استراتيجية قصر الذاكرة ” نظرية لوكي”


الاستراتيجيات بوجه عام هي عبارة عن مجموعة من الفروض والتجارب والإثباتات التي يتم تشكيلها في صورة نظرية وتطبيقها والحصول على مجموعة من النتائج وتحقيق الأهداف المنشودة ، ومن ثَم ؛ تُصبح قابلة للاستخدام وهنا تحمل اسم استراتيجية ، ولقد اجتهد العلماء في وضع الاستراتيجيات التي يُمكن من خلالها تطوير


المهارات العقلية


والإدراكية والإدارية ومنها استراتيجية قصر الذاكرة .


استراتيجية قصر الذاكرة


إن استراتيجية قصر الذاكرة هي عبارة عن طريقة يُمكن من خلالها توطين الذاكرة بشكل فعال على الحفظ بسرعة وسهولة ، وهي تعتمد في المقام الأول على الخيال الخصب والقدرة على التخيل وتصوير الأشياء المختلفة في الذهن من أجل تذكر المعلومات المُخزنة في العقل بشك يسير .


قصة استراتيجية قصر الذاكرة


هناك قصة تاريخية بما تكون أسطورية تُشير إلى أن أول شخص في التاريخ استخدم نظرية قصر الذاكرة كان شاعرًا إغريقيًا  يُدعى سيمونيدس ؛ حيث أنه نظرًا لبراعة سيمونيدس في نظم الشعر والقصائد ، طلب منه الملك حينذاك أن يقوم بنظم قصيدة كاملة له .


وفي الموعد المحدد ذهب الشاعر ومعه القصيدة ، وكان نصفها مدح للملك والنصف الاخر مدح للالهة ، وهذا ما أثار غضب الملك ؛ وأصر على أن يعطيه مبلغ مالي نظير نصف القصيد التي يمدحه بها فقط .


وهنا علت الأصوات بالضحك والاستهانة بالشاعر وخرج مُهانًا حزينًا من القصر بعدما جاءه أحد الجنود يبلغه بوجود جنديان يطلبانه في أمر خطير وخرج ولم يجد شيء ، وبينما هو واقفًا يُفكر فيما حدث وما ألمَّ به ؛ سمع صوتًا قويًا مدويًا وتصاعد اغبار بشكل كثيف ، وعندما التفت وجد أن القصر قد انهار بالكامل على كل من فيه ، ولم يخرج منه أي شخص حيًا .


وتقول الأسطورة أن سيمونيدس ظن أن الالهة التي مدحها هي من أرسلت لك الجنود من أجل أن يخرج من القصر قبل أن ينهار .


وبعد ذلك جاء أهالي الضحايا يتساءلون عن ذويهم ويطلبون من سيمونيدس أن يخبرهم أين كان يجل كل فرد نظرًا إلى صعوبة التعرف على هوية الضحايا بعد الحادث .


وهنا استجمع سيمونيدس ذاكرته وتخيل القصر في مكانه مرة أخرى والجدران والأعمدة وأماكن جلوس الملك وأماكن اللهو والخدم والحضور وأخذ يسرد أين كان يجلس كل شخص ، ومن هنا ظهرت نظرية قصر الذاكرة الشهيرة .


خطوات تطبيق نظرية بناء قصر الذاكرة


كلمة لوكي باللغة الإنجليزية Loci هي جمع كلمة Locus أي التركيز على شيء ما بشكل دقيق ، وقد أخذت النظرية هذا الاسم نظرًا إلى أنها تُركز بشكل دقيق على تذكر أشياء مُعينة في مكان مُحدد ، أما خطوات تطبيق تلك النظرية ، فهي تتم على النحو التالي [1] :


تحديد المكان


يتم تحديد المكان (الذي يحل محل القصر في القصة الحقيقية) وربما يكون هذا المكان هو غرفة أو منزل أو مدرسة أو متحف أو مدينة أو دولة أي مكان اخر يُفضله من يقوم بالنظرية ؛ ولكن بشرط أن يكون هذا المكان مكانًا واقعيًا سبق وأن ذهب إليه افرد وحفظه عن ظهر قلب وليس مكانًا من وحي الخيال .


تحديد الطريق


وهنا يجب أن يتم تحديد الطريق الذي سوف تصل من خلاله إلى هذا المكان الذي تم اختياره في الخطوة الأولى ، وربما في حالة اختيار أحد المتاحف  التي قد زرتها مُسبقًا أن يكون الطريق الرئيسي في المدينة هو طريقك إليها ، وبالطبع الذهاب عبر هذا الطريق لن يتم بشكل فعلي وإنما سوف يكون في الخيال فقط .


تحديد أماكن الأشياء


يجب أن تكون على علم بأماكن كل شيء في المكان الذي قد وقع اختيارك عليه لتطبق عليه النظرية في الخطوات السابقة ، وعلى سبيل المثال ؛ يجب أن تعرف مكان الباب الرئيسي للمتحف وعدد الأدوار ومحتويات كل دور وطبيعة الاثار الموجودة داخله ، وهكذا ؛ حتى يتم رسم صورة صحيحة وتصور سليم له في الذهن .


بناء قصر الذاكرة


والان ؛ نأتي إلى النقطة الأهم والرئيسية في تطبيق نظرية قصر الذاكرة ؛ وهي التدقيق والبدء في قصر الذاكرة ، ويجب هنا أن يجلس الفرد في مكان هادئ وأن يُفكر كثيرًا في شكل وهيئة هذا القصر ويتخيله كما لو كان بالفعل أمامه ويرى كل محتوياته كما لو كان متواجدًا به ، وربما يحتاج هنا إلى تصور شكل هذا المكان ورسمه في صورة خريطة على الورق أولًا ، م البدء في التركيز بالذاكرة على كل ما يتذكره داخل هذا المكان ، وبعد ذلك يقوم بمقارنة ما تمكن من تذكره بخياله وبين ما تم رسمه على الورقة .


حفظ المعلومات


الأمر في هذه النظرية ليس مقصورًا فقط على التذكر ؛ وإنما هو يهدف إلى جانب ذلك على إتقان حفظ المعلومات بسهولة ، وعلى سبيل المثال ؛ إذا كان على الطالب أن يقوم بحفظ بعض الأبيات الشعرية أو النصوص من أجل

الإذاعة المدرسية

في اليوم التالي أو أي نشاط اخر .


فهنا عليه أن يقوم بوضع كل بيت شعري (واحد فقط) في أحد أجزاء المكان الذي قد اختاره لقصر ذاكرته به ، وهو المتحف في هذا المثال ، وبالتالي ؛ عليه أن يتخيل وضع ورقة في طريق الوصول إلى المتحف ، وورقة عند الباب الرئيسي له ، وورقة في الدور الأول وهكذا ؛ حيث أن الترتيب هنا هام جدًا وضروري من أجل إتمام النظرية بشكل صحيح .


استخدام الرموز


عند الرغبة في حفظ شيء ما بسهولة وعبر قصر الذاكرة ، فيمكن استخدام أحد الرموز التي تسير إلى الفكرة المُراد حفظها بدلًا من وضع الفكرة أو المعلومة كاملة ، لأن ذلك من شأنه أن يُعزز من الفائدة التي يحصل عليها كل شخص يُطبق هذه النظرية .


استكشاف المكان مرة أخرى


وبعد الانتهاء من جميع الخطوات السابقة ؛ قم باستكشاف القصر (وهو المتحف في هذا المثال) مرة اخرى وتذكر اماكن وضع كل معلومة بها ، وفي الصباح سوف تجد أنك قادرًا على تذكر كل المعلومات المطلوب حفظها بشكل يدعو للاستغراب .


تشييد أماكن وقصور جديدة


وتُجدر الإشارة أيضًا إلى أن الأمر ليس مقصورًا على تخيل مكان واحد فقط وحفظ تفاصيله في الذاكرة ؛ وإنما بعد ان يمتلئ القصر الأول بالمعلومات ؛ يكون في إمكان كل شخص أن يقوم بتشييد العديد والعديد من القصور الأخرى في ذاكرته أو إفراغ القصر من معلومات لم يعد في حاجة إليها ، ومن ثَم ؛ سوف يُصبح حفظ أي معلومة جديدة لديه عبر قصر ذاكرته أمر سهل وسريع جدًا .


وعلى الرغم أن نشأة فكرة ونظرية قصر الذاكرة كانت قائمة على قصة خيالية أسطورية تابعة إلى الحضارة الإغريقية ؛ إلا أن الفكرة التي تركتها تلك القصة ؛ وحرص الكثيرون على فهمها وتطويرها ؛ قد ساعد بالفعل على التوصل إلى طريقة حفظ هادفة وفعالة ؛ ويُذكر أن تلك الاستراتيجية كانت هي النواة الأولى لمفهوم


الذاكرة التصويرية


التي يتمتع بها كبار العباقرة والمفكرين والعلماء على مر العصور .