هل التخاطر شرك بالله
يعد التخاطر أحد الظواهر التي أختلف الكثير فيها، حيث يظنها البعض وهماً والبعض الأخر يثق في نتائجها، والكثير يعتبرها ترابط روحي، والكثير يحرمها، بينما في تلك المسائل الشائكة يجب اللجوء إلى الدين والتعرف على أصل التشريع، ودراسة وفهم الظاهرة بمعناها الروحي أو بالمعنى المقصود، حيث حين تتقابل الأرواح دون قصد، وتتخاطر الأفكار وتتوارد دون عملية مدروسة، فذلك أمر، وحين يدخل الإنسان نفسه في دائرة من الدجل والعبث هذا أمر أخر، لذا فتناول الموضوع من عدة جوانب قد يجعل تفسيره أيسر وأسهل.
هل التخاطر شرك بالله
كثيراً ما يجد الإنسان نفسه يفكر في شخص ما فيجد ذلك الشخص يتصل به أو يأتي عليه، فيكون الإنسان في حيرة من أمره، ما الذي جمعنا وما الذي جعله يأتي، كثيراً أيضاً يتصل شخص بآخر بعد مدة كبيرة، فيجده يقول كنت افكر فيك قبل اتصالك، لم يقف الأمر عند هذا، فقد تشتاق لشخص ما بعد فراق دام سنوات وعدوات ومشكلات كثيرة، فتقابله صدفة أو يحادثك أو يرسل لك رسالة، فهل هذا كله عبث؟
وفي تجارب أخرى، شخص يرى أنه يشبه شخص ما في كافة التصرفات، والأحلام تتوارد بينهم، والتفكير واحد وكأن أرواحهم خلقت بالمناصفة لكل منهم جزء، كما أنهم شديد الحب والألفة، فماذا يجمع بين تلك المتألفة أرواحهم؟!
هل هناك حقاً من هو يستطيع توقع الأشياء قبل حدوثها، وهل متاح في هذا العالم أن تشعر القلوب بما لا تراه العين، هل حقيقي أن هناك أناس يروا القلوب وما تخفي، وهل هناك كرامات مازالت تمنح للبشر؟!
ماذا عن قوانين الشفافية، وعن قانون الجذب، وماذا في علم ما وراء علم النفس، وهل توارد الأفكار وزيارة الأرواح بعضها البعض علم أم وهم كبير أثر على العالم؟!
على جانب أخر هناك العديد من القصص التي تجعل أصحابها في حيرة من أمرهم، مثل أن يقع شخص تحت تأثير تفكير أخر، فتراه يفكر طيلة الوقت في شخص لم يكن له مشاعر الحب الكاملة، ولم يتذكر منه سوى بعض الذكريات القليلة، ولكنه متأثر به ويفكر فيه منذ فترة، ولا يعلم السبب؟!
هل للقرين دور في تقابل الأرواح عنوة، أم قانون الجذب هو الفاعل في هذه القضية، وهل من الممكن ان يكون الامر كقصة التفاحة مع نيوتن، وفيما بعد يصبح التخاطر علم كالفيزياء؟!
كل تلك التساؤلات قد تدور في فكر أي شخص يريد أن يعرف عن التخاطر ،و
هل التخاطر حرام
؟ فالكلمة تتردد كثيراً بين الأشخاص، وفي الواقع أن هناك خلط بين التخاطر والشفافية وتوارد الأفكار وقانون التجاذب والطاقة الإيجابية والعبث والدجل والشعوذة، وفيما يلي توضيح لكل فكرة من بين هؤلاء تفصيلاً:
حقيقة التخاطر
هل تعلم
أن التخاطر في معناه اللغوي، هو عبارة عن ظاهرة من نقل العواطف والشعور من إنسان للأخر عن بعد، وهو إدراك غير حسي، كما يدخل التنبؤ والاستبصار وفق تعريفات التخاطر[1].
وفي الواقع التخاطر الذي يحدث بشكل غير إرادي لا حرام فيه، كأن يفكر الشخص في عزيز عليه أو في شخص ما، دون قصد التأثير عليه، ودون حالة من التحضير لذلك، كما يقول بعض المشعوذين، أغلق النور وأجلس في مكان هادئ، وأغمض عيناك و.. الخ، فكل ذلك دل لا أصل له في الشرع ولا في الدين، وهو محرم لأنه احد طرق استدعاء الجن والقرين، ورغم إنه قد يحقق الهدف من ورائه، ولكنه كالسحر وكالأعمال، كما إنه يسيطر على شعور الاخر عنوة، وقد يؤثر بالسلب على حياة أناس، فالحب والشعور والإنسانية والمشاعر، لا تأثير عليها إلا بما يريد الله، فالله تعالى أختص نفسه بهداية من يشاء، وتقليب القلوب، كما أن الله تعالى حرم الاسقاط النجمي، والذهاب للدجالين، واتباع خطوات الشيطان، فكل من فعل شيء يؤثر على الإنسان أو الطرف الأخر، يقع تحت طائلة السحر والدجل والشعوذة والعياذ بالله[2].
الفرق بين التخاطر والشفافية
أما عن الشفافية، فكثيراً ما يشعر شخص بأن هناك أمر ما سيحدث، فبعض دقائق أو يوم أو شهر يحدث الأمر الذي قد تنبأ به الشخص هذا، فيشعر من حوله، بأنه شخص مبارك أو بأنه يعلم ما لا يعلمون، ولكن الامر أكثر بساطة من ذلك، فالله تعالى وهب الكثير من عباده النعم، أشكال وألوان لا يدرك البشر ما يمكن لله أن يهدي به غيرهم وبما يختص به عباده، والشفافية ليست بأمر حديث ولا جديد، فالدين مليء بتلك القصص.
هناك قصة معروفة عن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، حيث أرسل جيش بقيادة سارية إلى الشام، وفي أثناء اعتلاء عمر رضي الله عنه المنبر، وجده الحضور للخطبة يقول الجبل يا سارية.. الجبل يا سارية، لم يفهم حاضري الخطبة ما يقصد عمر، ولكن سرعان ما انحل اللغز حين رجع سارية إلى مكة، وحكى ما حدث معه ومع جيشه، إذ بهم تفاجئوا بجيش العدو قادم، فيقول سارية في مشهد تقشعر له الأبدان والله يا عمر سمعت صوتك تقول الجبل يا سارية الجبل يا سارية، فألهمني الله أن نذهب أنا وجيشي وراء الجبل، حتى تمكنا من أن نسيطر عليهم، ولكن في هذه القصة لم يقف العلماء متحيرين، حيث أرشد النبي محمد صلى الله عليه وسلم بحديثه المبارك” إنه قد كان فيما مضى قبلكم من الأمم محدثون وإنه إن كان في أمتي هذه منهم فإنه عمر بن الخطاب”، إذ أن عمر رضي الله عنه كان يلهمه الله ببعض من مجريات الأمور، وازال الرسول الكريم بقوله المبارك التشويش الذي قد يحدث أو خلط الأمور، فلم يحضر عمر الجن، ولم يخاطب سارية وهو نائم في مكان ما يستحضر روحه، بل كان في المسجد على المنبر، والحقيقة والغرابة ليست في قول عمرن فهو ذو قلب يرى، وهذا قول لا يقبل الجدل، فقد ورد حديث شريف في هذا، أما ماذا عن سماع سارية صوت عمر؟!، في الحقيقة، أرجع العلماء ذلك إلى أن الله تعالى حين يريد أمر يقول له كن فيكون، خاصة أن هؤلاء المجاهدين في معية الله ويد الله معهم[3].
وفي قصة أخرى عن علي بن أبي طالب حيث دخل رجل عليهم فقال، إن عين الرجل هذا تزني، واثبت أن الرجل كان ينظر حقاً إلى محرمات لا يجب النظر إليها.
ورد في القرآن الكريم العديد من القصص حول أن يحلم نبي أو عبد صالح بأمر ما ويتحقق، كيوسف الصديق، عليه السلام، وكإبراهيم عليه السلام.
فتلك هبات من الله يمن بها على من يشاء، مادام لم يحاول احد ان يفعل شيء منها بنفسه، ولا يحصن نفسه بأعمال ولا بسحر ولا أن يؤذي أحد، ولا حرج فيها، بل هي أمر محبب ومميز.
الجذب والطاقة والتخاطر
يعتبر التجاذب والطاقة أمر موجود في الحقيقة، ولكن هناك مسافة صغيرة تفصل بين ما هو حلال وما هو حرام، وقد يندرجوا تحت مصطلح التخاطر، حيث إن الكثير من الناس، يفكر في أمر ما إيجابي أو سلبي فيحدث كما توقعوا، هناك من يرجع ذلك للصدفة، وهناك من يؤمن بأن هناك قانون للتجاذب لا يمكن إغفاله، وهناك من يحاول استدعاء ذلك، ولكن الأمر لا لبس فيه، فجاء الدين الإسلامي كاشف لكل ما يحير الأناس، حيث أن التجاذب ورد بشكله المبسط في قول الرسول الكريم، في الحديث الشريف “عن ابن عباسٍ رضي اللَّهُ عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَى رَجُلٍ يَعُودُهُ، فَقَالَ:
لاَ بَأْسَ طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّه
، فَقَالَ: كَلَّا، بَلْ حُمَّى تَفُورُ، عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، كَيْمَا تُزِيرَهُ القُبُورَ ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : “
فَنَعَمْ إِذًا[5]”
كما ورد في سند عن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت “نَّ الْبَلَاءَ مُوَكَّلٌ بِالْكَلَامِ” حيث إن الكلام السلبي قد يتحقق في صورة من البلاء، كما أن الله تعالى عند حسن ظن العباد، فلا مشكلة من التفاؤل وتخيل الأمور الجيدة، ونبذ الطاقة السلبية، واستخدام الاستغفار والصلاة والصبر والتوكل على الله في كافة الأمور، ولكن استجلاب الطاقة من خلال بعض الأعمال والشعوذة امر مرفوض تماماً ومحرم دينياً[4].
فلا يمكن الاستعانة بغير الله في تدبير أي أمر من أمور المؤمن، وغير مستحب الإيمان حتى بالأشياء الغير مبنية على تشريع معين ومذكور في الكتاب والسنة، كما أن يجب على المرء أن يتقي الله، فقد يشعر الشخص إنه يحب فلان ويريد أن يصل إلى قلبه، لكن الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يصل بها الشخص إلى أي إنسان هو الله عز وجل الذي إذا أراد أمر جعله حقيقة، فلا داعي من الدخول في أمور تخرب الحياة، فما بعد الشرك بالله من ذنب، لذا فيجب أتباع تعاليم الدين، وعدم التدبير والكيد والعبث في أمور لا سلطان للإنسان فيها.