ما هو طعام أهل النار
بعد أن أرسل الله – تعالى – الكثير من الأنبياء والرسل لهداية الناس إلى طريق الحق ، وانتشالهم وإبعادهم عن طريق الظلمات والضلال ، فلم يبقى بعد ذلك سوى الثواب والعقاب ؛ وأمّا عقاب أهل النار وهم أهل الكفر والضلال : ” نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ؛ وفي هذه المقالة سنتناول الحديث عن نار جهنم ودركاتها وطعام أهلها والعياذ بالله منها .
عذاب نار جهنم
نار جهنم هي النار التي يعذِبُ الله – عز وجل – بها الكافرين والمشركين والمنافقين جزاء كفرهم في الحياة الدنيا ، وتشمل نار جهنم أنواعًا مختلفة من العذاب ، وتحتوي على سبع أبواب مصنوعة من الحديد، وتفرش من الشوك ؛ قال الله- عزل وجل- : ” وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ * لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُومٌ [الحجر – 43-44] وتتكون أرضها من النحاس والرصاص والزجاج ، ولا يستطيع أحدٍ الخروج منها ، وموقعها في الأرض السفلى كما جاء في كتاب الله – عز وجل – وسنة نبيه محمد – صلى الله عليه وسلم .
خزنة جهنم
وصف الله- عز وجل- خزنة جهنم بأنهم ملائكة غلاظ شداد ، ينفذون أمر الله – عز وجل – ولا يعصونه، فقال- تعالى : ” عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم – 6] وقيل فيهم أن رؤوسهم موجودة في السماء ، وأرجلهم في الأرض ، ويمسكون بأيديهم مقامع من حديد، فإذا حاول أحدٍ الهرب من النار أعاده فيها .
ويبلغ عدد خزنة جهنم تسعة عشر (19) خازنًا ، وذلك لقوله – عز وجل : ” سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لَا تُبْقِي وَلَا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِّلْبَشَرِ * عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ [المدثر – 26-30] ورئيسهم هو “مالك” ، ويتصف بأنه قاطب وعابس ، فلا يضحك أبدًا ، وقد رآه النبي – صلى الله عليه وسلم – في رحلة المعراج .
طبقات النار
إن لـ جهنم دركات (طبقات) كل منها يختص بفئة من الناس – أعاذنا الله منها – وهذه الدركات هي :
جهنم
تعد جهنم أخف طبقات النار عذابًا وسميت بهذا الاسم لبعد قعرها ، فقال- عز وجل : ” إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلًا [الكهف – 102] وقيل سميت بهذا الاسم لأن الناس فيها يجبّون في وجوههم ، فتأكل النار لحم وجوه الرجال والنساء ، وهي للعصاة من المسلمين الذين سبقت سيئاتهم حسناتهم (اللهم لا تجعلنا منهم) ، وماتوا ولم يتوبوا إلى الله- عز وجل ، وهؤلاء يخرجون منها فيما بعد إن شاء الله .
لظى
سميت لظى بهذا الاسم نظرًا تلهبها ، قال الله – عز وجل – في كتابه : ” كَلَّا ۖ إِنَّهَا لَظَىٰ [المعارج – 15] في لظى تأكل النار الأيدي والأرجل وسيعذب فيها الجن والشياطين والمجوس وكل من كفر بالله – عز وجل – ورسوله – صلى الله عليه وسلم .
سقر
وهي الطبقة الثالثة من النار وسميت بهذا الاسم لشدة حرها ، وسيعذب فيها تارك الصلاة والصابئون والممتنعين عن أداء الصدقات وأولئك الذين يكذبون بيوم القيامة ، حيث قال – تعالى : ” مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ [المدثر – 42-46].
الحطمة
وسميت بهذا الاسم لأنها تحطم كل ما يلقى فيها ، حيث تحطم العظام في الحطمة وتحرق الأفئدة وسيعذب فيها اليهود ، وكل همازٍ لماز يكنز أمواله ولا يتصدق ، ويستهين بأعراض الناس قال – تعالى : ” وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ * الَّذِي جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ * كَلا لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحُطَمَةُ * نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ * الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ * إِنَّهَا عَلَيْهِمْ مُؤْصَدَةٌ * فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ [سورة المدثر] .
الجحيم
هي الطبقة الخامسة ، وسميت بهذا الاسم لشدة تأجج نارها وفيها جمرٌ عظيم ، فالجمرة الواحدة فيها أعظم من الدنيا ، وسيعذب فيها المشركون قال – تعالى : ” خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَىٰ سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ [الدخان – 48] .
السعير
سميت دركة السعير بهذا الاسم لأنها تحتوي على ثلاثمائة قصر ويوجد في كل قصر ثلاثمائة بيت ، وكل بيتٍ يحتوي على ثلاثمائة لون من العذاب ومنها : الأفاعي والعقارب وقيود وسلاسل وأغلال من النار ؛ كما يوجد فيها بابٌ يسمى “باب الحزن” ، ولا يوجد في النار عذابٌ أشد منه ، فإذا فُتِحَ حزن أهل النار جميعًا ، أعاذنا الله منه ويدخلها المكذبين بيوم القيامة ، قال – تعالى : ” بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ ۖ وَأَعْتَدْنَا لِمَن كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا [الفرقان – 11] .
الهاوية
سميت بهذا الاسم لأنه يُهوى فيها من علو إلى أسفل وهي أسفل طبقات النار ، ومن يقع فيها يظل فيها إلى الأبد ، وهي تحتوي على “بئر الهباب” الذي تخرج منه نارٌ عظيمة تستعيذ منه النار نفسها ، ففيه جبل من نار يوضع فيه الكافرون على وجوههم، وتكون أيديهم مغلولة إلى أعناقهم، وسيعذب فيه المنافقون، وآل فرعون ، ومن كفر أصحاب المائدة قال – تعالى : إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا [النساء – 145] . [1]
صفات نار جهنم
نار جهنم تعدل في شدتها وقوة احتراقها سبعينًا من نار الدنيا ، فذكر النبي – صلى الله عليه وسلم – يومًا لأصحابه أن نار جهنم فضلت على الدنيا التي يوقد منها الناس طعامهم ويستدفئون بها ، فضلت عليها بتسعة وستين مرة .
كما أن النار قد اشتكت إلى ربها يومًا أن بعضها قد أكل بعض من قوة شررها وغليان حممها فأذن الله – تعالى – لها بنفسين نفسٌ في الشتاء ونفسٌ في الصيف ، فأشد ما نجد من البرد والحر في أعوامنا هذه ، هي من فيح جهنم ونفسها والعياذ بالله منها .
ففي الحديث: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ : حَدَّثَنِي مَالِكٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: ” نَارُكُمْ جُزْءٌ مِنْ سَبْعِينَ جُزْءًا مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ كَانَتْ لَكَافِيَةً قَالَ: فُضِّلَتْ عَلَيْهِنَّ بِتِسْعَةٍ وَسِتِّينَ جُزْءًا كُلُّهُنَّ مِثْلُ حَرِّهَا [صيح البخاري – 3118] .
طعام أهل النار
إن طعام أهل النار يكون جزاءً لهم على ما عملت أيديهم وأنفسهم في حياتهم الدنيا من الآثام والفواحش ، طعامهم هو ما وعدهم الله – تعالى – إياه في آياته الكريمة ، وهو كل من :
الضريع
الضريع هو طعامٌ لا يُشبع ولا يُسمن مهما أُكل منه ، قال – تعالى : ” لَّيْسَ لَهُمْ طَعَامٌ إِلَّا مِن ضَرِيعٍ * لَّا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِن جُوعٍ ” [الغاشية – 6-7] .
والضريع هو شوكٌ أو نباتٌ شوكي ينبت في أرض الحجاز ، والذي يعرف باسم “الشبرق” وعن ابن عباس – رضي الله عنه – قال : ” الشبرق هو نباتٌ ذو شوكٍ بالأرض، فإذا هاج سمي ضريعًا “.
وعُرف عن هذا النبات أنه لا تقربه دابة تمشي على الأرض لخبث هذا العشب وخبث طعمه ، وهذا إذا كان رطبًا أخضرًا أما إذا تيبس ونشف سمي ضريعًا ، وتكون له رائحة نتنة مرٌ أمّاد مرارة من أي نبات آخر ، بل أمّاد مرارة من العلقم والصبّار ، وقد قيل أنه سمي بذلك ، لأن أهل النار يتضرعون منه .
الزقوم
وهو طعام أهل النار الثاني قال – تعالى : ” إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ ” [الدخان – 43-46]
والزقوم هو شجرة ذكرت في القرآن الكريم ، فقال – تعالى : ” أَذَٰلِكَ خَيْرٌ نُّزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ * إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِّلظَّالِمِينَ * إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ [الصافات – 62-64] ، وهي شجرة ذو خبثٍ تضرب جذورها في قعر جهنم ، وأما فروع هذه الشجرة فهي منتشرة في جميع أرجاء جهنم ، والعياذ بالله منها وثمارها ذو منظرٍ قبيح .
فالله – عز وجل – يلقي على أهل النار الجوع لفترات طويلة، فلا يجدون طعامًا سوى الأكل من هذه الشجرة الخبيثة ، حتى يملؤون بطونهم ، ومن ثم تغلي ثمار هذه الشجرة في بطونهم، كأنه الزيت يغلي في البطون ، فيضطر بعد ذلك أهل النار إلى شرب الحميم الذي يقطّع أمعاءهم ، قال – تعالى : ” وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ ” [محمد – 15].
الغسلين
هو طعامٌ آخرٌ لأهل النار، فقال – تعالى : ” فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ *وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَّا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِئُونَ ” [لحاقة –35-37] .
والغسلين في اللغة هو : ما ينزل من الثوب أثناء الغسل وهو الطعام أو الشراب الذي يسيل من جلود وفروج وجروح الكافرين من أهل النار من شدة الحر والنار ، وهو أكثره من القيح والصديد والدم الفاسد ، ويقال له غساق أيضًا، ولا يأكله إلا أصحاب النار، والعياذ بالله . [2]
دعوات أهل النار
إن لأهل النار دعوات يدعون بها ، وهي خمسة دعوات وهي :
- الأولى – قوله – تعالى – على لسان أهل النار : ” قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا ” [غافر – 11] ، فيكون رد الله- عز وجل- على هذه الدعوة: “ذَٰلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ ۖ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا ۚ فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ” [غافر – 12] .
- الثانية – قوله – تعالى – على لسان أهل النار : ” رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ ” [السجدة – 12] ، فيكون رد الله – عز وجل – على هذه الدعوة : ” فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَٰذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ ۖ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ” [السجدة – 14] .
- الثالثة – قوله – تعالى – على لسان أهل النار : ” فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ ” [إبراهيم – 44] ، فيكون رد الله- عز وجل- على هذه الدعوة : ” أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُم مِّن قَبْلُ مَا لَكُم مِّن زَوَالٍ ” [إبراهيم – 44] .
- الرابعة – قوله – تعالى – على لسان أهل النار : ” وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ ” [فاطر – 37] ، فيكن رد الله – عز وجل – على هذه الدعوة : ” أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ ۖ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ ” [فاطر – 37] .
- الخامسة – قوله – تعالى – على لسان أهل النار: ” قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ * رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ” [المؤمنون – 106-107] ، فيكون رد الله- عز وجل- على هذه الدعوة: ” قَالَ اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ ” [المؤمنون – 108] .