هل كل النساء قوارير

قال الحبيب المصطفى صلوات الله وسلامه عليه (رفقاً بالقوارير) وما أعظمه من وصف وتشبيه للمرأة في الإسلام على الرغم من كونه كان أمي لا يعرف القراءة ولا الكتابة ولكن على الرغم من ذلك فإن التعليم الإلهي لا يوجد له مثيل، والمقصود منه وصف المرأة القارورة أي الزجاجة المصنعة من الزجاج القابل للكسر إن تعرضت لأي قسوة أو عنف فهي كذلك قابلة للتحطيم، ومن جميل التعبير أن القوارير لا تحمل جميعها ذات القوة والمتانة ولكن منها ما إن تهشم أصدر صوتاً خفيفاً، وما إن تحطم لم يصدر أي صوت وفي ذلك دلالة على مدى الإيذاء النفسي، وقارورة إن تكسرت أحدثت ضجيجاً عظيماً.

هل كل النساء قوارير

وصف الرسول صلى الله عليه وسلم النساء بالقوارير لرقتهم وعدم مقدرتهم على الصمود وتحمل القسوة أو الإهانة ولكن وفي الواقع فإن هناك فارق جوهري بين المرأة والقارورة يتمثل في أن انكسار القارورة لا يمكن جبره أو إصلاحه ولا تعد صالحة للاستخدام، بينما الأنثى فإنها قادرة على جمع شتات أمرها والتغلب على حزنها وانكسارها كما أنها قد تسامح من تسبب لها في ذلك الأذى، والسبب في ذلك يرجع إلى فطرتها التي فطرتها خالقها جل وعلا عليها من رقة ولين وعطف.

وقد ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان في أحد أسفاره وكان هناك غلام أسود يدعى أنجشة يحدو، فحدثه الرسول الحبيب قائلاً (يَا أَنْجَشَةُ رُوَيْدَكَ سَوْقًا بِالْقَوَارِيرِ)، وقد تحدث القرطبي عن ذلك الحديث الشريف مفسراً (قوارير من فضة أي في صفاء الزجاج وهي من فضة)، كما ورد ذكر القوارير في القرآن الكريم بقوله تعالى (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ ۖ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا ۚ قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ ۗ قَالَتْ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، النمل: 44.

وعلى ذلك ومما سبق بيانه فإن الجواب على تساؤل هل كل النساء قوارير هو بالإيجاب؛ نعم كل النساء قوارير باختلاف أوصافهن وطباعهن وأشكالهن ومقدرتهن المتفاوتة على تحمل مختلف الأمور سواء كانت عاطفية أو حياتية بشكل عام، فمنهن من تستطيع الصمود لوقت أطول من غيرها ولكن في النهاية جميعهن قابلة للانكسار إن لم تتم معاملتها كما أمر الله تعالى ونبيه الكريم في القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

قصة رفقاً بالقوارير

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنجشة وقد كان يحدو ويغني بالسفر لما يتمتع به من صوت جميل حباه الله تعالى إياه (يا أنجشة رويدك سوقا بالقوارير) فخاف الرسول الحبيب من سماع النساء لصوت أنجشة العذب لخشية أن يفتتن به ويقع حداؤه في قلوبهن فأمره بالتوقف عن ذلك، وهناك تفسير آخر لتلك الحادثة ذهب إلى أن صوت أنجشة يدفع الإبل إلى المسارعة مما سينتج عنه سقوط النساء ولكن القول الأول هو الراجح والأقرب للصواب.

وفي ذلك دليل على رؤية النبي الكريم لمدى ما تتصف به المرأة من وعاطفية بالغة لا يمكن للرجال تصورها مما يجعلها تتأثر بأقل الحديث حلواً كان أو قاسياً، فقد يتعرض الرجل لقسوة الحديث فيقدر على تجاوزه ونسيانه في وقت قليل وهو ما يصعب على النساء القيام به، ولذلك قد أوصى الله تعالى الرجال أن يستوصين بهن خيراً.

ففي الحديث الذي رواه البخاري عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِي جارَهُ، واسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا، فإنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِن ضِلَعٍ، وإنَّ أعْوَجَ شيءٍ في الضِّلَعِ أعْلاهُ، فإنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وإنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أعْوَجَ، فاسْتَوْصُوا بالنِّساءِ خَيْرًا)، وفي الحديث الشريف بيان على أن المرأة عوان عند الرجل فإن كان عاقلاً وحكيماً في رعايتها ومعاملتها فلا شك أن ذلك اللين والعطف سوف ينعكس عليه وعلى أسرته التي هي اللبنة الأولى في المجتمع وبالتالي يصلح شأن سائر المجتمعات. [1]

رفقاً بالقوارير أيها الرجال

ورد عن إياس بن عبدالله بن أبي ذباب عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال (لا تضربُنَّ إماءَ اللَّه فجاءَ عمرُ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ فقالَ يا رسولَ اللَّهِ قد ذَئرَ النِّساءُ على أزواجِهنَّ فأمر بضربِهنَّ فَضُرِبنَ فطافَ بآلِ محمَّدٍ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ طائفُ نساءٍ كثيرٍ فلمَّا أصبحَ قالَ لقد طافَ اللَّيلةَ بآلِ محمَّدٍ سبعونَ امرأةً كلُّ امرأةٍ تشتَكي زوجَها فلا تجدونَ أولئِكَ خيارَكم)، كما ورد عن أبي هريرة أنه النبي الحبيب قد قال (أكملُ المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خُلُقًا ، وخيارُكم خياركُم لأهلِه).

فقد ورد في الكثير من مواضع الشريعة الإسلامية مدى حرص الله تعالى ونبيه المصطفى على حسن معاملة الرجل للمرأة، إذ تم بيان السبل التي كانت تعامل معها بها النساء في العصر الجاهلي فقد كانت تمنع من حقها في الميراث حتى جاء ديم الحق ليمنحها ذلك الحق، كما كان يتم وأدها وقتلها دون أدنى اعتبار لشيء خوفاً من العار وهو ما ورد في قوله تعالى (إِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِالْأُنثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ* يَتَوَارَىٰ مِنَ الْقَوْمِ مِن سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ۚ أَيُمْسِكُهُ عَلَىٰ هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ۗ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ)، فجاء الإسلام ليكرمها ويرفع من شأنها في جميع النواحي الإنسانية.

ولما كان الرسول صلى الله عليه وسلم هو أسوتنا وقدوتنا الأولى كان من الواجب التعرف على علاقته بزوجاته أمهات المؤمنين وكيفية تعامله معهن فقد كان أشرف خلق الله حسن الكلام، طيب المعاشرة، عادل بين زوجاته حليم بهن، ولم يقتصر الأمر على الزوجة فقط بل كرم الإسلام المرأة بجميع أدوارها زوجة كانت، أو أم وأخت فقال صلى الله عليه وسلم (مَنْ كان لهُ ثلاثُ بناتٍ أوْ ثلاثُ أَخَوَاتٍ، أوْ بنَتَانِ، أوْ أُخْتَانِ، فَأحسنَ صُحْبَتَهُنَّ واتَّقَى اللهَ فيهِنَّ فَلهُ الجنةُ). [2]

تعامل الرسول مع زوجاته

كان الرسول صلى الله عليه وسلم دائم التوصية بالرجال أن يعاملوا النساء بالمعروف سواء في القول أو الفعل فقد كان بشوش الوجه طيب المعشر يراعي ما فطر الله تعالى المرأة عليه من مشاعر غيرة لذلك كان من عادته الوفاء لزوجاته وألا يضعهن موضع حزن وهو ما يتبين من قول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها (ما غِرْتُ علَى امْرَأَةٍ ما غِرْتُ علَى خَدِيجَةَ مِن كَثْرَةِ ذِكْرِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إيَّاهَا، قالَتْ: وتَزَوَّجَنِي بَعْدَهَا بثَلَاثِ سِنِينَ)، كما كان الحبيب المصطفى لا يقابل الخطأ منهن إلى بالحكمة والعقلانية والتروي.

ولذلك على جميع الأزواج أن يتركوا الحزم والأمر والحدة جانباً وأن يتعاملوا مع المرأة في حياتهم من أخت أو أم، ابنة أو زوجة بالحنان فليؤدي الرجل حق المرأة عليه من نفقة وحسن معاشرة والعلم أنه ما خلق الله تعالى بشر معصوم من الخطأ ولذلك لابد من التماس العذر لهن وإن أخطأت فليكون التعامل مثلما أمر الإسلام في قوله تعالى (وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ۖ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا)، النساء: 34. [3]