فلسفة الكندي ومؤلفاته
من أشهر الفلاسفة الإسلاميين (
أبو يوسف يعقوب بن إسحاق الكندي)، وهو من أصول عربية، وقد حظى الكندي بمكانة عالية في العالم الإسلامي حيث كان يُعرف بـ(فيلسوف العرب)، وفي عصرنا الحالي يمكن أن يتم اعتباره حلقة الوصل بين الفلسفتين اليونانية والإسلامية، إذ عمل الكندي على أسلمة الفلسفة اليونانية أي جعلها موائمة مع مبادئ الدين الإسلامي، كما قام بالنظر في
نظرية المعرفة
،
وقد كان جزء لامع من البلاط العباسي ببغداد وذلك بالقرن التاسع، فضلًا عن تدريسه لابن الخليفة، كما اشتهر الكندي بما حققه في المفاهيم الفلسفية وتنمية مفردات الفكر الفلسفي باللغة العربية.
الكندي
فيلسوف العرب
من أشهر نظريات الكندي الفلسفية هي (الميتافيزيقا)، إذ أن
علمه يتوافق على الفور مع الدراسة المتعلقة بالله تعالى، وهذا باعتبار أن الفلسفة هي البحث في الحقيقة، ولذلك تصبح الفلسفة الأولى هي معرفة الله عز وجل، إذ أنه الحقيقة الأولى وسبب جميع الحقائق، وعلى الرغم من أن ذلك ربما لا يبدو أن له علاقة وثيقة بشرح أرسطو للفلسفة الأولى كعلم للوجود، إلا أن الكندي يربط الحقيقة بأن (“كل ما له وجود له حقيقة”)، فعند القول بأن الله هو مُسبب كافة الحقائق فيكون كالقول بأن الله هو سبب كل الوجود. [1]
قام
إسحاق الكندي
بمناقشة السبب الأول الخاص بالوجود على وجه الدقة عن طريق الدفاع عن السبب الأول للوحدة، كما يؤكد على أن “القيام بإحضار شيء ما” يدل على فرض وحدة من نوع معين، وعليه فإن لاهوت الكندي الفلسفي يتميز بجانبين أساسيين وهما: التأكيد على وجوب وجود “واحد حقيقي” ويكون هو سبب الوحدة في كافة الأشياء، والنقاش حول طبيعة ذلك الحق، يتم التعامل مع هذه الجوانب في القسمين الثالث والرابع من الفلسفة الأولى. [1]
بينما في الجزء الثالث يقوم الكندي بالمقام الأول على إثبات عدم وجود شيء يُحتمل أن يكون سببًا خاصًا به، وهي نقطة لا يتم استعملها بشكل صريح فيما يلي، وربما أن المُراد منها هو بيان أنه لا يوجد أي شيء يمكن أن يكون سبب وحدته، كما يقوم بتصنيف جميع المسندات أو المصطلحات (مقولات) إلى جنس، أنواع، فرق، فردي، حادث مناسب، وحادث شائع، ويأخذ كل منهما في دوره.
فلسفة الكندي
كما يناقش إسحاق الكندي أمر أن كل نوع من المسند يشير إلى الوحدة والتعددية في ذات الوقت، والمثال على ذلك يكمن في أن الحيوان يُعد جنس واحد، في حين أنه يتكون من عدة أنواع، وكذلك يمكن القول في الإنسان إذ أنه نوع واحد، بينما يتكون من الكثير من الأفراد، كما أن الإنسان الواحد هو شخص وحيد، في حين أنه يتكون من الكثير من الأجزاء في جسمه، ولذلك يمكن التوصل إلى أن الكندي يحاول الوصول إلى تفسيرات ارتباط الوحدة والتعددية في كافة الأمور الحياتية، ومن أجل ذلك يقوم بالنقاش حول أن الارتباط من المستحيل أن يكون مجرد نتيجة للصدفة، كما أنه من غير الممكن أن يكون السبب راجع إلى أي شئ من مجموعة الأشياء التي هي واحدة ومتعددة في آن واحد.
ولذلك يلزم التأكد من كون هناك سبب خارجي للارتباط الموجود ما بين الوحدة والتعددية، وأنه سيكون سببًا واحدًا على وجه الحصر، ولا يشتمل على أية صور من التعددية، وأشار الكندي حول ذلك الأمر بقوله إنه سبب “جوهري” بينما أن جميع الأشياء الأخرى “عرضي”، وكذلك يشير إليها على كونها “واحد في الحقيقة”، أما عن الأشياء الأخرى فهي واحدة “مجازيًا”، ويمكن اختصار الأمر في أن الكندي يريد أن يتوصل إلى أن السبب في السؤال هو “الحق” أو الله عز وجل. [1]
مؤلفات الكندي
من حسن الحظ وجود قائمة تحمل عناوين الأعمال المنسوبة إلى الكندي وهي التي تضم
انجازات اسحاق الكندي
، وهي توجد في فهرست القرن العاشر لبائع الكتب ابن النديم، إذ أنه يمكن إرجاع الفضل إلى ابن النديم في معرفة أن الكندي قام بكتابة مئات الرسائل في مجموعة متنوعة تمامًا من التخصصات الفلسفية والعلمية، ولكن العناوين العلمية والرياضية تتعدى بكثير عدد العناوين التي وُجدت في الفلسفة.
مخطوطة اسطنبول
ومن الجدير بالذكر أن كل هذا كان سيضيع في يومنا هذا لولا وجود مخطوطة واحدة محفوظة في مدينة اسطنبول بتركيا، والتي تضم الغالبية العظمى من مؤلفات إسحاق الكندي الفلسفية الموجودة (تم تحريرها في أبو ريدة عام 1950 و 1953، كما تم تحرير العديد من النصوص المهمة وترجمتها في راشد وجوليفيت عام 1998)، ويحتوي ذلك العمل الذي اشتهر به في الفلسفة الأولى على نسخة من هذه الأطروحة ولكن غير كاملة، إذ تتكون من الجزء الأول فحسب، والذي يُقسم إلى أربعة أقسام كالتالي:
-
القسم الأول منه يُعتبر في الأساس كتقديم نصائح للقارئ حتى يُكرم الحكمة الفلسفية اليونانية.
-
أما القسم الثاني فيضم جدال الكندي المعروف عن بقاء وخلود العالم.
-
بينما الثالث والرابع يؤكدان حقيقة وجود “واحد حقيقي”، وهو الله تعالى، كما أنه مصدر الوحدة في كافة الأشياء الأخرى، وينظران إلى عدم قدرة تطبيق اللغة على ذلك الحق. [2]
كما تتضمن
مخطوطة اسطنبول
كذلك على واحدة من النسخ النادرة لكتاب الكندي في الفكر للبقاء باللغة العربية (وهي محفوظة في الترجمة اللاتينية أيضًا)، وتلك هي أول الرسائل في التقليد العربي التي تمنح تصنيفًا لأنواع الفكر، كما كان معتادًا عند الفارابي وابن سينا وابن رشد
كما قامت بعض الأعمال الأخرى بتسليط مزيدًا من الضوء على علم النفس الكندي (أي نظرية الروح)، إذ يتألف الخطاب في الروح من اقتباسات مأخوذة من فلاسفة اليونان، بالإضافة إلى وجود مواد منفصلة تستعمل أقوال أرسطو في إثبات أن الروح غير مادية، أما في النوم فيقدم الحلم سردًا للأحلام النبوية من خلال نظرية أرسطو في الخيال، ترتبط نظريات الكندي النفسية بعمله الهام الوحيد الباقي عن الأخلاق (في تبديد الأحزان)، وكذلك عمل على تأليف مجموعة من الحكايات والأقوال الأخلاقية المنسوبة إلى سقراط. [2]
نظريات الكندي
كما أن الكندي قام بعرض نظرياته الكونية في نصين آخرين، وقد تم إيجادهم في نفس ذات المخطوطة، وهما عن سبب العامل القريب للجيل والفساد وسجود الكرة الأبعد، بالإضافة إلى وجود الكثير من الأعمال التي ترتبط بالأرصاد الجوية والتنبؤ بحالات الطقس، وفيهما يعمل على تطبيق الأفكار الكونية نفسها لإظهار كيفية إنتاج الحركة السماوية المطر وظواهر الأرصاد الجوية الأخرى في العالم السفلي الذي نحيى فيه.
في حين أن تلك الأعمال قد تأثرت بأرسطو، ولكن الكندي قام بالاعتماد كذلك على بعض المصادر اليونانية الأخرى مثل (بطليموس) حيث كان إدراكه للتقاليد العلمية الخاصة باليونان ذات نطاق واسع في حقيقة الأمر، فيمكن ذكر مثال على ذلك أنه قام باستخدام إقليدس والأفكار التي يمكن رجوعها إلى بطليموس في عمل شهير حول البصريات في وجهات النظر، والذي لم يُحفظ إلا في اللاتينية، ويمكن القول بأن مجموعات الكتب العلمية التي توجد لدى الكندي ضخمة جدًا وتشتمل على أطروحات متعلقة بصناعة الأدوية، الموسيقى، علم التنجيم والرياضيات كذلك. [2]