أين وقعت معركة أنوال الشهيرة
معركة أنوال هي معركة وقعت في 17 يوليو سنة 1921 في المغرب بين الجيش الإسباني و مجاهدين مغاربة في منطقة الريف، و تعتبر من أهم المعارك العظيمة التي شهدها المغرب بقيادة القائد الفذ عبد الكريم الخطابي، حيث انتفض أهل الريف ضد الاستعمار الأسباني و حاربوهم بمنتهى الشجاعة، فمن هو الرجل الذي حاربته دولتين؟ وما هي أسباب و دواعي هذه الحرب؟ وما هي الخطة التي اتبعها محمد عبد الكريم الخطابي في هذه المعركة؟ وماذا كانت النتائج.
من هو محمد عبد الكريم الخطابي
قامت فرنسا و اسبانيا بتقسيم مناطق النفوذ في المغرب، فكان الشمال و المناطق الجنوبية من نصيب الإسبان، بينما الوسط من نصيب الفرنسيين، فقامت عدة انتفاضات شعبية ضدهم، لكن دون جدوى وفي تلك الفترة، في بدايات القرن العشرين، ظهرت عدة أسماء تناضل ضد المحتلين، منهم الشريف محمد أمزيان في الفترة من (1909-1912م) ، و هو من أبناء أحمد عبد السلام القلعي الريفي الأمازيغي، وكذلك الشريف الثائر أحمد الريسوني في الفترة من (1912-1925).
كان يسميه الإنجليز البريسولي ويعتبره المغاربة بطلا تحدى قوة إنجلترا والولايات المتحدة الأمريكية رغم الأسلحة والمدافع التي تملكانها، و قاوم كل الإغراءات وكان يطمح إلى رؤية المغرب حرا، ومن دون أية وصاية أجنبية، لذلك حاولت الدولتان ترويج تهم الخيانة ضده والقول إنه ساعد إسبانيا على احتلال العرائش والقصر الكبير في محاولة لتحريض القبائل ضده، ثم جاء دور القائد العظيم محمد عبد الكريم الخطابي الذي كان يعرف بأسد الريف، ولد القائد الفذ في أجدير بالمغرب سنة 1882، و ينتسب إلى قبيلة بني ورياغل من منطقة الريف.
وكان قائدا للمقاومة ضد الاستعمار الإسباني والفرنسي. و هو مؤسس جمهورية الريف في المغرب و السبب المباشر في هزيمة الاحتلال الاسباني في معركة أنوال، بعثه والده إلى جامعة القرويين في فاس للتعلم هناك، ثم التحق بجامعة سلمنكا الإسبانية، فدرس الحقوق وحصل على درجة الدكتوراه، وبعدما عاد أصبح قاضياً في مدينة مليلية وأصبح لاحقاً قاضي قضاة.
تم اعتقال الخطابي سنة 1915، وسُجن 11 شهراً، و أثناء محاولته الهرب كُسرت قدمه، بعدها بسنوات ، بدأ الخطابي يضع أسس دولته الجديدة وجمع القبائل وأعلن الجهاد في وجه المستعمر، وكان الخطابي يعتمد أسلوب الهجوم المباغت على نقاط الإسبانيين الرئيسية، و يقوم بالسطو الليلي للحصول على أسلحتهم، وقام بتكوين جيش متواضع مقارنة مع الجيش الاسباني لكن سرعان ما انضمت إليه القبائل و بايعته أميرا عليها، وبعد انتصاراته المتتالية كلفت اسبانيا الجنرال مانويل فرنانديز سلفستر بمواجهته والقضاء على ثورته، و حصلت المعركة الشهيرة موضوع مقالنا.
توفي الخطابي في القاهرة بعد أن دخلها كلاجئ سياسي، في6 فبراير سنة 1963. ولا يزال يعتبر إلى الآن بطلا قوميا في المغرب وأحد رموز التحرير في معظم الدول، وقد دفن في مقبرة الشهداء بالقاهرة بعد تاريخ نضالي مشرف.
كيف قاد عبد الكريم الخطابي المقاومة
لم يقف أبطال الريف مكتوفي الأيدي إزاء العدوان الإسباني، فقد كان الرد حاسمًا و سريعًا ، فبعد إعلان الاتفاق الفرنسي الإسباني في سنة 1912م، بدأ الكفاح الشعبي المسلح في المغرب كله ، وبدأت المقاومة في الريف الذي أشعل ثورتها محمد عبد الكريم الخطابي حيث لم يكتفي هذا الأخير بالتوعية والموعظة في المساجد ، بل عمل على إصلاح الأحوال الداخلية وتنظيم القيادات العسكرية، فعكف على شراء الأسلحة والعتاد ووضع أُسسًا جديدة للقتال وقام بتدريب المجاهدين على أساليب الحرب.
كان المشهد السياسي في الريف في غاية التعقيد في تلك المرحلة، وتميز بتنافس إسباني فرنسي ألماني، ولعل ابرز ما دفع عائلة الخطابي إلى المقاومة بقيادة الأب هو توغل الاسبان في منطقة بني ورياغل حيث قاموا باعتقال الكثيرين، كما روجوا لإشاعات خضوعه للمستعمرين،.
فقام بتعبئة القبائل في المساجد و الأسواق وجمع الكثير من المجاهدين الريفيين لمحاصرة نقطة تفرسيت الاستراتيجية، سنة 1920م، في الوقت الذي بقي الأبناء محند و أخوه محمد في أجدير للتخطيط للثورة بعد أن فطن الخطابي لأطماع اسبانيا في الريف الشرقي من خلال احتلال الحسيمة و الحصول على ثروات الريف و استغلال المعادن بعد الاستيلاء على الناظور و تطوان و الاستعداد للهجوم على ثورة الريسوني لاحتلال شفشاون كذلك.
بعد وفاة الأب استمر الجنرال سيلفيستري في التوغل بغية الوصول إلى الحسيمة، وتمكن من إنشاء الكثير من نقاط المراقبة العسكرية، قام محمد بن عبد الكريم بمهاجمة النقطة برفقة 300 مقاتل، بشكل مفاجئ، وأسفر الهجوم عن مقتل نصف الحامية العسكرية الإسبانية، إضافة إلى غنائم القوات الريفية من قطع مدفعية ومعدات حربية أخرى و تعتبر هذه أول هزيمة نكراء للقوات الاسبانية مما دفع الكثيرين للالتحاق بجيش عبد الكريم حيث وصل العدد إلى 1000 مقاتل جلهم من بني ورياغل وبني توزين. ثم حقق النصر الثاني في سيدي بيبان شمال غربي أنوال، فقد فيه الإسبان المئات من الجنود.
ثم وحد الخطابي صفوف قبائل الريف شمال المغرب و قبائل جبالة و سماها ” مجلس القبائل “، حيث حَوّلَ صراعهم نحو الاحتلال الإسباني الذي سيطر على جل القبائل بالقرب من مليلية، ووصل إلى قلب تمسمان الموجودة بين الحسيمة و الناظور وإلى أنوال القرية الموجودة في الريف شمال المغرب نحو 120 كلم غرب مليلية ومدينة الناظور وهناك دارت معركة أنوال العظيمة في مايو سنة 1921 م.
تفاصيل معركة أنوال و نتائجها
في الساعة السادسة مساء من 20 يوليوز1921، وصل عبد الكريم ب1500 جندي و يقال 3000 جندي إلى موقع أنوال لتشتعل الحرب حتى صباح 21 يوليو من نفس السنة، وقد اتبع الخطابي في هذه المعركة خطة التخندق حول “إغريبن”، و منع كل الإمدادات التي تحاول فك الحصار على جيش العدو الذي كان يستهلك مياه عين عبد الرحمــــن فركزوا حصارهم حول هذا النبع المائي، و بذلك حرمت القوات الاسبانية من الماء، واشتد عطشهم إلى درجة اضطرارهم إلى شرب عصير التوابل وماء العطر.
وهناك مصادر تاريخية تؤكد أنهم شربوا البول من شدة العطش، كما استدرج الجيش الإسباني إلى مناطق جبلية وعرة كان قد حفر بها بعض الخنادق لمباغتة القوات الإسبانية، كما اعتمد الخطابي أيضاً على وجود عدد كبير من جنوده في مواضع ممتازة تمكنهم من اصطياد الجنود الإسبان الهاربين من ساحة المعركة وقتلهم وهذا ما حدث بالفعل.
و رغم كونهم فئة قليلة وبوسائل بسيطة مقابل جيش عتيد وأسلحة متطورة واليات حربية معاصرة تمكنت قوات الريف الثائرة بقيادة الخطابي من الفوز في المعركة وانهزم الجنرال سلفستري هزيمة نكراء، و انتهت الحرب بانتحار سلفستري و موت الكولونيل موراليس الذي أرسل عبد الكريم جثته إلى مليلية؛ لأنه كان رئيسه في إدارة الشؤون الأهلية سابقا.
ومن أهم نتائجها أيضا حسب ما ذكره الخطابي في مذكراته الغنائم، والتي تتمثل في 200 مدفع، وأزيد من 20000 بندقية، ومقادير لا تحصى من القذائف وملايين الخراطيش وسيارات وشاحنات، وتموين كثير يزيد عن الحاجة، وأدوية وأجهزة التخييم. وهذا ما جعل الخطابي يقول “لقد أعطانا الإسبان في ليلة واحدة كل ما نحتاج إليه للقيام بحرب كبيرة”، وبالإضافة إلى المعدات العسكرية تم أسر 700 أسير وفقد الإسبان 15000 جندي ما بين قتيل وجريح.
كما تتبعت جيوش عبد الكريم الخطابي قوات الجيش الأسباني، حتى وصلوا إلى مليلية. وبعد ذلك أصدر عبد الكريم أمره بالتوقف وعدم الدخول إلى مليلية المحصنة لاعتبارات دولية وسياسية وعسكرية، و قد اعترف عبد الكريم بغلطته الكبرى في عدم استرجاعه لمليلية في مذكراته بمرارة و حزن.
وكانت لهذه الحرب انعكاسات سياسية و عسكرية خطيرة على إسبانيا و فرنسا، مما اضطرهم للتحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على ثورة الريف قبل أن تستفحل شوكة الخطابي و يقوى نفوذه، فقاموا بشن هجوم قوي، واستعملت في هذه الحملة أقوى الأسلحة السامة الخطيرة لأول مرة، وتم تجريبها على سكان الريف الأبرياء دون رحمة و ترتب عن ذلك تسميم الكثير من الأراضي بالريف.
تأسيس جمهورية الريف
قام عبد الكريم الخطابي بتأسيس جمهورية الريف في 18 سبتمبر سنة 1921، عندما ثار سكان منطقة الريف في شمال المغرب على إسبانيا وأعلنوا استقلالهم عن الحماية الإسبانية للمغرب. كانت الجمهورية عاصمتها أجدير و أميرها هو عبد الكريم الخطابي و عيدها الوطني هو يوم استقلالها، ثم حُلَّت الجمهورية في 27 مايو سنة 1926 بسبب تحالف قوى إسبانية فرنسية كان تعدادها 500,000 مقاتل وجيش من المرتزقة وباستخدام مكثف للأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا.
و بعد محاصرة عبد الكريم الخطابي و تشديد الخناق عليه وبمشاركة آلاف الخونة الذين تم تجنيدهم للقضاء على ثورة الريف قام بتسليم نفسه إلى القوات الفرنسية بعد أن اقتحم إحدى الثكنات العسكرية بجواده بمنتهى الشجاعة خوفاً من إبادة أهل الريف إذا أكمل المقاومة ضد المحتلين، ثم قرر الفرنسيون نفيه إلى جزيرة لارينيون، أواخر سنة 1926، وفي سنة 1947 حين كانت السفينة كاتومبا الأسترالية متوجهة به إلى فرنسا، وتوقفت بمصر أثناء مرور الباخرة ببورسعيد.. ، لجأ إلى السلطة المصرية، كلاجئ سياسي، وعاش بها حتى وفاته.
تلك نظرة موجزة عن معركة أنوال العظيمة التي ستبقى ذكراها راسخة في عقول كل المغاربة وقائدها العظيم عبد الكريم الخطابي الذي كان مثالا يحتذى به في النبل و الأخلاق و الشهامة، رجل رفض كل الإغراءات التي يسيل لها اللعاب و رفض أن يخضع لكل الضغوط في سبيل تحرير البلاد و العباد من قبضة مستعمر غاشم، فرحم الله الخطابي و كل أبطال الريف الأشاوس.