الحكمة من موت أبناء الرسول الذكور

تزوج الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم من أم المؤمنين السيدة خديجة رضي الله عنها في مكة المكرمة وهو بالغ من العمر خمسة وعشرون عام مما يدل على أن زواجه منها كان سابق للبعثة النبوية بخمسة عشر عاماً ظلت بها زوجته إلى أن أنزل الله تعالى عليه الوحي الكريم فكانت أول من آمن به من النساء ساندته ونصرته إلا أن ماتت قبل الهجرة إلى يثرب بثلاث سنوات، وقد كانت السيدة خديجة أم أكثر أبناء الرسول فقد كانوا جميعهم منها ما عدا إبراهيم وهم القاسم، عبد الله، زينب، رقية، أم كلثوم وفاطمة رضي الله عنهم جميعهم، إلا أن شاء الله تعالى بحكمته أن يموت القاسم وعبد الله فلم يعيشا طويلاً بينما البنات فقد تزوجن من خيرة الصحابة الكرام ومن ثم توفي ثلاث منهم بحياة النبي، أما الرابعة فقد توفيت بعد وفاته بستة أشهر، بينما إبراهيم فقد كانت أمه مارية القبطية وهو أيضاً توفي صغيراً.

الحكمة من موت ابناء الرسول الذكور

أول أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم من الذكور هو القاسم وقد توفي صغيراً في عمر السنتين وباسمه يكنى الحبيب المصطفى حيث يدعى عليه الصلاة والسلام بأبا القاسم، أما ثاني أبنائه هو عبد الله الذي قد ولد بعد البعثة النبوية ولذلك لقب بالطيب الطاهر وكذلك قد مات عبد الله صغيراً، بينما ثالث أبنائه من الذكور هو إبراهيم وهو أصغر أبناء النبي جميعهم إناث وذكور وأمه هي أم المؤمنين مارية القبطية رضي الله عنها ولم يعش سوى فترة قصيرة من الزمن مثله مثل إخوته، وبذلك فلا يوجد للحبيب المصطفى ابن قد عاش فترة طويلة.

وقد كان نبي الله إبراهيم عليه السلام قد رزق بابنه إسماعيل وإسحاق وقد جعلهم الله سبحانه أنبياء بعد وفاة أبيهم وعقب وفاة إسحاق بقيت النبوة في ذريته يعقوب ويوسف عليهم جميعاً السلام لتبقى النبوة فيما بعد ببني إسرائيل ولذلك كان من المعتاد في النبوة أن يتوارثها الأبناء عن الأنبياء كما ورد في قول الله تعالى (وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُودَ وَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنَا مَنطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينَا مِن كُلِّ شَيْءٍ إِنَّ هَـذَا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ)، كما رزق زكريا بعدما بلغ من الكبر عتيا بابنه الذي ورث النبوة عن أبيه كما ورد في القرآن الكريم في قوله تعالى (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِن وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا*يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا).

جاءت البشرى إلى زكريا بأن الله تعالى سوف يرزقه زكريا على الرغم من كبره في السن فرزقه الله بيحيى وأنه سوف يكون نبياً بعده فقال تعالى (فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَىٰ مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ)، وقد أتى نبي الله عيسى عليه السلام بعد ذلك ليكون آخر الأنبياء من نسل النبي إسحاق عليه السلام، ومن ثم أتى الرسول الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم لتكون تلك بمثابة استجابة من الله لدعوة نبيه إبراهيم عليه السلام فكانت خاتمة النبوة في بني إسحاق برفع عيسى عليه السلام إلى السماء، وببعثة الحبيب المصطفى قد انتقلت النبوة إلى نسل إسماعيل عليه السلام. [1]

توريث النبوة

جرت العادة على أن تتوارث النبوة من النبي الأب إلى ابنه كما سبق ذكره وبيانه ولكن الله تعالى قد أراد أن يكون الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء والمرسلين حيث تميزت الرسالة المحمدية بكونها خاتمة الرسالات لذلك كفل الله سبحانه وتعالى ما قد ضمن تحقق ذلك واستدامة تلك الصفة إلى يوم القيامة لكي لا يفتتن البعض ممن اتبع محمد وآمن به صلى الله عليه وسلم الظن أن أحد أبنائه قد ورث النبوة بعد موت أبيه صلى الله عليه وسلم ولذلك كان أمر الله وحكمته في موت أبناء النبي ومن ثم تولي الصحابة الكرام الخلاة عقب وفاته لكي تنتهي فكرة توريث النبوة. [1]


من أول من مات من أبناء الرسول

ورد عن أهل العلم من المسلمين على أن أول أبناء الرسول من الذكور الذين قد ماتوا هو القاسم كما ورد عن الزبير حين قال (

ولد لرسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم وهو أكبر ولده، ثم مات القاسم بمكة، وهو أول ميت مات من ولده، ثم مات عبد الله أيضا بمكة)،

كما ورد عن ابن عباس أنه قال (

كان أكبر ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاسم… فمات القاسم وهو أول ميت من ولده بمكة).

بينما آخر أبناء الرسول الذين ماتوا من الذكور هو إبراهيم، وقد توفي في العام العاشر من الهجرة بالمدينة المنورة وكان قد بلغ من العمر حينها ثمانية عشر  شهراً تقريباً وقد حزن الرسول الحبيب لوفاته ولكنه لم يسخط أ يعترض أو يجزع ولكنه احتسب وصبر، وفي يوم وفاته قد حدث كسوف للشمس يوم وفاته فظن الناس أنها خسفت لموته فقام الرسول صلى الله عليه وسلم يخطب بهم نافياً ذلك الاعتقاد قائلاً (إنَّ الشمسَ والقمرَ من آيات اللهِ. وإنهما لا يَنخسفان لموتِ أحدٍ ولا لحياتِه. فإذا رأيتُموهما فكبِّروا. وادعو اللهَ وصلُّوا وتصدَّقوا).

يقول أنس بن مالك -رضي الله عنه- واصفاً حال النبي -صلى الله عليه وسلم- وقتها: (دخلنا مع رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على أبي سيْفٍ القَيْنِ، وكان ظِئْرًا لإبراهيمَ عليهِ السلامُ، فأخذ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ إبراهيمَ فقبَّلَهُ وشمَّهُ، ثم دخلنا عليهِ بعدَ ذلكَ، وإبراهيمُ يَجُودُ بنفسِهِ، فجعلتْ عَيْنَا رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ تذرفانِ، فقال لهُ عبدُ الرحمنِ بنُ عوفٍ رضيَ اللهُ عنهُ: وأنتَ يا رسولَ اللهِ؟ فقال: يا ابنَ عوفٍ، إنَّها رحمةٌ. ثم أَتْبَعَهَا بأُخْرَى، فقال صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: إنَّ العينَ تدمَعُ والقلبَ يحزَنُ، ولا نقولُ إلَّا ما يُرْضِي ربَّنا، وإنَّا بفِرَاقِكَ يا إبراهيمُ لمحزنونَ). [2]

أبناء الرسول الإناث

كان للرسول الحبيب أربع بنات وهن (زينب، رقية، أم كلثوم وفاطمة) رضي الله عنهن جميعاً وأرضاهم، جميعهن تزوجن من صحابة أجلاء فقد تزوجت زينب من أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف) وكان زواجهما قبل البعثة النبوية وبعد أن بعث الحبيب المصطفى نبياً آمن أبو العاص به، أما رقية فقد تزوجت من خليفة الرسول الحبيب وثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه ثم ماتت رقية بحياة الرسول الحبيب، ومن ثم قام النبي الكريم بتزويج ابنته وأختها أم كلثوم لعثمان مما جعله يحمل لقب ذي النورين.

بينما فاطمة رضي الله عنها فهي أحب أبناء الرسول صلى الله عليه وسلم إليه وأقربهن إلى قلبه وقد تزوجت من ابن عم الرسول وأول من آمن به من الصبية (علي ابن أبي طالب رضي الله عنه) وهو رابع الخلفاء الراشدين، وأنجبت منه الحسن والحسين أحفاد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكانت وفاتها بعد وفاة النبي الكريم بستة أشهر. [3]