هل تجوز قراءة القرآن بدون وضوء
أجازت دار الإفتاء الكثير من الممنوعات في الفترة الأخير. وقد لوحظ أن ي هذا ما يتبع القاعدة الشهيرة “الضرورات تبيح المحظورات”. ولتجنب كثير من الأضرار أو النتائج غير السليمة. يُضاف إلى ذلك قاعدة الاضطرار والتي تبيح الكثير من الممنوعات، ولكن بواجبات أو شروط محددة. ومن أبرز ما توجه به السؤال في الآونة الأخيرة هو هل تجوز قراءة القرآن بدون وضوء؟
النظافة من الإيمان
- أرسى الدين الإسلامي الحنيف قواعداً كثيرة مُلزمة للمسلم إسلاماً سليماً أن يلتزم بها، و كان أكثر الفقه بها هو فقه الطهارة أو النظافة.
- فقد أرساها ديننا الحنيف كدليل حي على صحة إيمان وإسلام المرء، فالمسلم ثوبه نظيف، وبدنه نظيف.
- و يشير مفهوم الطهارة إلى وجهة أعم وأكثر شمولاً للنظافة وهي الطهر أو الطهارة، والتي لابد وأن يعتمد فيها الإنسان نظافة الفكر والسلوك والنوايا؛ فهو يشهد الله على مافي قلبه، والله سميع وبصير على النية الطاهرة لهذا العبد المخلص.
- ومن أهم ما دعى إليه فقه النظافة كيفية الحرص على نظافة الجسد، وتنظيف الشعر، وتهذيب اللحية للرجال، وكيفية تنظيف وتقليم الأظافر، وفرك الأسنان ، وكذلك الوضوء كشرط أساسي لركن إسلامي حنيف وهو الصلاة.
- نضيف أيضاً أهمية التطيب، فالمسلم لا تفوح منه إلا رائحة طيبة، وكذلك لابد من الاغتسال والاستحمام بعد أي جنب، وبشكل منتظم للحفاظ على الجسم من تراكم الأمراض، أو التعرض لأي وسخ.
- وجعل من أهمية الوضوء والاغتسال كذلك ما يمد الإنسان بالطاقة الإيجابية، ويريح ذاته وقلبه ونفسه، ويساعده على الإقبال على يومه بنفس سَمحة.
- ومن أهم الأمور التي يحرص عليها المسلمون في عبادتهم هي قراءة القرآن وعدم هجره؛ فهم يتبارون في ختمه، ويتبارون في حفظ أجزائه، ويتبارون في ذكر التفسيرات أو الآيات الدالة على قصص الأنبياء أو تعاليم الدين الحنيف، أو ما يخص عبادة العبد لربه.
- ولأن العبادات في مجموعها تشترط التطهر، والنظافة حتى تصح، فقراءة القرآن الكريم بالتالي تتطلب من المسلم أن يكون مُطهراً، ولهذا ذُكر في محكم آيات الله عز وجل بسورة الواقعة “لا يمسه إلا المطهرون” صدق الله العظيم.
- و لأن لكل قاعدة استثناءات؛ لأن حياتنا الدنيا هي دار الاختبار، ودار الاختبار مليئة بكثير من التحديات والابتلاءات التي تجعل أي المبتلين بها قد تذل له قدم بعد ثبوتها، فمن أكثر الأسئلة التي تنتشر في ظل فرضية قراءة القرآن على طهارة، أو اغتسال، أو وضوء هو السؤال عن إمكانية قراءة القرآن دون ضوء.
هل تجوز قراءة القرآن بدون وضوء
ما بين جمهور العلماء، و ماتوصل إليه الأئمة الأربعة تتضح الحكمة من وجوب الإلتزام بقراءة القرآن على طُهر، وما تبع ذلك من استثناءات أشار لها الكتاب الكريم واللوح المحفوظ، وأكدها النبي صلى الله عليه وسلم من خلال سنته النبوية الشريفة.
حكم قراءة القرآن الكريم دون وضوء في السنة
- يُصرح بقراءة القرآن دون ضوء إذا كان المسلم أو المسلمة على غير جنابة، فإذا كان أو كانت جُنباً فلابد من الوضوء.
- وفي ذكر أمر آخر فإن ما استُحدث من أمور مستصغرة، لا يؤثر على قراءة القرآن ولكن دون مس المُصحف؛ فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله في كل أحواله.
- كما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل اليمن يقول “ألا يمس القرآن إلا طاهر”، وأوصى أصحابه بذلك وأرضاهم.
- وإذا قُرأ القرآن عن ظهر قلب أي بغرض التلاوة أو تسميع ما تم حفظه دون المساس بالمصحف، ودون طهارة فلا ضرر ، ولكن إذا كان جُنباً فلابد أن يغتسل. فلقد ثبت عن نبي الله صلى الله عليه وسلم امتناعه عن تلاوة القرآن إن كان جنباً حتى يغتسل.
- وذُكر كذلك أنه خرج – صلى الله عليه وسلم – على أصحابه من دورة المياه ولم يكن قد توضأ، وهنا قال “أما القرآن فلا ولا آية”، وكان يشير بذلك عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم أن إذا خرج المسلم من الحمام بعد الفروغ من حاجته دون أن يتوضأ وأراد أن يقرأ القرآن فلا حرج، ولكنه يُمنع من قراءة القرآن ولو آية واحدة حتى يغتسل.[1]
حكم الأئمة الأربعة في قراءة القرآن الكريم بدون وضوء
- بإجماع العلماء فإن من استحدث حدثاً صغيراً من جنب، يُجاز له قراءة القرآن، والأفضل أن يتطهر حتى إذا أصابه ما أصابه.
- أما بالنسبة للمس بالمصحف و قراءة القرآن منه على جنب فهي مُحرمة من الأئمة الأربعة، وذهب معهم حماد وداوود الظاهري والحاكم بالمقابل إلى جواز ذلك.
- وكان ما رجح هذا التحريم الآية الواردة بسورة الواقعة ( إنه لقرآن كريم* في كتاب مكنون* لا يمسه إلا المطهرون تنزيل من رب العالمين). صدق الله العظيم.
- وأوضح النووي في هذا الأمر أن الأمر يختلف بين المس والمساس؛ فالقرآن مُنزَل من عند الله وفي ذلك وصف لإرادة المصحف؛ فإن كان النطق لفعل المساس بضم السين على الخبر كان المقصور بالفعل هم الملائكة المطهرون.
- كما أضاف النووي أن المقصود هو المصحف لأن الفعل هنا يُنطق بفتح السين ومُلحق بالنهي ، وإذا رُفعت السين بلفظ الخبر كسياق الآية الكريمة “ولا تضار والدة بولدها” فهي على صلة بقراءة من رفع.
- وقال النووي أيضاً : هناك الحديث الشريف “لا يبيع بعضكم على بيع بعض” بإثبات الياء ، ونظائر ذلك كثيرة ومنتشرة في مواضع اللغة العربية.
- ولهذا يصل بنا النووي إلى أن “التنزيل” فعل ظاهر خاص بإرادة المصحف، فلا يُحمل على غيره بغير دليل صحيح، ولهذا فالجواب هنا أنه يُقال في المتوضئ مُطهر ومتطهر.
- وذكر الإمام ابن تيمية ، أن الإمام أحمد أنه ما من شك في قول النبي أن لا يمس القرآن إلا طاهر؛ هو قول سلمان الفارسي، وعبد الله ابن عُمر وغيرهما، وأنه لا يعلم من الصحابة من خالف هذا الرأي.
- ويُضيف ابن تيمية أنه من قرأ في المصحف أو اللوح المحفوظ، ولم يمسه فإن ذلك جائز، حتى وإن لم يتطهر.
- ومن بين الاستثناءات التي وردت بشأن تلاوة القرآن أو حفظه من المصحف هم الصبيان، وذلك أثناء تعلمهم؛ فطهارتهم لا يُمكن التحكم بها لوقت طويل إذ أن حاجتهم هنا ضرورة تبيح المحظور.[1]
- يُضاف كذلك الحائض والنفساء، ورُغم اختلاف العلماء في جواز قرائتهما للقرآن خلال فترة الحيض أو النفاس أم عدم جواز الأمر فإنه قد التوصل أن قراءتهما للقرآن جائزة ولكن دون مساس بالمصحف؛ فمدة الجُنب هنا تختلف، وقد تطول عن مُدة الجنب الطبيعية والتي يمكن الاغتسال منها في وقت أسرع.[2]
اسم من أسماء الله الحسنى هو الضار النافع، أي من يُلحق الضرر لينفع الإنسان به، فإن لم يكن فيه نجاة، فهو تعليم وتثقيف وتوجيه. ولهذا فإن الجنابة، أو كون الإنسان على غير طُهر كان من الأمور الهامة لتعليم بني البشر كيفية التطهر، وتوجيههم إلى جعل ذلك سلوك حياتي تتتناقله الأجيال بالتعليم والتوجيه الحكيم، وكدليل حي على صحة إيمان المسلم.