تعريف علم الأخلاق
عُرف علم الأخلاق بعدة تعريفات منها ، هو علم موضوعه أحكام قيمية ، تتعلق بالأعمال التي توصف بالحسن أو القبح ، كما عُرِّف علم الأخلاق أيضًا بأنه علم يوضح معنى الخير والشر ، ويبين ما ينبغي أن تكون عليه معاملة الناس بعضهم بعضًا ، ويشرح الغاية التي ينبغي أن يقصد إليها الناس في أعمالهم ، وينير السبيل لما ينبغي.
موضوع علم الأخلاق
أما عن موضوع الأخلاق ، فهو كلُّ ما يتصل بعمل المسلم ونشاطه ، وما يتعلق بعلاقته بربه ، وعلاقته مع نفسه ، وعلاقته مع غيره من بني جنسه ، وما يحيط به من حيوان وجماد ، أي كل ما يتعلق بتنظيم سلوك المسلم بشكل عام.
أهمية علم الأخلاق
أولًا: الأخلاق الحسنة امتثال لأمر الله ورسوله
تضافرت النصوص من كتاب الله عز وجل على الأمر بالتخلق بالأخلاق الحسنة ، ونصت على الكثير منها ، ففي قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ).. سورة النحل الآية90
.
وفي قوله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم
(خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) سورة الأعراف الآية 199.
وقد نهى عن الأخلاق المذمومة ، ويتضح ذلك جليًا ، في قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ) .. سورة الحجرات ، الآيتان 11-12.
ولما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يمتثل أمر الله تعالى في كل شأنه قولًا وعملًا ، ويأتمر بكل أخلاق حسنة ورد الأمر بها في القرآن ، وينتهي عن كل أخلاق سيئة ورد النهي عنها في القرآن ، لذا كان خلقه القرآن.[1]
وأيضًا فإن الالتزام بالأخلاق الحسنة ، امتثال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهو الذي يأمر بها ويحض عليها ، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال ، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثانيًا: الأخلاق الحسنة أحد مقومات شخصية المسلم
ان الإنسان جسد وروح ، ظاهر وباطن ، والأخلاق الإسلامية تمثل صورة الإنسان الباطنة ، والتي محلها القلب ، وهذه الصورة الباطنة هي قوام شخصية الإنسان المسلم ، فالإنسان لا يقاس بطوله وعرضه ، أو لونه وجماله ، أو فقره وغناه ، وإنما بأخلاقه وأعماله المعبرة عن هذه الأخلاق.
فيقول تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ) سورة الحجرات الآية 13.
كما يقول صلى الله عليه وسلم ( إنَّ الله لا ينظر إلى أجسادكم ، ولا إلى صوركم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثالثًا: الارتباط الوثيق بين الأخلاق والدين الإسلامي
إن ارتباط الأخلاق بالعقيدة وثيق جدًا ، لذا فكثيرًا ما يربط الله عز وجل بين الإيمان والعمل الصالح ، الذي تعد الأخلاق الحسنة أحد أركانه ، فالعقيدة دون خُلُق ، شجرة لا ظل لها ولا ثمرة ، أما عن ارتباط الأخلاق بالشريعة، فإن الشريعة منها عبادات ، ومنها معاملات ، والعبادات تثمر الأخلاق الحسنة ولا بد إذا ما أقامها المسلم على الوجه الأكمل.
لذا يقول الله تعالى ، بسم الله الرحمن الرحيم ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ) سورة العنكبوت الآية 45.
وأما صلة الأخلاق بالمعاملات، فإنَّ المعاملات كلَّها قائمة على الأخلاق الحسنة في أقوال المسلم وأفعاله ، والمتأمل في تعاليم الإسلام يرى هذا واضحا.
رابعًا : آثار علم الأخلاق في سلوك الفرد والمجتمع
تظهر أهمية علم الأخلاق لما له من أثر في سلوك الفرد ، وفي سلوك المجتمع ، كالتالي :
1- أثرها في سلوك الفرد
لما تزرعه في نفس صاحبها من الرحمة ، والصدق، والعدل ، والأمانة ، والحياء ، والعفة، والتعاون ، والتكافل ، والإخلاص، والتواضع ، وغيرها من الصفات الحسنة ، ومكارم الأخلاق ، فالأخلاق بالنسبة للفرد هي أساس الفلاح والنجاح.
فيقول تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) سورة الشمس الآيتان 9-10.
ويقول سبحانه ، بسم الله الرحمن الرحيم ( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) سورة الأعلى الآيتان 14-15، والتزكية في مدلولها ومعناها تعني ، تهذيب النفس باطنًا وظاهرًا ، في حركاته وسكناته.
2- أثرها في سلوك المجتمع
فالأخلاق هي الأساس لبناء المجتمعات الإنسانية إسلامية كانت أو غير إسلامية ، ويتضح ذلك في قوله تعالى ، بسم الله الرحمن الرحيم ( إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا ) سورة العصر الآيتان 1-3.
فالعمل الصالح المدعم بالتواصي بالحق، والتواصي بالصبر في مواجهة المغريات والتحديات ، من شأنه أن يبني مجتمعًا محصنًا ، لا تنال منه عوامل التردي ، وليس ابتلاء الأمم والحضارات كامنًا في ضعف إمكاناتها المادية ، إنما في قيمتها الخلقية التي تسودها وتتحلى بها.
فضائل علم الأخلاق
للأخلاق الحسنة في الإسلام عدة فضائل ، نذكرها في التالي :
أولًا
: الأخلاق الحسنة من أسباب دخول الجنة
قال صلى الله عليه وسلم ( أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقًا ، وببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحًا ، وببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال ( سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أكثر ما يدخل الناس الجنة ، فقال : تقوى الله وحسن الخلق ، وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار ، فقال: الفم والفرج).[2]
ثانيًا : الأخلاق الحسنة سبب في محبة الله لعبده
وقد ذكر الله تعالى محبته لمن يتخلق بالأخلاق الحسنة ، والتي منها الصبر والإحسان ، والعدل وغير ذلك ، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) سورة البقرة ، الآية 195.
وقال تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطين) سورة المائدة ، الآية 42.
ثالثًا : الأخلاق الحسنة من أسباب محبة الرسول
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنَّ من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحسنكم أخلاقًا) صدق رسول الله.
رابعًا : مكارم الأخلاق أثقل شيء في الميزان يوم القيامة
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من شيء في الميزان أثقل من حسن الخلق ) صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خامسًا : الأخلاق الحسنة تضاعف الأجر والثواب
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار).
وقال أيضًا رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنَّ المسلم المسدد ليدرك درجة الصوام القوام بآيات الله عزَّ وجلَّ ، لكرم ضريبته وحسن خلقه). صدق رسول الله.
سادسًا : الأخلاق الحسنة من خير أعمال العباد
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا أبا ذرٍّ، ألا أدلك على خصلتين هما أخف على الظهر ، وأثقل في الميزان من غيرهما ؟ قال : بلى يا رسول الله ، قال : عليك بحسن الخلق ، وطول الصمت ، فو الذي نفس محمد بيده ، ما عمل الخلائق بمثلهما).
سابعًا : الأخلاق الحسنة علامة على كمال الإيمان
عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا ، وخياركم خياركم لنسائهم).
وفي حديث عمرو بن عبسة ، أنَّه سأل النبي صلى الله عليه وسلم : أيُّ الإيمان أفضل؟ قال :حسن الخلق.
مصادر الأخلاق الإسلامية
يمكن أن نجمل مصادر الأخلاق الإسلامية ، في مصدرين رئيسين ، هما أعظم ما يستمد منه علم الأخلاق ، كتاب الله عز وجل ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم الصحيحة.[3]
1- القرآن الكريم مصدر علم الأخلاق بالإسلام
فالقرآن الكريم هو المصدر الأول لعلم الأخلاق، والآيات التي تضمنت الدعوة إلى مكارم الأخلاق ، والنهي عن مساوئها كثيرة ، ومنها قوله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) سورة النحل الآية 90.
وقوله تعالى في كتابه الكريم ، بسم الله الرحمن الرحيم ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) سورة الأعراف الآية 33.
ويدلنا على أصالة هذا المصدر أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، الذي وصفه الله عز وجل بالخلق العظيم ، تصفه عائشة رضي الله عنها بقولها ( كان خلق الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن) ، ومعنى ذلك كما يقول ابن كثير ، أنه قد ألزم نفسه ألا يفعل ، إلا ما أمره به القرآن ، ولا يترك إلا ما نهاه عنه القرآن ، فصار امتثال أمر ربه خلقًا له وسجية إلى يوم الدين.
2- السنة النبوية مصدر علم الأخلاق بالإسلام
والمراد من السنة ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال ، وتقريرات ، وتعتبر السنة النبوية الصحيحة هي المصدر الثاني للأخلاق.
فيقول تعالى بسم الله الرحمن الرحيم ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ) سورة الحشر الآية 7.
وقال تعالى ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا )
سورة الأحزاب
الآية21. [4]
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق).
وقال إبراهيم الحربي: (ينبغي للرجل إذا سمع شيئًا من آداب النبي صلى الله عليه وسلم أن يتمسك به) ، لذا حرص الصحابة رضوان الله عليهم واهتموا اهتمامًا كبيرًا ، وتخلقوا بالأخلاق الحسنة مستندين في ذلك إلى ما جاء في كتاب الله سبحانه وتعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، فهم قدوتنا وسلفنا الصالح في الأخلاق.