المعجزة الاقتصادية الألمانية
التحدث عن أهم الأحداث الاقتصادية في العالم يقود دائمًا إلى ذكر ” المعجزة الاقتصادية الألمانية “، تلك المعجزة التي جعلت العالم ينظر بانبهار إلى تلك الدولة العظيمة، التي استطاعت التحول من حالة الخراب التي شهدتها بعد الحرب، إلى حالة التقدم والازدهار، وذلك في غضون سنين قليلة، على عكس الكثير من الدول التي لم تستطع تحقيق تقدم ملحوظ بعد سنوات قليلة من انتهاء الحروب، إذ تمكنت ألمانيا بمساعدة قادتها وأبنائها من تحقيق المعجزة الاقتصادية التي يتعجب لها العالم حتى اليوم.
مفهوم المعجزة الاقتصادية
قبل الاطلاع على المعجزة الاقتصادية الألمانية، يجب أولًا التعرف على مفهوم المعجزة الاقتصادية.
- مصطلح المعجزة الاقتصادية هو أحد المصطلحات الاقتصادية الشهيرة، التي يتم إطلاقها على التقدم السريع للدول بعد الهبوط، والازدهار الغير متوقع للدولة بعد الخراب والدمار الذي تعرضت له.
- المعجزة الاقتصادية الألمانية واليابانية هي المعجزات التي أثرت حقًا في مجرى التاريخ الحديث، نظرًا للدمار الذي تعرضت له تلك الدول عقب الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي جعل العالم يفقد الأمل في عودة تلك الدول بمصاف الأمم المتقدم خلال بضعة سنوات. [1]
المعجزة الاقتصادية الألمانية
تتلخص المعجزة الاقتصادية الألمانية (بالألمانية : Wirtschaftswunder) في عملية صعود ألمانيا لتصبح قوة اقتصادية عالمية، فقد كانت ألمانيا في حالة من الخراب التام عقب الحرب العالمية الثانية، وذلك بعد أن هاجمت قوات الحلفاء أجزاء كبيرة من البلاد والعزم على تدميرها بالكامل.
تدمير ألمانيا لم يكن سوى تخيُل كئيب لمستقبل تلك الدولة، فقد توقع العالم سقوط ألمانيا إلى الأبد، أو بأحسن الحالات صعودها لكن بعد عشرات السنين من انتهاء الحرب، بينما بحلول عام 1989 وتحديدًا بعد سقوط جدار برلين الفاصل، عادت الوحدة والقوة إلى الدولة من جديد، فقد أصبحت ألمانيا القوة الاقتصادية الثالثة في العالم، تتبع اليابان والولايات المتحدة الأمريكية من حيث الإنتاج المحلي.
تم استخدام مصطلح المعجزة الاقتصادية الألمانية للمرة الأولى من قبل صحيفة التايمز البريطانية، التي عرضت مراحل تقدم ألمانيا بشتى المجالات، لتصبح ألمانيا نموذج يتحاكى به العالم. [2]
اقتصاد ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية
الأرقام التي كتبها المؤرخون عن حالة ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، تحكي عن حالة أمة عاشت حالة من الفوضى والتقشف.
- انخفض الإنتاج الصناعي في البلاد إلى الثلث.
- انخفضت المساكن في البلاد إلى نسبة 20% فقط.
- انخفض الإنتاج الغذائي إلى نصف ما كان عليه قبل الحرب العالمية الثانية.
- تم قتل آلاف الرجال وإصابة الآلاف بالشلل ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و 35 عام، أي الفئة العمرية التي تشكل صُلب البلاد، الذين يمتلكون القدرة البدنية على بناء البلاد من جديد.
- فرض الحلفاء سياسة التقنين الغذائي للمدنيين، من خلال توفير 1000 إلى 1500 سعرة حرارية للفرد باليوم الواحد، بعد أن كان نصيب الفرد قبل الحرب 2000 سعرة حرارية باليوم.
- أدى التقنين الغذائي إلى ظهور سوق سوداء ضخمة لتوفير الأغذية.
- تم تقسيم البلاد إلى نصفين، بعد أن تم احتلالها من قبل 4 دول، إذ أصبح القسم الشرقي من البلاد متأثر بالسياسة السوفيتية، أما القسم الغربي فقد كان متأثرًا بالنظام الديمقراطي. [2]
شخصيات أثرت في المعجزة الاقتصادية الألمانية
ساهم العديد من الأشخاص في عملية نمو الاقتصاد الألماني سريعًا عقب الحرب العالمية الثانية، إذ تم تخليد العديد من الأسماء الاقتصادية حتى اليوم بألمانيا؛ لدورهم الذين قاموا به لإعادة إحياء البلاد من جديد.
-
والتر أوكن
: ربما كان الشخص الأهم في النهضة المذهلة التي شهدتها ألمانيا عقب الحرب العالمية الثانية، درس أوكن الاقتصاد في جامعة بون، من ثم ساهم في عملية التدريس بالجامعة، ليصبح من الشخصيات البارزة في تغيير المفاهيم الاقتصادية الألمانية. -
لودفيغ إيرهارت
: لُقب إيرهارت بلقب ” والد المعجزة الاقتصادية الألمانية “، نظرًا لدوره البارز الذي قام به في عملية تحسين الاقتصاد الألماني الحديث، فقد استغل نفوذه السياسي في إعادة الحياة إلى ألمانيا الغربية من جديد، من خلال صياغة عملة جديدة للبلاد، كما قام بتقليل الضرائب لتشجيع الاستثمار وإحياء الاقتصاد، إضافة إلى ذلك فقد أزال إيرهارت ضوابط الأسعار.
الجدير بالذكر أن قرارات لودفيغ إيرهارت قد أدت إلى الآتي:
- عادت ألمانيا الغربية إلى الحياة.
- زيادة السلع والمنتجات في المتاجر.
- توقف نظام المقايضة الذي كان أحد أبرز الأنظمة السارية بالسوق السوداء في البلاد.
- انتهاء عصر السوق السوداء.
- ترسيخ قواعد السوق التجاري الألماني.
- شغف الألمان بحب العمل، نتيجة لتوفير قوت يومهم، مما قلص من ساعات البحث عن الطعام، التي كانوا يقضونها بعد الحرب العالمية الثانية.
- زاد الإنتاج الصناعي بمقدار 80%.
- عمل برنامج الإنعاش الأوروبي الذي عرف باسم ” خطة مارشال”، ذلك البرنامج الذي هدف إلى منح قروض للدول المتضررة من الحرب العالمية الثانية، وتخصيص قسم كبير من المنحة إلى ألمانيا.
يتضح من خلال نتائج تقسيم ألمانيا عقب الحرب أن ألمانيا الغربية كانت أكثر تطورًا من الجانب الشرقي، لكن بعد هدم جدار برلين أصبحت ألمانيا بالكامل في تساوي كما كانت من قبل. [2]
أسباب قوة الاقتصاد الألماني
- قوة الصناعة: تعتير ألمانيا أهمية كبيرة للصناعة، إذ يبلغ معدل الصناعة من إجمالي القيمة المضافة 22.9%، مما يجعلها الأعلى ضمن مجموعة الدول الصناعية السبع، إذ تتميز ألمانيا بصناعة المركبات والصناعات الكهربائية والهندسية والكيميائية.
- الاهتمام بالتصدير: تعتبر ألمانيا أحد أكثر الدول تصديرًا على مستوى العالم، إذ تأتي مع الولايات المتحدة الأمريكية والصين في معدل الصادرات إلى الخارج.
- الانفتاح التجاري: عقد مقارنة بين الدول الصناعية السبع من حيث الانفتاح الاقتصادي، يجعل ألمانيا في مقدمة تلك الدول، إذ تبلغ حصة التجارة الخارجية لألمانيا حوالي 84.4%، أما الولايات المتحدة فيبلغ حجم تجارتها الخارجية حوالي 26.7%.
- المؤسسات المتوسطة: تشكل المؤسسات المتوسطة قلب الاقتصاد الألماني، وهنا نتحدث عن مبيعات أقل من 50 مليون يورو سنويًا، أما نسبة التوظيف بتلك المؤسسات فهي أقل من 500 موظف، تلك الشركات يطلق عليها اسم “الأبطال الخفيين للاقتصاد” نظرًا لدورهم المؤثر في قيادة السوق الدولية باحتراف.
- تنظيم المعارض التجارية: ترعى ألمانيا اهتمامًا كبيرًا بتنظيم المعارض التجارية في العالم، إذ تقام ثلث الأحداث الصناعية الكبرى في ألمانيا، يحضرهم حوالي 10 ملايين زائر من مختلف أنحاء العالم.
- تأسيس المراكز الاقتصادية الكبرى: تتميز ألمانيا بتوفير مراكز اقتصادية كبرى في مدنها المختلفة، إذ نجد أن مدن مثل ميونخ وفرانكفورت وهامبورج وبرلين لديهم شهرة عالمية على صعيد المراكز الاقتصادية الضخمة.
- معدلات التوظيف المثالية: تقوم ألمانيا بجهود كبيرة في عملية التوظيف لأبناء الوطن، من خلال توفير فرص عمل مثالية لفئات المجتمع المختلفة، وهذا قد أدى إلى تقليص نسبة البطالة، وزيادة الأيدي العاملة، مما زاد من قوة الاقتصاد الألماني خلال السنوات الأخيرة. [3]
أوجه التشابه بين المعجزة الاقتصادية اليابانية والألمانية
تتشابه المعجزة الاقتصادية الألمانية واليابانية في مجموعة من نقاط القوة، تلك النقاط التي جعلت كلًا من ألمانيا واليابان في مصاف الدول الديمقراطية المتقدمة.
- الدعم الأمريكي: حصلت ألمانيا واليابان على الدعم المالي الكبير بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تمكنت ألمانيا من الحصول على دعم بقيمة 13.3 مليار دولار من المنح والقروض، أما اليابان فقد حصلت على دعم قيمته 2.44 مليار دولار.
- التطبيع مع الجيران: قامت ألمانيا بإجراء معاهدات الصلح مع إسرائيل والمنظمات اليهودية، وكذلك قامت اليابان بعقد معاهدات الصلح والتطبيع مع دول أوروبا وشرق أسيا وكوريا الجنوبية، بالإضافة إلى الصين الشعبية.
- الاهتمام بالتعليم: اهتمت ألمانيا واليابان بالتعليم، وقد لاقت الحكومات تجاوبًا من الشعوب، مما ساهم بشكل كبير في التطور المستدام، وإخراج جيل من العلماء والمهندسين والاقتصاديين. [4]