من هو مولاي عبد السلام بن مشيش
يعتبر مولاي عبد السلام احد أعلام الصوفية في العالم العربي، لقب بشيخ مشايخ الصوفية وبالقطب الشهيد، و الغوت، وجد الشرفاء العلميين، هو من العلماء الكبار و الزهاد الفاضلين هو أستاذ الأقطاب الثلاثة..سيدي إبراهيم الدسوقي، وسيدي أحمد البدوي، وسيدي أبي الحسن الشاذلي، ظهرت عليه بوادر الصلاح والتقوى منذ صباه، و كان يصعد إلى الجبل، قصد التعبد والخلوة والزهد حتى اشتهر بذلك. عمت شهرة مولاي عبد السلام بن مشيش المشرق والمغرب، في حياته ومماته، حيث يتوافد على ضريحه في المغرب عارفين وصوفية وعلماء وفقهاء، وعامة الناس للتبرك وزيارته والتعرف على كراماته التي لا تعد ولا تحصى، لنتعرف في هذا المقال عن حياة الولي الصالح.
نسب وولادة مولاي عبد السلام
ولد رضي الله عنه في أوائل النصف الثاني من القرن السادس الهجري في المغرب بمنطقة بني عروس بالقرب من مدينة طنجة، سنة 559 هـ وقيل سنة 563هـ، ثم انتقل بعدها للعيش بجبل العلم قرب العرائش إلى أن وافته المنية.
هو مولاي عبد السلام بن سليمان بن أبي بكر بن علي العلمي الإدريسي بن بو حرمة بن عيسى بن سلام العروس بن أحمد مزوار الإدريسي بن علي حيدرة بن محمد بن إدريس الأزهر دفين مدينة فاس بن إدريس الأول دفين جبل زرهون بن عبد الله الكامل بن الحسن المثنى بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب و فاطمة الزهراء بنت الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه و سلم.
نشأة وحياة القطب مولاي عبد السلام
ألف العبادة و النسك من صغره، قبل أن يتجاوز الثانية عشر كان قد حفظ القرآن الكريم كاملا، كان معلمه وشيخه هو سليم دفين قبيلة بني يوسف، ثم استكمل الطريق على يد العلامة الحاج أحمد الملقب أقطران، وأما عن من تولى تربيته دينيا فهو العارف بالله سيدي عبد الرحمن بن الحسن الشريف العطار المدني الحسني الشهير بالزيات.
خرج مولاي عبد السلام إلى طلب العلم و العبادة 16 سنة كاملة، وقد كان يعمل بالفلاحة مثل بقية سكان منطقته، ويعيش من عرق جبينه، بالإضافة إلى تصوفه و زهده الكبير. وتزوج بإبنة عمه يونس، وأنجب منها أربعة ذكور محمد وأحمد وعلي وعبد الصمد، وكان له ابنة واحدة تدعى فاطمة.
عاش يحاول التخفي بين الناس وغاب عن الخلق، و كان يدعو الله في السحر أن يبعد عنه الخلق و يجعله في معزل عنهم حتى يكون سره مع الله دائما، فلم يكن يهوى السلطة و الشهرة، وتحدث عنه تلميذه أبي الحسن الشاذلي أنه كان يخفي نفسه عن الآخرين ويتعبد في الخلاء ، و قد سمع حسه ذات يوم وهو يدعو عندما قصد غارا للمبيت، ولم يرد إزعاج من فيه، فبات على فم الغار، ليعلم فيما بعد أن الرجل الذي كان يدعو بخشوع هو الإمام عبد السلام بن مشيش نفسه، وكان الدعاء “اللهم إن أقواما سألوك إقبال الخلق عليهم وتسخيرهم لهم، فسخرت لهم خلقك فرضوا منك بذلك، اللهم إني أسألك إعراضهم عني واعوجاجهم علي حتى لا يكون لي ملجأ إلا إليك”. وقد استجاب الله له فبلغه من الخفاء حتى لم يعرفه إلا الشيخ أبو الحسن الشاذلي، الذي صارت الطريقة تنسب له.
و من كراماته الكبرى تربيته للشاذلي حيث رسم مولاي عبد السلام حياته فيما يستقبله من أيام، و ذلك عندما انتهت مدة اقامته عنده عندما قال.. “يا علي ارتحل الى افريقية و اسكن بها بلاد تسمى بشاذلة، فان الله عز وجل يسميك الشاذلي و بعد ذلك تنتقل الى ارض المشرق وبها ترث القطابة “، و بعد سنوات تحقق هذا المنهج حرفيا وكأنه كان ينظر إلى الغيب بنور الله عز وجل.
أما مآثره العلمية التي نقلت عن طريق تلميذه الشاذلي، فهي مجموعة من المرويات التي تتوافق مع الكتاب والسنة منها..قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي : أوصاني شيخي فقال : لا تنقل قدميك إلا حيث ترجو ثواب الله، و لا تجلس إلا حيث تأمن غالباً من معصية الله، ولا تصحب إلا من تستعين به على طاعة الله. وقال له أيضا: التزم الطهارة من الشكوك، كلما أحدثت تطهرت، ومن دنس الدنيا كلما ملت إلى الشهوة أصلحت بالتوبة ما أفسدت بالهوى أو كدت، وعليك بصحبة الله على التوقير والنزاهة. من بين أعظم آثاره الدينية كذلك صلاته المعروفة بالصلاة المشيشية البصمة التي بقيت خالدة بعد وفاته لمئات السنين ويرددها الاف المسلمين في كل بقاع العالم.
لقد مرت حياة مولاي عبد السلام بثلاثة مراحل، مرحلة الاجتهاد في العلم و الدين، ومرحلة تربية الأبناء والجهاد في سبيل الله، ثم مرحلة العبادة و الزهد عبر الخلوة، حيث اختار المقام في جبل العلم و التقرب من الله حتى مات شهيداً هناك.
ما هي الصلاة المشيشية
من أهم النصوص التي ظلت خالدة لمولاي عبد السلام بن مشيش نص الصلاة المشيشية التي تداولت في ربوع العالم الإسلامي، وقد سميت هذه الصلاة بالمشيشية نسبة إليه، و رددتها مختلف الطرق الصوفية، وخصوصا الطرق ذات المشرب الشاذلي المشيشي.
الصلاة المشيشية : اللهمَّ صلِّ على مَنْ منهُ انشقَّت الأسرار, وانفلقَتِ الأنوارُ، وفيهِ ارتقَتِ الحقائقُ، وتنـزَّلتْ عُلومُ آدمَ فأعجزَ الخلائقَ ، ولهُ تضاءَلتِ الفُهومُ فَلمْ يُدْرِكْهُ منّا سابقٌ ولا لاحِقٌ ، فرياضُ الملكوتِ بزهرِ جماله مونِقةٌ، وحياضُ الجبروتِ بِفيضٍ أنوارِهِ مُتدفّقةٌ، ولا شيءَ إلا وهوَ به منوطٌ ، إذ لولا الواسِطةُ لذهَبَ كما قيلَ الموسوطُ ، صلاةً تليقُ بكَ مِنكَ إليهِ كما هو أهلهُ ، اللهمَّ إنّه سرُّكَ الجامعُ الدَّالُّ عليكَ، وحِجابُكَ الأعظمُ القائمُ لكَ بينَ يديكَ ، اللهمَّ ألحقْنِي بنسبِهِ ، وحقِّقْنِي بحسَبِهِ وعرِّفني إِيَّاهُ مَعرفةً أسْلمُ بها مِن مواردِ الجهلِ ، وأكرعُ بِها مِنْ مَوارِدِ الفَضل . واحملني على سَبيلِهِ إلى حَضْرتِكَ حَمْلاً محفوفاً بِنُصْرَتِكَ ، واقذفْ بي على الباطل فأدمغَهُ ، وزُجَّ بي في بحار الأَحَدِيَّة ، وانشُلني من أَوْحالِ التَّوحيدِ ، وأغرقني في عين بحْرِ الوَحدةِ ، حتى لا أرى ولا أسمَعَ ولا أَجِدَ ولا أُحِسَّ إلا بها، واجعلْ الحِجابَ الأعظمَ حياةَ رُوحي ، ورُوحَهُ سِرَّ حقيقتي، وحقيقَتَهُ جامعَ عَوالمي، بتحقيقِ الحقِّ الأوّلِ ، يا أَوّلُ يا آَخِرُ يا ظاهِرُ يا باطنُ ، اسمع ندائي بما سمعْتَ به نداءَ عبدِكَ زكريا ، وانصُرني بكَ لكَ ، وأيّدني بكَ لكَ ، واجمعْ بيني وبينَك وحُلْ بيني وبينَ غَيرِك ، اللهُ ، اللهُ ، اللهُ ” إنَّ الذي فرضَ عليْكَ القُرآنَ لرادُّكَ إلى معادٍ” ، “ربَّنا آتِنَا مِنْ لدُنْكَ رحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً”.. ثلاثاً.
وفاة مولاي عبد السلام وضريحه
خرج سيدي عبد السلام من خلوته ذات يوم ليتصدى لابن أبي الطواجن الكتامي، الذي ادعى النبوة، واتى بحيل مدبرة لكي يظهر وكأنه صاحب معجزات، وبدأ الناس في تصديق سحره فاتبعوه، فعاث في الأرض فسادا ، فغلبه القطب الرباني بالمنطق والأدلة الدينية وثار عليه ووقف في وجه المنكر، فلم ينفع معه الترغيب و الترهيب، مما جعله هو وأتباعه يخططون ويدبرون مؤامرة لقتله، حيث تصيدوا له حتى ينزل من خلوته للوضوء لصلاة الصبح فقتلوه سنة 622 للهجرة، رحمه الله و قدس سره.
ضريحه يوجد بـجبل العلم (شمال المغرب) وهو جبل كان يتعبد فيه و يخلو بربه، و يعتبر من أهم المزارات حتى الآن.
و يقام موسم و حفل ديني وفكري كبير في ذكرى مولاي عبد السلام بن مشيش بداية يوليوز من كل سنة، تتضمن فعاليات هذا الموسم، الذي يحظى برعاية جلالة ملك المغرب، الهبة الملكية التي يسلمها الحاجب الملكي، كل سنة إلى الشرفاء العلميين أحفاد القطب الرباني مولاي عبد السلام، ثم برنامجا متنوعا يشمل سلكا من الذكر الحكيم وحلقات الذكر والصلاة المشيشية التي تتردد في كل وقت هناك، وأمسيات من المديح النبوي الشريف وندوات دينية في التصوف، ويحضر هذا الموسم مريدين و رجال دين و شيوخ و علماء وشرفاء من كل أنحاء العالم والمغرب.