غيرُ صاحٍ ، عَشيَّةَ هَمَّ قومُك بالرَّواحِ

أو بعد “هل” التي للتصديق فقط؛ نحو قول الشاعر:

ألا ليت شعري هل تغيرتِ الرَّحى ، رحى الحربُّ أم أضْحَتْ بفلجٍ كما هِيَا

فإن أم في هاتين الحالتين: حالة همزة التصديق، وهل، تقدَّر منقطعة، وتكون بمعنى “بل” التي تكون للانتقال من كلام إلى آخر، لا يمتد تأثير الاستفهام السابق إليه، وبعبارة أخرى يكون كلام الذي يلي “أم” المنقطعة خبريًّا لا إنشائيًّا.


النقطة الثانية: أنّ “هل” قسمان:

  1. بسيطة: إن استفهم بها عن وجود شيء أو عدمه؛ نحو: “هل يصدأ الذهب؟”، فالمطلوب هنا معرفة ثبوت الصدأ للذهب أو نفيه عنه، ولذلك يجاب في الإثبات بنعم، وفي النفي بلا.
  2. مركبة: إن استفهم بها عن وجود شيء لشيءٍ أو عدمه؛ نحو: هل نهر النيل يصب في الحبر الأبيض؟ فالعلم بوجود نهر النيل أمر لا شك فيه، ولكن المجهول عنه والمطلوب معرفته هو ثبوت صبِّه في البحر الأبيض أو نفيه عنه، ولهذا يجاب عنه في الإثبات بنعم، وفي النفي بلا. [2]

وهذا التقسيم ليس مقصورًا على “هل”، وإنما تشترك معها فيه الهمزة التي للتصديق، فقد تكون هي الأخرى بسيطة إن استُفهِم بها عن وجود الشيء أو عدمه، وقد تكون مركبة إن استفهم بها عن وجود شيء لشيءٍ.


النقطة الثالثة: أنّ المسؤول عنه للهمزة التي للتصور يلي الهمزة مباشرة، سواء أكان هو:

  1. المسند إليه؛ نحو: أأنت الذي جاء لزيارتي أمس أم غيرك؟
  2. أو المسند؛ نحو: أمسافر أنت في الصيف أم مقيم؟
  3. أو مفعولًا به؛ نحو: أكتابًا قرأتَ في الأدب أم أكثر من كتاب؟
  4. أو حالًا؛ نحو: أماشيًا تَغدو إلى عمِّك أم راكبًا؟
  5. أو زمانا؛ نحو: أساعة أمضيتَ في زيارة صديقك أم ساعتين؟
  6. أو غير ذلك من المتعلقات؛ نحو: أإلى الشعر تميل أو إلى الأدب القصصي؟[2].

الاستفهام في سورة البقرة

جاء الاستفهام في سورة البقرة في مواضع كثيرة منها:

  • قوله تعالى: “من ذا الذي يشفع عنده”، في آية الكرسي

هنا أداة استفهام يراد به الإنكار والنفي، كما قال ابن عاشور في التحرير والتنوير .

وقال الشوكاني في فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير: في هذا الاستفهام من الإنكار على من يزعم أن أحدا من عباده يقدر على أن ينفع أحدا منهم بشفاعة، أو غيرها، والتفريع والتوبيخ له ما لا مزيد عليه وفيه من الدفع في صدور عباد القبور والصد في وجوههم والفت في أعضادهم ما لا يقادر قدره ولا يبلغ مداده والذي يستفاد منه فوق ما يستفاد من قوله تعالى: “وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى” (الأنبياء: 28). وقوله تعالى: وَكَم مِّن مَّلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِن بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ “لِمَن يَشَاءُ وَيَرْضَى” (النجم: 26).

  • وقوله تعالى: “لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ” (النبإ: 38).

بدرجات كثيرة وقد بينت الأحاديث الصحيحة الثابتة في دواوين الإسلام صفة الشفاعة ولمن هي ومن يقوم بها. [3]

  • قوله تعالى: “

    ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم”

    (البقرة:243)

وهذا الاستفهام يراد به التنبيه والتفكر، والمعنى في هذا ونحوه: انظر بفكرك في هذه الأمور، وتنبه لما تحمله من دلالات وإرشادات. ومن هذا القبيل، قوله سبحانه: :ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه} (البقرة:130).

  • قوله تعالى: “

    من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا”

    (البقرة:245).

هو استفهام يراد منه الترغيب في فعل أمر ما. [1]