أين وقعت معركة إيسلي
تعد معركة إيسلي من الأحداث الهامة في تاريخ المغرب و تمثل الموقف المشرف للمغاربة مع الجزائر و تضامنهم مع المجاهدين الجزائريين الذين قاوموا الاحتلال الفرنسي ببسالة و تقديم يد العون لهم، وبسبب هذه المساعدة قصفت فرنسا مدينة طنجة و الصويرة، ثم وقعت معركة إيسلي الشهيرة التي استشهد فيها الآلاف من المغاربة و انتهت بخسارة الجيش المغربي أمام القوات الفرنسية. لنتعرف على أسباب هذه المعركة و نتائجها من خلال هذا المقال.
معركة
إيسلي
وقعت هذه المعركة في الجرف الأخضر بالقرب من مدينة وجدة المغربية في 14 غشت سنة 1844، بين الجيش المغربي و الفرنسي بسبب مساعدة السلطان عبد الرحمن للأمير عبد القادر و أبناء تلمسان، و دعمه للمقاومة الجزائرية، حيث استقر الأمير عبد القادر بضواحي وجدة واستقبله المغاربة و أكرموه، بل عرضوا عليه المبايعة نظرا لمقاومته الشرسة للاحتلال الفرنسي و جهاده لتطهير الجزائر من المحتلين، مما دفع فرنسا إلى خلق البلبلة و الفتنة بين السلطان و الأمير لكن بدون جدوى، يذكر المؤرخون أن المعدات من الأسلحة والذخيرة كانت ترسل إلى المقاومة الجزائرية من المغرب، كما كانت بنادق المجاهدين يتم صنعها في المغرب في معامل مكناس و فاس و مدن أخرى، وفي ظل تزايد نفوذ الأمير عبد القادر و دعم السلطان عبد الرحمان له و للمجاهدين تدهورت العلاقات الفرنسية و المغربية مما دفع فرنسا لمهاجمة المغرب فيما يسمى بمعركة إيسلي.
أسباب معركة
إيسلي
عقب حادثة المروحة الشهيرة التي كانت الذريعة أو السبب المباشر لإعلان فرنسا الحرب على الجزائر وحصارها لمدة 6 أشهر، ثم احتلالها سنة 1830 م، ومقاومة الجزائر بقيادة الأمير عبد القادر بعد الإبادة الجماعية للثوار و المدنيين و محاصرتهم بالإضافة إلى سياسة بيجو الحربية أو سياسة الأرض المحروقة، كان المغرب عقب هذه الفترة يدعم الجزائريين وأميرهم عبد القادر بعد انهزامه في أحد المعارك مع الجيش الفرنسي، فلجأ إلى الحدود الشرقية للمغرب متخذا إياها كقاعدة خلفية في حربه ضد فرنسا، و كذلك من اجل الحصول على الإمدادات و المساعدات من المغرب.
ثم قرر الجيش الفرنسي تعقبه وتجاوز حدود الجزائر إلى المغرب و شن حملة ضد قبائل الحدود داخل التراب المغربي، متهمين السلطان باحتضان مقاومة الأمير عبد القادر، وما كانت تلك إلا ذريعة لاستفزاز المغاربة واحتلال بعض المناطق والتوغل فيها بحجة ملاحقة الأمير عبد القادر، فأثار هذا الفعل سخط المغاربة و السلطان عبد الرحمان الذي قام بإرسال القائد القناوي في 22 ماي سنة 1844 م إلى هناك و طلب من الفرنسيين الرحيل عن المنطقة وبعد رفض فرنسا ذلك وقعت معركة صغيرة بين القوات المغربية و الفرنسية أرغمت المغاربة على الانسحاب و الذهاب إلى وجدة، واستمرت المفاوضات بين الطرفين لفترة طويلة حيث تمسك السلطان بطلبه في جلاء القوات الفرنسية من “للا مغنية”. [1]
بينما طلبت منه فرنسا بشكل مباشر طرد الأمير عبد القادر و نفيه إلى إحدى المدن المغربية على المحيط الأطلسي، و أن تقطع عنه جميع المساعدات من مال و سلاح و غذاء.. مما أدى إلى فشل المفاوضات رغم محاولة بريطانيا التدخل لتهدئة الأمور بين فرنسا و المغرب، إلا أن فرنسا أوهمت السلطات البريطانية بأنها لن تتملك من التراب المغربي أي شيء، مما دفع بريطانيا إلى التخلي عن التدخل في الأزمة المغربية الفرنسية عكس ما توقعه المغرب.
ونتيجة لذلك قام بيجو باحتلال مدينة وجدة سنة 1844، و أرسل إنذارا للسلطان عبد الرحمان بسحب قواته الموجودة هناك. وعندما فشلت المفاوضات مرة أخرى قام الدوق دو جوانفيل بقصف مدينة طنجة يوم 6 غشت سنة 1844م، عند ذلك قرر السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن بن هشام إرسال ابنه وخليفته سيدي محمد لملاقاة الجيش الفرنسي وصده بقوات متواضعة مقارنة مع القوات الفرنسية المنظمة و المسلحة، و يمكن اعتبار هذه المعركة السبب المباشر في تغيير العلاقات المغربية الجزائرية خاصة بعد توقيع معاهدة طنجة في 10 سبتمبر سنة 1844 م، ومعاهدة للا مغنية في 18 مارس سنة 1845م.
احداث معركة ايسلي
توجه سيدي محمد لمواجهة القوات الفرنسية بجيش تعداده 25000 مقاتل على الأكثر، إذ كان هذا الجيش يفتقر إلى التنظيم والتسلح بسلاح المدفعية وفرق المشاة، على اثر ذلك بدأت القوات المغربية في التجمع على الضفة اليمنى لواد إيسلي بجانب المتطوعين من كافة القبائل المغربية معززين ب 11 مدفعا.
كانت القوات المغربية يقودها محمد بن عبد الرحمان الذي قام بتوزيع جيشه في بعض المناطق متمركزة في الضفة اليمنى و اليسرى لواد إيسلي، تم وضع مراكز للمراقبة على المرتفعات المحيطة بالمخيم لمراقبة جميع تحركات القوات الفرنسية بينما كان الجيش الفرنسي يتكون من حوالي 11000 جندي بقيادة بيجو الذي اقترح المواجهة المباشرة رغم معارضة القادة له، وسرعان ما انهزم الجيش المغربي بفضل الإستراتيجية المحكمة التي اتبعها بيجو في مواجهة القوات المغربية خاصة بعد انتشار خبر وفاة محمد بن عبد الرحمان في المعركة وهو خبر كاذب، فعمت الفوضى في الجيش المغربي.
و بدلا من مواجهة القوات الفرنسية تسارع الجند إلى محلة الملك فنهبوها، و صاروا يتقاتلون فيما بينهم من أجل المال، و سرعان ما سيطرت فرنسا على المعركة و لاذ الجنود المغاربة بالفرار، وبذلك تعرض الجيش المغربي لهزيمة قاسية نكراء أمام القوات الفرنسية التي قامت بقصف مدينة طنجة و الصويرة، كما قام بيجو بتهديد السلطان عبد الرحمان باحتلال فاس مما دفع بريطانيا إلى التدخل الفوري من خلال اللورد أبردين و تهديد فرنسا بالحرب، فتراجع بيجو عن أهدافه الاستعمارية و قرر الدخول في مفاوضات مع المغرب، مما دفع السلطان عبد الرحمان للخضوع للقوات الفرنسية و توقيع معاهدات طنجة و للا مغنية.
نتائج معركة
إيسلي
انتهت المعركة بانتصار الفرنسيين بعد أن خسر الجيش المغربي الكثير من الجنود ما بين 800 قتلى و جرحى وأسرى لدى الجيش الفرنسي، ناهيك عن الخسائر الفادحة في طنجة و الصويرة بعد القصف من طرف الأسطول الفرنسي، وهيبة المغرب الذي أصبح مطمعا لبعض الدول الأوروبية تحديدا اسبانيا، بعد أن كانت أوروبا تهاب المغرب بعد معركة وادي المخازن العظيمة.
كما فرضت فرنسا شروطا قاسية على المغرب وقامت الاستيلاء على بعض الأراضي المغربية، بالإضافة إلى غرامة مالية كبيرة، ومنع المغرب من التعامل مع الجزائر و تقديم المساعدة بأي شكل من الأشكال.
معاهدة لالة مغنية
اضطر المغرب لتوقيع معاهدة للا مغنية بمدينة مغنية الجزائرية مع فرنسا بتاريخ 9 ربيع الأول عام 1260 هجرية الموافق ل 18 مارس 1845م، بعد مهاجمة فرنسا للسواحل المغربية، مما أدى لوفاة الآلاف من الشهداء. وقد وقع المعاهدة التي تضمنت الكثير من الشروط عن الجانب المغربي عامل وجدة احميدة بن علي الشجعي، وعن الجانب الفرنسي الجنرال الكونت دو لا ري، و قد كانت هذه المعاهدة بمثابة تقييد إلزامي للمغرب بعدم دعم المجاهدين الجزائريين.
تبقى معركة إيسلي ذكرى خالدة في أذهان المغاربة، وملحمة بطولية دعم فيها المغاربة إخوانهم الجزائريين في مواجهة الاحتلال الفرنسي، بالإضافة إلى حسن الجوار بين البلدين والعلاقة الوطيدة، رغم الهزيمة و النتائج السيئة للمعركة غير أن المتطوعين المغاربة ما لبثوا أن ألحقوا بالمستعمر هزيمة نكراء خلال مشاركتهم في معركة سيدي إبراهيم بالغزوات القريبة من الحدود المغربية سنة 1845. [2]